يتمادى الكيان الصهيوني في اعتداءاته على الأراضي الفلسطينية، سواء بالمصادرة أو بناء المستوطنات، التي طالما وصفتها الدول العربية والأوروبية والمنظمات الدولية بأنها غير شرعية، فأخذت سلطات الاحتلال خطوة جديدة على طريق جعلها شرعية وقانونية من وجهه النظر الصهيونية العنصرية، وذلك وسط صمت أمريكي يكاد أن يكون ضوءًا أخضر داعمًا لخطوات الكيان المحتل. قانون عنصري جديد أقر الكنيست الصهيوني، مساء أمس الاثنين، بأغلبية ضئيلة مشروع قانون يشرع آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربيةالمحتلة بأثر رجعي، حيث تم إقرار القانون في قراءة ثالثة ونهائية بأغلبية 60 نائبًا مقابل 52 صوتوا ضده، وذلك من أصل 120 عضوًا يتألف منهم الكنيست، ويهدف هذا القانون إلى تشريع البؤر الاستيطانية العشوائية التي تعتبر غير قانونية، ليس بموجب القانون الدولي فحسب، بل أيضًا بموجب القانون الإسرائيلي، ويضفي هذا القانون شرعية وبأثر رجعي على ما يقرب من 3921 وحدة استيطانية، بُنيت بشكل غير قانوني على أراضٍ فلسطينية، كما سيكرس مصادرة 8183 دونمًا، أي نحو 800 هكتار من أراضٍ فلسطينية خاصة، أضف إلى ذلك أنه يشكل خطوة في اتجاه ضم أجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة. غضب وتهديدات استشاطت الفصائل الفلسطينية بسبب القانون الصهيوني، خاصة أنه تزامن مع سلسلة غارات شنتها طائرات الاحتلال على قطاع غزة؛ مستهدفة مواقع تابعة للمقاومة الفلسطينية، حيث أدانت منظمة التحرير الفلسطينية القانون الصهيوني، معتبرة أنه يشرع سرقة الأراضي الفلسطينية، وقالت المنظمة: القانون الجديد يبرهن عن إرادة الحكومة الإسرائيلية في تدمير أي فرصة للتوصل إلى حل سياسي. مشددة على أن الاستيطان الإسرائيلي يقوض فرص السلام وخيار الدولتين. من جانبها أكدت الرئاسة الفلسطينية أن هذا القانون "مرفوض ومدان"، ويتعارض مع القرار 2334 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر الماضي، ويطالب فيه الكيان الإسرائيلي بوقف الاستيطان، وطالب المتحدث باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها. في الوقت نفسه أدانت قوات العاصفة (الجناح العسكري لحركة فتح) الممارسات الإسرائيلية الأخيرة بشكل عام، سواء الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة أو القانون المثير للجدل، مؤكدة "لن نصمت كثيرًا، وسنضرب بيد من حديد، وستطال صواريخنا عمق أراضينا المحتلة"، ودعت جميع عناصرها إلى النفير العام وأخذ الحيطة والحذر والتصدي للعدوان الغاشم. معارضو القانون لم يقتصروا على الفصائل الفلسطينية، بل امتدوا إلى سياسيين إسرائيليين أيضًا، حيث ندد زعيم حزب العمل المعارض، إسحق هرتزوغ، بما وصفه "القانون الحقير الذي سيؤدي إلى ضم ملايين الفلسطينيين، ويعرض الجنود والسياسيين الصهاينة لمحاكمات في محاكم دولية"، وفق تعبير هرتزوغ، فيما اعتبرت حركة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان أن هذا القانون يشكل سرقة كبيرة للعقارات؛ ما سيؤدي ليس فقط إلى مصادرة 800 هكتار من الأملاك الخاصة الفلسطينية، بل يمكن أيضًا أن يحرم الإسرائيليين والفلسطينيين من فرصة التوصل إلى حل الدولتين. المجتمع الدولي أيضًا علق على هذا القانون الإسرائيلي المثير للقلق، حيث أعرب الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولا ملادينوف، أمس الاثنين، عن قلقه من مشروع القانون، مؤكدًا أنه سيؤدي إلى تسهيل الاستخدام المستمر لأراضٍ فلسطينية خاصة لصالح المستوطنات الإسرائيلية، واعتبر أن إقراره سيخلف عواقب قانونية طويلة المدى على إسرائيل، ويقلل إلى حد كبير من احتمالات السلام العربي الإسرائيلي. أمريكا والصمت المؤيد من جانبها رفضت أمريكا التعليق على القانون الصهيوني، حيث التزمت الصمت القريب لتأييد الإجراءات الصهيونية العنصرية، فقد باتت الاستراتيجية الأمريكية تجاه إسرائيل وبناء المستوطنات مفهومة لدرجة كبيرة، يمكن من خلالها القول بأن إسرائيل لم تكن تجرؤ على الإقدام على هذه الخطوة دون الحصول على الدعم الأمريكي، وهو ما أكدته التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، حيث قال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، في تصريح له من بريطانيا، إنه أعلم الحليف الأمريكي بمشروع القانون، وأضاف نتانياهو "علينا ألا نفاجئ أصدقاءنا، ولا بد من إعلامهم بما يجري، وهذا ما قمت به". منذ تنصيب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 20 يناير الماضي، وأصبح شغل الكيان الصهيوني الشاغل هو تشريع الاستيطان والحصول على الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، وترجمة الدعم الأمريكي الجديد إلى خطوات؛ لتحقيق طموحات إسرائيل الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، وهو ما حدث بالفعل قبل تشريع القانون المثير للجدل، عندما صدَّق الكيان على بناء أكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية في الأراضي المحتلة فور إنهاء رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، مكالمته الهاتفية الأولى مع الرئيس الأمريكي الجديد، كما ظهر أيضًا في تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، الخميس الماضي، حينما قال إن الإدارة الأمريكية لا تعتقد أن المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الأراضي الفلسطينية تشكل عائقًا أمام السلام، ولكنها ترى أن توسعة هذه المستوطنات أو بناء مستوطنات جديدة قد لا يكون مساعدًا على إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مؤكدًا أن الإدارة لم تتخذ موقفًا رسميًّا بهذا الشأن بعد. الاستيطان يفتك بالضفة تشير الإحصائيات والأرقام الرسمية الخاصة بالاستيطان إلى أن عدد المستوطنين فيالضفة الغربية ارتفع من 400 مستوطن عام 1977، إلى نحو 450 ألف مستوطن في 2016. ويبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وفق آخر الإحصائيات نحو 640 ألف مستوطن، منهم قرابة 220 ألف مستوطن في مستوطنات بالقدسالشرقية وحدها، فيما تعتبر مستوطنات "أرييل" و"معالي أدوميم" ومستوطنتا "بيتار عيليت" و"موديعين عيليت" المتطرفتان، من أكبر المستوطنات في الضفة.