لا يزال تقسيم سوريا هدفا للعديد من الدول الغربية التي تتدخل في الأزمة، وتبذل جهودا حثيثة من أجل تقسيم سوريا وشعبها ومدنها، وعاد ليراودها من جديد، على الرغم من أن انتصارات الجيش السوري بمساندة القوات الروسية باتت واضحة أمام الجميع، ورغم تعالي صيحات واستغاثات المسلحين ونداءاتهم لإنقاذهم بعد أن ضاق الخناق عليهم ولم يجدوا ملاذًا آمنًا. مبادرة دي مستورا وصل المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، أمس الأحد، إلى دمشق للقاء مسؤولين سوريين بحثًا عن حل سياسي للأزمة، وخلال الزيارة التقى بوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، لبحث آخر المستجدات على ضوء المشاورات التي يقوم بها، والتي كان آخرها زيارته إلى طهران في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث التقى مسؤولين إيرانيين وبحث معهم سبل الحل. خلال لقائه مع وزير الخارجية السوري، عبر المبعوث الأممي عن قلقه إزاء ما يحدث في مدينة حلب، وقال إنه أصر على التعبير عن قلقه من التقارير الواصلة من منظمة الصحة العالمية في شرق حلب ومناطق أخرى، وقال: "أخذنا بالاعتبار أن هناك اختلافًا بوجهات النظر بين زملائي وأنا، وبين وزير الخارجية السوري، وبعد مشاورات قررنا إيفاد فريق لتقصي الحقائق وآثار الدمار شرق وغرب مدينة حلب"، وأضاف دي مستورا أنه تمت مناقشة الخطة الإنسانية في شرق حلب والتي تعتمد على الإخلاءات الطبية لمائتي مريض أولًا، وثانيًا إدخال المواد الطبية والغذائية، مشيرًا إلى حصوله على موافقة مبدئية من المسلحين على هذه الخطة. في ذات الإطار، لفت دي ميستورا إلى وجود خطة أخرى وهي المقترح الأممي فيما يتعلق بمدينة حلب، والذي ينص على وقف القصف من كل الجهات أولًا، ومغادرة المسلحين من المدينة ثانيًا، وأخيرًا إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في الأحياء المحاصرة، فضلاً عن اعتراف الحكومة السورية بالإدارة التي يقوم بها مقاتلو المعارضة في الأحياء الشرقية لمدينة حلب الخاضعة لسيطرتهم منذ صيف 2012. رفض سوري مبادرة المبعوث الأممي لم تحقق أي اختراق ولو مبدئي في صفوف القيادة السياسة السورية، حيث رد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، على اقتراح دي مستورا، قائلًا إن دمشق رفضت جملة وتفصيلًا اقتراح المبعوث الأممي، بإقامة نظام حكم ذاتي في حلب الشرقية، وأوضح المعلم، أن مقترح الإدارة الذاتية ينتقص من سيادة الدولة السورية على أراضيها، وأضاف أن المبعوث الأممي ليس لديه ضمانات، ولم يقدم ما يساعد على استئناف الحوار السياسي، مضيفًا أن دمشق قدمت مقترحات بديلة تضمن السماح للمسلحين بالخروج إلى أي مكان يختارونه، وأن هناك اتفاقًا على ضرورة خروج الإرهابيين من شرق حلب لإنهاء معاناة المدنيين في المدينة، وذكّر المعلم بأن دمشق كانت قد حددت 3 مواعيد للهدنة وفتحت معابر لمنح فرصة لخروج المدنيين من أحياء حلب الشرقية، إلا أن الإرهابيين منعوهم وقصفوا المعابر. ردًا على رفض المعلم اقتراح دي ميستورا، قال الأخير: "أحترم رأيه، والأممالمتحدة تحترم مبدأ السيادة الوطنية لسوريا، ولكن شرق حلب حالة خاصة، وهذا تمامًا ما ناقشناه وهو أننا بحاجة لحل خلاق، وفيما يخص الحوار السياسي السوري السوري، قال دي مستورا، إن هناك 5 دول تتناقش في إطار اتفاقية لوزان للتوصل إلى بعض الضمانات، وعليه فهي غير موجودة الآن"، وأضاف: "زرت عواصم من أنقرة إلى موسكووطهران وجنيف ونيويورك للاستماع إلى آراء الجميع قبل بدء الحوار السوري". يرى مراقبون أن الصيغة التي جاء بها دي ميستورا إلى دمشق من المؤكد أنها لم تكن اجتهادًا شخصيًا منه، فهو مبعوث من الأممالمتحدة وجاء بهذه المبادرة وهذه الصيغة بعد نقاشات عديدة دارت داخل الغرف المغلقة في الأممالمتحدة، وتهدف هذه المبادرة الالتفافية لإنقاذ المسلحين في حلب بعد أن فشلوا في تغيير المعادلات الميدانية على الأرض ووجدوا أن الخناق يضيق عليهم شيئًا فشيئا، فالمشروع الغربي القائم على التباكي على المدنيين السوريين لفرض أجندات تتمنى الجهات الأجنبية تحقيقها سبق في الرقة وغيرها من المناطق السورية، الأمر الذي يجعل المبعوث الأممي ورقة مستهلكة لدى كل من النظام السوري، وحتى أحزاب المعارضة التي طالبت قبل أيام بفصله من منصبه باعتباره "عميلًا للنظام السوري".