مدينة حلب السورية أهمية تاريخية واستراتيجية واقتصادية كبرى ولمَ لا وهي العاصمة الاقتصادية والسياحية بعد دمشق والتى كانت تمثل شريان الاقتصاد قبل الحرب، ومنذ سقوطها في أيدي فصائل المعارضة المسلحة بعد انطلاق الثورة السورية أصبحت تشكل ضغطا كبيرا على النظام السوري بعد أن مكنت فصائل المعارضة الممولة من الغرب من السيطرة على الكثير من المدن السورية وأعطت بذلك قوة لرموز المعارضة بالخارج ومكنتهم من فرض قوتهم خلال المفاوضات منذ انطلاق جنيف1 الساعي إلى تأييد الخيار السياسي للأزمة السورية. ولهذا فقد ظلت حلب بقيمتها العسكرية والرمزية حلما يراود النظام السوري من أجل استعادتها من قبضة المعارضة السورية، وعندما دخلت روسيا إلى معترك الحرب بالانضمام إلى النظام لاستعادة الشرعية كان من أهم ما طلبه الأسد من الجانب الروسي مساعدته في استعادة حلب؛ لما تشكله من أهمية استراتيجية وجوهرية في لب الصراع السوري والإقليمي، وبعد أن حسم التدخل الروسي المعركة لصالح النظام فإنه قد أحدث مفاجأة لأمريكا وحلفائها بتحجيمه لعمليات فصائل المعارضة المسلحة فى السيطرة على المدن السورية وبالتالى إيقاف المخطط الأمريكي والغربي نحو سوريا ومن ثم استعادة الكثير من المناطق السورية من قبضة المعارضة والتنظيمات الإرهابية وذلك في اللاذقية ودرعا وحمص وريفها, الأمر الذي أدى لاستعادة الجيش السوري توازنه مما مكنه بمساندة روسية وإيرانية من محاربة داعش من جهة ومن جهة أخرى ومؤخرا وبرغم ما يشاع من فرض الحصار على مدينة حلب تمهيدا لاستعادتها من جهة أخرى، ولأن حلب تشكل عند من يسمون أنفسهم بالثوار وأحرار الشام منطقة نفوذ ووجود على الأرض فإن سقوطها يعني بالنسبة لهم ولحلفائهم نهاية مشروعهم السياسي في سوريا وبالتالى القضاء على أحلام رموز معارضتهم بالخارج تلك المعارضة المدعومة من التحالف الأمريكي الغربي وبعض القوى الإقليمية التي تعمل جاهدة لتمكين المعارضة من الوصول للسلطة وفق مشروع التقسيم. ولوعي النظام وروسيا بخطورة هذا المخطط وانعكاسه على أمن سوريا والمنطقة فقد شهدت الأسابيع الأخيرة تشديد النظام سيطرته على المنافذ الاستراتيجية لحلب غير عابئ بتصريحات وانتقادات الغرب وأمريكا والأمم المتحدة غير الراضين عن الحصار والداعين إلى وقف المعارك بحجج إنسانية زائفة، وللقضاء على تلك الحجج والمزاعم الإنسانية فقد استبقا النظام وروسيا ذلك بإقامة ممرات آمنة لخروج المدنيين حتى يتمكنا من بدء معركة الحسم مع المعارضة، الأمر الذي أغضب أمريكا والأمم المتحدة بعد فشلهما فى إقناع روسيا بوقف الحصار بهدف إطالة أمد الحرب لتمكين المعارضة من تنظيم صفوفها على الأرض مرة أخرى قبل إجراء المفاوضات القادمة وبما يمكن المعارضة من استعادة السيطرة على حلب بعد تراجعها في الأسابيع الأخيرة بسبب هذا الحصار، ولهذا فإن سقوط حلب في أيدي الأسد سيكون بداية النهاية للمعارضة المسلحة ونهاية لحلم الثورة ورموزها كما أن عودتها إلى أحضان الحكومة الشرعية السورية سيكون بمثابة قطع الطريق على المخطط الأمريكي والغربي والتركي لتقسيم سوريا والرامى إلى تحويل مناطقها للفوضى والنزاعات العارمة، وعلى العكس من ذلك فإن عودتها للنظام سيعطي الأمل بعودة المهجرين والمبعدين من أبناء الشعب السورى إلى ديارهم وبالتالي عودة الدماء والحياة من جديد إلى سوريا، ولأن الكثيرين من أعداء سوريا لا يريدون ذلك وبسبب اختلاف التوجهات والمصالح بين الأطراف المحلية والاقليمية والدولية على سوريا بل وبسبب حدة الصراع الذي تمثله مدينة حلب الآن فإن حسمها عسكريا سيكون الأكثر دموية في تاريخ الحرب السورية وتمثل فى حينها نقطة تحول حاسمة لنهاية الحرب، ولأن أمريكا وبعد تدخل روسيا القوي في هذا الصراع أدركت من أن النصر سيكون لصالح الأسد بعد فقدان الثقة فى قدرة المعارضة على الصمود فإنها قد أصبحت حذرة في تعاملها مع الفصائل المعارضة والمسلحة على عكس محاولاتها السابقة فى دفاعها ومساعدتها لها ، والدليل على ذلك هو دخول أمريكا فى تفاهمات جديدة ومستمرة عبر خارجيتها مع روسيا حول سوريا ومنها الانصياع إلى رؤاها منذ البداية لحل تلك الأزمة والتي تقوم على الإبقاء على النظام والحكومة الشرعية فى سوريا الأمر الذي يرجح انتصار النظام السوري واستعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية انطلاقا من إمكانية سيطرته على حلب وهو ما نرجوه ونتمناه، فهل ينجح الأسد في ذلك ؟ .