تحولت مصانع حليج الأقطان المقامة على حوالي مليون و400 ألف متر تقريبًا بمحافظة المنيا، إلى كهوف مظلمة، بعد قرار تخصيصها في تسعينيات القرن الماضي، ما أسفر عن قطع أرزاق آلاف العاملين وضرب واحدة من أقوى دعائم الاقتصاد الوطني، ورغم صدور قرار نهائي من محكمة القضاء الإداري عام 2011 بعودة المصانع للدولة بعد إزالة ما عليها من تعديات، لكنه لم ينفذ حتى اليوم. وقال خيري مرزوق، رئيس اللجنة النقابية لمصانع حليج الأقطان، إن الشركة كانت تحقق أرباحًا ضخمة منذ إنشائها وحتى خصخصتها في عام 1997، ثم بدأت في الانهيار بشكل مريب، مضيفا: «في العام الذي سبق البيع، حققت المصانع أرباحًا تقدر ب37 مليون جنيه، بالإضافة إلى 41 مليونا وديعه في البنوك، وبعدها لاحظنا تطفيش العمال وتصفية الشركة وتحويل أراضيها للقطاع العقاري؛ لوقوعها في مناطق حيوية يزيد سعر المتر الواحد الآن عن40 ألف جنيه». واستطرد مرزوق ل"البديل" أن المستثمر بدأ خطواته لتدمير الشركة عن طريق شل حركة الإنتاج، فبدأ بقطع خطوط الكهرباء، وتعطيل محطات المياه، وتخفيض المرتبات بشكل كبير، مع إحالة عدد كبير للمعاش المبكر عنوة، ومن يرفض يتم نقله لمحافظات أخرى لإجباره على قبول الإحالة، ما تسبب في تراجع الشركة بشكل كبير، ومن هنا بدأت في الانهيار. أكد رئيس اللجنة النقابية لمصانع حليج الأقطان، أن ما حدث للمصانع يعد إهدارًا للمال العام بكل ما تحمله الكلمة من معنى، متسائلًا: لمصلحة من يتم بيع الشركة التي كانت متميزة في جميع الصناعات؟ مستطردا: «إلى عبد العليم الصيفي، رئيس الشركة الحالي ومجموعة مستثمرين آخرين، بمبلغ 250 مليون جنيه فقط، في حين أن قيمة الشركة الفعلية كان يزيد حينها عن 5 مليارات جنيه، ويتم تحويلها إلى خرابة»، بحسب تعبيره. وتابع: «رغم قرار محكمة القضاء الإداري في ديسمبر عام 2011 في الدعوى رقم 37542 لسنة 65 ق، بعودة الشركة للحكومة مطهرة مما عليه من المخالفات، لكنه لم ينفذ حتى الآن في ظروف غامضة»، مؤكدا أن المحكمة كشفت عن فساد كبير جرى أثناء عملية الخصخصة ويقدر بمئات الملايين. وجاء نص الحكم النهائي: «عملية تقييم أصول وخصوم شركة النيل لحليج الأقطان قد شابها العديد من المخالفات التي كشفت عنها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والإدارة العامة لمراقبة الحسابات، والذي أدى إلى انخفاض القيمة السوقية والقيمة العادلة للسهم المعروض طرحه للبيع والذى ما انفك إهدارا للمال المملوك للدولة بمبلغ مقدارة 157 مليون جنيه، بالإضافة إلى انخفاض القيمة السوقية للسهم المراد طرحة للبيع والذى بلغ قيمة السهم فى أعلاها بمبلغ 42 جنيها, والذي يلقي على عملية البيع فى مهدها بظلال الشك تحوطه مخالفات إهدار ملكية الشعب والغش ممن ولى أمر إدارة هذا المال استعمالاً واستغلالًا وتصرفًا، فضلًا عن مخالفتها للقواعد والمعايير الموضوعه لتوسيع قاعدة الملكية الخاصة فى شركات قطاع الأعمال». وفي السياق، صدر حكم بحبس محافظ المنيا الأسبق، اللواء صلاح الدين زيادة، 6 أشهر وعزله من وظيفته في الجنحة المباشرة رقم 3133 لسنة 2014 جنح بندر المنيا؛ لامتناعه عن إصدار أمر تقسيم وترخيص بناء على أراضي حليج الأقطان بالمنيا، إلى أن قضت محكمة جنح مستأنف بندر المنيا فيما بعد بإلغاء الحكم الصادر بحبس المحافظ، بشأن امتناعه عن تنفيذ الأمر الوقتي بشأن اعتماد تقسيم وإصدار تراخيص بناء قطعة أرض، خاصة بشركة النيل لحليج الأقطان، وقررت المحكمة في جلسة 26-1-2014، إثبات ترك المدعي بالحق المدني للدعويين المدنية والجنائية، مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه. وأكد المحافظ حينها في بيان رسمي، أن امتناعه عن تنفيذ الأمر الوقتي رقم 11 لسنة 2013 عرائض بندر المنيا بشأن اعتماد تقسيم وإصدار تراخيص بناء قطعة أرض، خاصة بشركة النيل لحليج الأقطان، لكل من صموئيل ثابت ذكي, والمهندس سعد عبد الشهيد, باعتماد التقسيم في قطعة الأراضي الكائنة بناحية قرية دماريس، جاء للحفاظ على أملاك الدولة وتنفيذًا لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 37542 لسنة/65 ق إداري القاهرة، والذي قضى باسترداد الدولة لجميع أصول وممتلكات هذه الشركة مطهرة مما تم عليها من تصرفات وقد تأيد هذا الحكم من المحكمة الإدارية العليا وأصبح نهائيًا. وتأسست مصانع حليج الأقطان عام 1936 في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر، إذ كانت زراعة القطن مزدهرة بمصر عامة والمنيا خاصة، فصدر قرار وزاري رقم 1106 بإنشاء المصانع كإحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والتجارة الدولية, للاستفادة القصوى من القطن وعمل معاصر للبذور، فتضخمت الشركة وتحولت لقلعة صناعية في عهد عزيز صدقي, وكانت تضم أكثر من 7 آلاف عامل بجميع مصانع المحافظات المختلفة، من بينهم ما يزيد على 4 آلاف عامل بمصانع المنيا. وضمت الثلاث مناطق المقام عليها منشآت الشركة بالمنيا 7 مصانع، هي «المسلى الصناعي لعمل السمن, والتكرير وعمل الصابون, واستخلاص الزيوت من بذرة القطن، والأعلاف, والأكسجين، والصفيح، ومحلج المنيا رقم 1» كما كانت تضم المصانع ورشة ميكانيكة ومحطات كهرباء ومعمل كيميائي، ينتج أكثر من 15% من إجمالى المواد التموينية والأعلاف بمصر.