بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الانتخابات، لا يزال الرأي العام الأمريكي منقسمًا بشأن الفوز المفاجئ لدونالد ترامب، ولكن على بعد نحو ستة أميال، هناك حليف للولايات المتحدة كان أكثر توحدًا بشأن هذا الفوز، وهو مصر. المصريون، وخاصة أصحاب التوجهات الموالية للحكومة، من بين أسعد الناس بفوز ترامب، ولكن هذا قد يبدو غريبًا لبلد ذي أغلبية مسلمة، نظرًا لطرح الرئيس المنتخب فكرة حظر هجرة المسلمين إلى الولاياتالمتحدة، وهي الفكرة التي أزعجت المسلمين أنفسهم في البلاد. ولفهم ترحيب المصريين بفوز ترامب، فمن المهم جدًّا النظر إلى المرشح الخاسر. لا تحظى هيلاري كلينتون بشعبية واسعة في مصر، لأنها شغلت منصب وزيرة للخارجية في حكومة باراك أوباما، خلال الثورة المصرية في عام 2011، والتي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، والذي حكم مصر لفترة طويلة. وبعد عشرة أيام من الثورة المصرية، طالب أوباما نظيره المصري بالتنحي، بعد تحالف مع الولاياتالمتحدة دام 30 عامًا، واستجاب مبارك لمطالب المحتجين، وتنحى على الفور، ولكن بالنسبة لأولئك المصريين الذين يميلون أكثر للنظام العسكري وحتى لجزء كبير من الطبقة السياسية المتوسطة، رأوا أن مثل هذه الخطوة كانت خيانة، وأنها مهدت الطريق لانتخاب جماعة الإخوان، والتي أطاح بها الجيش في يوليو 2013، كما أن علاقة كلينتون الوثيقة بمساعدتها هوما عابدين، والتي تتعاطف عائلتها مع جماعة الإخوان، لم تساعد كلينتون في الحصول على نسبة تأييد عالية في مصر. سجل كلينتون الفعلي في مصر مختلف بعض الشيء عن سمعتها، حسبما ذكرت في كتابها "خيارات صعبة"، فقد حذرت أوباما من فكرة التخلي عن حليف لواشنطن منذ فترة طويلة، وعلاوة على ذلك قالت له إن الدولة لديها فقط مؤسستان، الإخوان والجيش، مع دعم كبير كافٍ للقيادة، وخلافًا للرئيس لم ترجح الانتقال الفوري للسلطة، ولكن الانتقال المنظم. وبالطبع في بلد يعترف بنظرية المؤامرة مثل مصر، هذه الحقائق لا تهم كثيرًا، ليظهر ترامب كخيار رئيسي، ولكن ليس هذا كل ما في الأمر، فإلقاء نظرة على حساب ترامب على موقع تويتر يكتشف أن هناك سببًا آخر يزيد من مؤيديه في القاهرة. منذ عام 2011 غرد ترامب على تويتر عشرات المرات منتقدًا سياسة أوباما تجاه مبارك، كما تحسر على دعمه لجماعة الإخوان، ومنذ انتخاب الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، في ربيع عام 2014، غرد ترامب مرة واحدة فقط عن مصر، منتقدًا الحكومة الأمريكية ترديدها مصطلحات انتهاكات حقوق الإنسان في القاهرة، في حين أن القاهرة تقاتل التكفيريين في سيناء. ستأتي إدارة ترامب لتبعد نفسها عن أي استنكارات لحقوق الإنسان، وحين ذهب أكثر من 140 رئيس دولة إلى نيويورك، في سبتمبر الماضي، للجمعية العامة للأمم المتحدة، خلق ترامب الوقت للقاء السيسي، ووصفه ترامب بالرجل الرائع المسيطر على مصر، ويخلصها من الإرهابيين. ومن جانبه أشاد السيسي بترامب، وأكد أن مقترح حظر المسلمين من دخول أمريكا كان مجرد خطاب، وأن رجل الأعمال سيكون رئيسًا رائعًا، وحين تسربت أخبار عن فوز ترامب، كان السيسي أول المهنئين، حتى قبل السعودية وألمانيا، أقرب حلفائه. يشكك المصريون بمختلف انتمائتهم في تدخل أوباما في ليبيا، حيث يقال إن كلينتون ضغطت بقوة للتدخل الأمريكي، وهو ما عارضه ترامب بشدة، كانت ليبيا مصدر دخل بالنسبة للمصريين، ولكن الآن تركوها بعد الحرب الدائرة بين القوات الحكومية والمليشيات وداعش. في سوريا دعت كلينتون لمزيد من الدعم للمتمردين، وهم نفس المتمردين الذين يشجع ترامب على محاربتهم في مصر، المتمثلين في داعش، كما أنه أوضح أن التخلص من الجماعات الإرهابية يعد أولوية على أي محاولة لإزاحة النظام. بالنسبة للقاهرة كان وصول كلينتون للرئاسة ما هو إلا استمرار وتفاقم لعهد أوباما الدموي، ولكن ترامب مواقفه واضحة، وجعلت منه مرشحًا شبه مثالي، وبالتالي يسعى صانعو السياسة الأمريكية لدبلوماسية أكثر سلاسة، بالإضافة إلى الأمن والعلاقات الاستراتيجية مع مصر، أما بالنسبة لأولئك المطالبين البيت الأبيض بالضغط على مصر من أجل الحقوق المدنية وسيادة القانون قد يكون الأمر مخيبًا للآمال. فورين آفيرز