قبل عام عيّن رئيس حكومة بنيامين نتنياهو رئيسًا جديدًا للموساد، هو يوسي كوهين، ليحل محل تامير باردو، الذي انتهت ولايته في يناير الماضي، وقتها تداولت صحف عبرية كصحيفة يديعوت أحرونوت قرار تعيين كوهين بأنه قد يساعد على مواجهة العزلة السياسية التي تعاني منها إسرائيل مؤخرًا، فضلًا عن أهمية استغلال الفرص، ذلك أنه ليس سرًّا أن دولًا عربية وإسلامية لديها مصالح مشتركة قوية في أكثر من مجال مع إسرائيل. اللافت أن الصحيفة العبرية قالت إن الدول العربية والإسلامية غير مستعدة لإقامة علاقات علنية وتطبيع علاقات مع إسرائيل قبل إيجاد تسوية للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وهذا ما لم يحدث، فزيارة نتنياهو لدولتين إسلاميتين هما أذربيجان وكزاخستان، وتطبيع علاقاته مع تركيا المسلمة، حدثا في ظل القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني المسلم. زيارة نتنياهو لأذربيجان صرح نتنياهو، الثلاثاء الماضي، بأن زيارته لدول بمنطقة آسيا الوسطى، وبالأخص الدول الإسلامية منها، تهدف لتوطيد العلاقات بين إسرائيل وتلك الدول التي تقيم معها علاقات دبلوماسية، وقال نتنياهو في ختام زيارته لعاصمة أذربيجان – باكو: «الزيارة هدفت لتطويد وتجديد العلاقات مع أذربيجان التي تقدم لإسرائيل قرابة نصف نفطها»، وبالمقابل فإن الكيان الصهيوني يزوّد أذربيجان بالمعدّات العسكرية المتطورة. وأضاف نتنياهو أن تلك الزيارة جاءت لتحريك الرأي في العالم الإسلامي، وفتح أبواب للتقارب معه، وإقامة اتفاقيات سلام أكثر عمقًا مع شعوبه. وقال نتنياهو خلال لقائه بالرئيس الأذربيجاني إلهام علييف: نرى تغييرًا في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، خاصة في العالم العربي، حيال إسرائيل، وأضاف: إسرائيل دولة يهودية، ومعظم سكان أذربيجان مسلمون، هذا مثال ليهود ومسلمين يعملون معًا لضمان مستقبل أفضل لهما. وتابع رئيس حكومة الاحتلال: هناك أهمية كبيرة على الصعيد العسكري الأمني لتلك الزيارة وتوثيق هذا التعاون بشكل كبير، هنالك تقدم غير مسبوق في مكانة إسرائيل بين الأمم والدول، مما يزيد الطلب على التعاون معها. من جانبه قال الرئيس الأذربيجاني: إن حجم التعاون في مجال المعدات العسكرية الدفاعية بين إسرائيل وأذربيجان بلغ نحو خمسة مليارات دولار. على صعيد متصل وقّعت إسرائيل وأذربيجان عدة اتفاقيات خلال زيارة باكو، من بينها اتفاقيات في مجال التعاون الزراعي ومنع الازدواج الضريبي، وأعلن نتنياهو أن إسرائيل تفحص سبل الارتباط بأنبوب الغاز الأذري؛ على أمل ضمان استقرار الطاقة في العقود المقبلة. في السنوات الأخيرة، وحسب تقارير مختلفة، اقتنت أذربيجان من الكيان الصهيوني معدّات وأسلحة، تشمل طائرات دون طيّار، أنظمة أقمار صناعية، ومعدّات استخبارية متطورة. على الجانب الآخر فإن الكيان الصهيوني كان يبحث خلال السنوات العشر الأخيرة عن بديل مناسب لاستيراد البترول، بعدما توقف الاستيراد من إيران عام 1979، بعد الثورة الإسلامية، وعدم قدرة الكيان الصهيوني على استيراد البترول جعلها تستورد معظمه من المكسيك البعيدة على مدى سنوات عديدة، الأمر الذي كلّفها الكثير. ومنذ استقلال أذربيجان عام 1991، تحسّنت علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وبدأ في استيراد البترول منها، وهي دولة ذات غالبية مسلمة، وتعرّف نفسها كدولة علمانية، وفي إبريل 2014 زار وزير الخارجية الأذربيجاني الكيان الصهيوني، وهي الزيارة الأولى منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين قبل نحو 20 سنة. كما زار وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيع يعلون، أذربيجان في سبتمبر 2014، وهي المرة الأولى التي يتواجد فيها دبلوماسي إسرائيلي كبير في أذربيجان، وهو وزير الدفاع، وأن تكون الزيارة بشكل علني، ولكن بزيارة نتنياهو لأذربيجان يكون قد كسر رقم يعلون كأكبر دبلوماسي إسرائيلي يزور أذربيجان. زيارة نتنياهو كازاخستان تكتسب زيارة نتنياهو لكازخستان، الأربعاء، أهمية خاصة، لسببين: الأول كونها أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيل لتلك الدولة، والثاني أن كازاخستان ستتولى مقعدًا في مجلس الأمن اعتبارًا من يناير المقبل، بصفتها عضوًا غير دائم، وهذا ما يعول عليه نتنياهو في حال طرح مشاريع قرارات تهدف للنيل من إسرائيل. كما كشف نتنياهو في زيارته لكازاخستان أنه طلب تأييد رئيسها نور سلطان نزارباييف لتولي إسرائيل عضوية مجلس الأمن الدولي في عام 2019، وقال نتنياهو: إسرائيل مثلما سبَق وأيدت تنافس كازاخستان على مقعد في مجلس الأمن، فإن الرئيس نزارباييف سيؤيد ترشيح إسرائيل في 2019، وإذا حدث ذلك، وأنا أؤمن أنه يمكن أن يحدث، فإن معنى ذلك تغيير حقيقي في موقف الأممالمتحدة من إسرائيل. وشدد نتنياهو على أن تغييرات مثيرة تحدث في علاقات إسرائيل مع العالم العربي، رغم أنها مستترة عن الأعين، وأن العلاقات مع كازاخستان تشكل نموذجًا يحتذى به للعلاقة بين إسرائيل ودولة مسلمة، وقال: «لقد رأيتم اليوم زعيمي دولة مسلمة ودولة يهودية يتصافحون». وقد وقّع نتنياهو مع نزارباييف على اتفاقيات تعاون عدة في مجالات تكنولوجية وأمنية وزراعية مختلفة، وفي مجال الطيران المدني، وقال نتنياهو: «شرف لي أن أكون أول رئيس حكومة إسرائيلي يزور كازاخستان، وبوسعنا التعاون لتعزيز الاقتصاد ودفعه إلى الأمام. نحن نريد أن نكون هنا، وأن نكون شركاء لكم». مجمل الزيارتين أكد نتنياهو أن إحدى الغايات الأساسية لزيارة أذربيجان وكازاخستان «النية لتغيير وتحطيم الأغلبية التلقائية ضد إسرائيل في المحافل الدولية. أنا أريد إحداث انقلاب في العالم الإسلامي. العالم العربي يتأثر، كما قال لي زعماء عرب نشؤوا على ثقافة الدعاية ضد إسرائيل». ولكن تكمن خطورة زيارة نتنياهو للبلدين المسلمين في عدة نقاط من ضمنها، أن الكثير من الدول الإسلامية لم تعد تلتزم بالمعايير الإسلامية المحددة لعلاقات المسلمين مع اليهود، وإشكالية التعاطي معهم في الوقت الذي يسلبون فيه أرواح وحقوق المسلمين في فلسطين والدول العربية. كما أن الدول الإسلامية باتت منابر إسرائيلية لتوصيل رسائل تهديدية لدول إسلامية أخرى، بحسب مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، حيث طلب نتنياهو من الرئيس الكازاخي أن ينقل للرئيس الإيراني حسن روحاني رسالة مفادها أن النظام الإيراني «يضع نفسه في خطرٍ كبير»، بمواصلته تهديد إسرائيل بالدمار، علمًا بأن كلًّا من أذربيجان وكازاخستان عضوان في منظمة التعاون الإسلامي. كما تكمن الخطورة في أن هناك علاقات علنية وسرية تربط بين تل أبيب، التي تحتل قبلة المسلمين الأولى، ودول إسلامية أخرى، فإندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم استضافت وزير الاقتصاد والتجارة الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في نوفمبر 2013، في إطار مؤتمر دولي، في أول زيارة إسرائيلية رسمية منذ العام 1993، حيث وافقت إندونيسيا على استضافة الوزير الإسرائيلي رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وإندونيسيا، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، والخطورة هنا أن إسرائيل تستغل الخلافات بين الدول الإسلامية لتوظفها لصالحها. وتراهن تل أبيب على استغلال التوتر بين إيرانوأذربيجان، حيث ادّعت بعض المصادر العالمية عام 2013 أن أذربيجان ستتيح للطائرات الإسرائيلية أن تخرج من منطقتها لهجوم محتمل على إيران، لكن تلك الادعاءات تم نفيها من قِبَل أذربيجان، كما أن هناك في إيران أقلية أذربيجانية عددها كبير جدًّا، وتشير التقديرات إلى أن هناك مصادر كثيرة للمخابرات الأذربيجانية داخل إيران، ومن المحتمل أنه في إطار توطيد العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان، أن تكون هناك تسهيلات واحتمالات أكبر لإسرائيل للحصول على استخبارات جيّدة داخل إيران، وبالتالي تعمل إسرائيل على الخلافات «الإسلامية الإسلامية» و«العربية – العربية» و«الإسلامية – العربية»، لتفتيت هذه المجتمعات والقضاء عليها، لتبقى هي الدولة المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط.