حالة من السُّعار السياسي تنتاب المجتمع الغربي ممثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني؛ من الإنجاز العسكري للجيش السوري وحلفائه في مدينة حلب، فالانتصار لا يقتصر على عودة هذه المدينة التاريخية والعاصمة الاقتصادية لسوريا إلى ربوع الوطن مجددًا، بل يتخطاها إلى أبعاد أعمق وأكثر تطورًا على المستويات العالمية والإقليمية. البعد الدولي حسم الجيش السوري معركة حلب يعد تجميدا للتفرد الأمريكي وسياسة القطب الواحد في المنطقة العربية، خاصة أن واشنطن لم تكن ترغب أبدًا بأن يتمكن الجيش السوري من تحرير المدينة، والأدلة كثيرة؛ فمبعوث الأممالمتحدةلسوريا، استيفان دي مستورا، حاول جاهدًا وبرعاية من أمريكيا وفرنسا وبريطانيا إنقاذ المسلحين المتواجدين في حلب، الذي ينتمون إلى فصائل إرهابية مثل فتح الشام، من خلال مبادرات عدة لخروجهم بأسلحتهم إلى مناطق أمنة، كما طلب في آخر مبادرة له بإعطاء المسلحين الذين كانوا يسيطرون على أحياء حلب الشرقية ميزة الحكم الذاتي لهذه المناطق، الأمر الذي لم تقبله الحكومة السورية، وباقي المبادرات الأممية تم رفضها من قبل روسيا أيضًا. كما لوحت الولاياتالمتحدة برفع الحظر على بعض الأسلحة، مثل مضادات الطيران التي تحمل على الكتف ومنحها للفصائل المسلحة قبل معركة حلب، وبعدما تمكن الجيش السوري من إطباق سيطرته على كامل المدينة، وبدأت واشنطن تتذرع وحلفاءها بالأوضاع الإنسانية في حلب، رغم أنها لم تفتح الملف ذاته عندما سيطرت داعش على مدينة تدمر الأثرية، ولم تفتحه أيضًا في غارات التحالف الدولي على الموصل العراقية في مواجهتها لداعش، كما لم تفتحه في اليمن، رغم أن كل 10 دقائق يموت طفل هناك بسبب العدوان والحصار السعودي المبارك من قبل أمريكا. ولا يمكن هنا إغفال سيطرة داعش على تدمر كردة فعل تعبر عن غضب أمريكا من عودة حلب لكنف الدولة السورية، فمن المفترض أن داعش محاصرة من قبل الولاياتالمتحدة في الرقة ودير الزور، وبالتالي سيطرة التنظيم الإرهابي على تدمر جاء بتسهيلات أمريكية كنوع من التعويض ولو كان بسيطًا لخسارتها حلب. وتمثل ضعف واشنطن على الساحة السورية في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بحلب، فأمريكا لم تكن طرفًا فيه كما عودتنا في الاتفاقات المبرمة السابقة، فجاء هذه المرة بين موسكو والمعارضة السورية وبوساطة تركية، وبالتالي انتصار حلب مؤشر على تراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وبروز طرف روسي يقابل النفوذ الأمريكي في المنطقة. البعد الإقليمي انتصار حلب يعطي مؤشرا مهم على فشل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وكشف وحدة المسار بين بعض دول الخليج والكيان الصهيوني، فبالتزامن مع دعوة قطر لعقد اجتماع طارئ في جامعة الدول العربية غدًا الخميس حول حلب، يطالب وزير داخلية إسرائيل بعقد اجتماع أممي عاجل بشأن أوضاع حلب، ما يعكس المخاوف الإسرائيلية من انتصار الجيش السوري في حلب. يذكر أن الطيران الإسرائيلي شن العديد من الغارات العسكرية على مواقع تابعة للجيش السوري على مدار الخمس السنوات السابقة، كما دعمت تل أبيب المعارضة السوري الهادفة لإسقاط النظام في سوريا، وقامت أطراف من المعارضة السورية مؤخرًا بزيارة وشكر إسرائيل على دورها الداعم لها في الأزمة السورية. البعد الإعلامي أثبت معركة حلب زيف الادعاءات الإنسانية التي سوقت لها القنوات الخليجية مثل الجزيرة، بعدم وجود مواد غذائية للأهالي في حلب، فبعد زوال غبار المعركة تبين وجود العديد من مخازن السلع الغذائية والأماكن المزودة بالأجهزة الطبية، كانت المعارضة السورية تحتكرها، بالإضافة إلى سيطرة الجيش السوري لعديد من الأسلحة والذخائر التي قدمت للمعارضة من أمريكا ودول خليجية عبر الحدود التركية. التزييف الإعلامي الذي قدمته القنوات القطرية والسعودية لتجميل المعارضة في سوريا وإضفاء الصبغة الإسلامية عليها سقط في معركة حلب أيضًا، فالجامع الأموي في حلب تم تدمير مئذنته التي طالما صدحت بصوت الأذان من 1400 سنة، وتوقفت فقط في زمن التتار، واليوم توقفت عن العمل بسبب قصف المعارضة السورية لها، كما استولت المعارضة السورية على منبر صلاح الدين في الجامع الأموي واقتادته إلى مكان مجهول، كما سرقت 750 ألف مخطوطة أثرية من الجامع ونقلتها إلى متحف أزمير في تركيا، كما أنها حولت الجامع لثكنة عسكرية. ويرى مراقبون أن جميع أبعاد انتصار حلب لم تتكشف بعد، فلانتصار حلب أبعاد عالمية جديدة قد تتكشف ملامحها قريبًا، خاصة بعد تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل رسمي مهامه في يناير المقبل، كما أن لها أبعاد إقليمية في ظل تحول تركيا التدريجي للمحور الروسي، وتقارب القاهرة مع موسكو وإعلانها صراحةً دعم الجيش السوري والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وبعد تبني داعش أمس لعملية تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، ستصبح القاهرة أقرب لموقف دمشق بضرورة القضاء على التنظيم الإرهابي حتى لا يتمدد في الدول العربية المجاورة، وانتصار الجيش السوري في معركة حلب يثبت أنه بات طرفا قويا ومهم في مكافحة التنظيمات الإرهابية.