صار الوضع غريبا وأكبر بكثير من كل الشعارات والكلمات، لذلك وجب علينا الدخول في الموضوع مباشرة دون مقدمات أو كلمات شاعرية. لماذا تمس قضية تيران وصنافير ذلك العصب الحساس لدينا ولماذا نشعر بالثورة والغضب بهذا الشكل تجاهها؟ منذ سنوات وهناك العديد من القضايا كانت ومازالت تستحق وقفة غضب وتعبير عن الرأي والرفض الشديد، فنحن نعاني هبوط اقتصاديا حادا وإجراءات تمس الحياة اليومية لهذا الشعب المطحون، بالإضافة لضغوط كبيرة سياسية وتضييق كبير وأيضا إخفاقات في كل المجالات، بالإضافة لحملات تشويه ممنهجة لكل مبادئ ثورة يناير، نعم لم يكن التشويه يطال فقط ثورة يناير كحدث يراه البعض مؤامرة ولو كان قد توقف عند هذا الحد لكان هينا واعتبرناه اختلافا في وجهات النظر، ولكن التشويه كان ممنهجا لتدمير تلك المبادئ التي رفعتها ثورة يناير من عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية واستقلال وطني… إلخ. وهذا هو الأهم الذي انبرى النظام الحالي بكل أدواته لمحوه وتشويهه في ذاكرة الناس لأن الحقيقة أن المبادئ أهم من الحدث لو كنتم تعقلون. تأتي اليوم قضية تيران وصنافير من حيث أهميتها لتتربع على عرش القضايا الرئيسية في مصر، ليس فقط لكونها قضية أرض وإنما لأنها تحمل بين ثناياها وبين سطورها كل القضايا وجذور المشكلات التي نعاني منها منذ سنوات. تختلف هذه القضية جذريا عن أي قضية حدودية أخرى بين أي دولتين بل حتى عن باقي قضايا مصر الحدودية أولا: لوضوحها الشديد وعدم التباسها لا تاريخيا ولا وثائقيا، إلا على المجادل والمنافق فمنذ اللحظة الأولى التي بدأ الحديث فيها عن القضية وانبرى شرفاء مصر لإثبات الحق وتقديم الوثائق التي لم تجعل للخصم أي منفذ أو متنفس يستطيع ان يدعي من خلاله أنه على حق. ثانيا: كونها قضية أمن قومي مصري من الدرجة الأولى وليست مجرد نزاع حدودي، فهذه الجزر هي التي تحفظ لمصر نفوذها الاستراتيجي المسيطر على الملاحة في خليج العقبة في الوقت الذي تتبارى فيه الدول اليوم على السيطرة على هكذا نقاط ففي الوقت الذي تعتبر إيران سيطرتها على جزر مضيق هرمز خط أحمر، وفي الوقت الذي تخوض في دول التحالف عدوانا على اليمن من أجل السيطرة على باب المندب وتدفع الإمارات المليارات من أجل السيطرة على جزيرة سوقطرة تتنازل مصر عن تيران وصنافير؟ ثالثا: لأنها في حقيقتها المجردة قضية صهيونية من الدرجة الأولى الفائز الأكبر فيها في الحقيقة ليس السعودية وإنما العدو الإسرائيلي الذي يريد بكل الطرق إنهاء أي قوة استراتيجية لمصر في المنطقة، فنجده في الحبشة يعبث في منابع النيل وفي سوريا يضرب عمق مصر القومي وفي البحر المتوسط يستنزف ثرواتنا وفي ليبيا يسرق الثروات ويهدد حدودنا الغربية وفي باب المندب عبر حلفائه نجده اليوم في تيران وصنافير ليقوم بتحييد الملاحة في خليج العقبة وضمان نفوذه فيها عبر حليفه المستقبلي «آل سعود»، هذا العدو الذي يستعد منذ 2011 ليعلن عن نفسه أنه القوة الكبرى في المنطقة وصاحب الأمر والنهي. أما رابعا: لأنها قضية تجسيد «الفشل» بكل ما تحمله الكلمة من معنى الفشل الاقتصادي والسياسي في تسوية كل الملفات الأمنية والاقتصادية في البلاد، فبعد مؤتمر اقتصادي لم ينتج عنه إنجازات ملموسة وبعد انهيار العملة وسقوط الجنيه وبعد فشل تسوية ملفات سد النهضة والإرهاب في ليبيا وبعد توقف السياحة وفضائح الفساد، لم يعد أمام الفشل إلا الرضوخ للفشل والاستسلام للضغوط للحصول على قبلة حياة تطيل العمر ولو لسنوات من باب "رب ارجعني أعمل صالحا". خامسا: لأنها تمس كرامة هذا الوطن الذي يؤمن أبناؤه بيقين انه الوطن الأكبر في المنطقة، ولا يتحملون للحظة أن يكون هناك ضغوطا عليه من دول لا تساوي في سوق الحضارات والأوطان "قرش صاغ"، هذا الوطن الذي من المفترض ان يكون هو السائد والمتحكم في المنطقة، هذا الوطن الذي يجب ان يكون ندا للأمم الكبرى في المنطقة لا لمشيخات الساحل الأثرياء. من جهة أخرى لماذا علينا أن نجيب عن هذا التساؤل؟ للأسف هذه القضية بالنسبة لبعض التيارات لا تعدو كونها "اللحظة المناسبة" هذه التيارات التي لا ترى في قضية تيران وصنافير سوى فرصة للهجوم على النظام وتصفية الحسابات، وفي حقيقة الأمر هي لا يعنيها لا تيران ولا صنافير ولا أي من الأسباب سالفة الذكر، هذه التيارات بيننا من أقصى اليمين لأقصى اليسار موجودة وتستعد لركوب الحدث. لذلك نجيب عن السؤال ونقول بصراحة "لأننا لا نملك العيش فقدنا بكل وضوح كل معاني الحرية التي قد تدفع الجائع للدفاع عن حقه ، ولأننا لا نملك الحرية فلم يعد بمقدورنا أن نقيم أي عدالة اجتماعية فكيف للمقيد المسجون أن يتحرك إلا في الإطار الذي رسمه له سجانه؟ وبالتالي لم تعد لدينا كرامة إنسانية ولا استقلال وطني ، وتجلى ذلك واضحا كنور الشمس في « تيران وصنافير » " إن أي انطلاق أو غضب لا يحمل في طياته وفهمه وإدراكه هذه المعاني سيفشل كما فشل من قبله كل انطلاق، لذلك رددوا معنى الحرية والاستقلال، كرروا من هو العدو الحقيقي للوطن وقولوا لمن حولكم لماذا نثور من أجل تيران وصنافير؟