مع تغير خريطة التحالفات في العالم من وقت إلى آخر، يسعى كل طرف للانضمام إلى تحالف قوى قد يكون عونًا له في الأزمات، شرط أن يكون متوافقًا معه في الرؤى ووجهات النظر حول القضايا الدولية، وهو ما يظهر جليًّا في التحالف الروسي الإيرانيالصيني، الذي يتعزز شيئًا فشيئًا، وتدرك دول العالم مدى قوته وخطورته، ويُعيد ترتيب التوازنات في التحالفات الدولية. روسياوإيران وصلت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالنتينا ماتوفينكو، التي تشغل ثالث أهم المناصب في روسيا بعد الرئيس الروسي ورئيس الوزراء، الأحد الماضي إلى إيران، على رأس وفد رفيع؛ وذلك لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وخلال الزيارة التي من المفترض أن تستغرق يومين، أجرت "ماتوفينكو" لقاء مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف. زيارة رئيسة مجلس الاتحاد الروسي لإيران شكلت أول فرصة للمحادثات بين كبار المسؤولين الإيرانيين والروس، بعد لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالمرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، والرئيس، حسن روحاني، على هامش مشاركته في قمة الدول المصدرة للغاز التي انعقدت بطهران مؤخرًا. أشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن الطرفين اتفقا على زيادة مبيعات الأسلحة الروسية إلى إيران في السنوات المقبلة، وناقش الطرفان مسألة تشكيل لجنة اقتصادية روسية إيرانية مشتركة، بالإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة، وبناء المحطات الحرارية والنووية، والتعاون في بناء الشركات الروسية وسكك القطار الكهربائية في إيران، كما بحث الطرفان عضوية طهران في المجموعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية ومنظمة شنغهاي، والتعاون الثقافي وتنمية السياحة، وتسهيل إصدار تأشيرات السفر والعمل على إلغائها بين البلدين، وتنمية التعاون الجامعي والتعليمي، والحوار بين الإسلام والمسيحية، ومواجهة الإرهاب. وفي مؤتمر صحفي مشترك بين "ماتوفينكو" و"لاريجاني"، شددت الأولى على أهمية علاقات بلادها مع إيران، وأضافت ماتوفينكو: العلاقات بين البلدين مهمة جدًّا في ظل الأجواء المتوترة دوليًّا، وهناك أرضية جيدة لتطوير العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، وسنتابع تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين وتعزيز تنسيقنا لحل أزمات المنطقة ومكافحة الإرهاب. بدوره أشاد رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، بمستوى العلاقات بين البلدين، وقال لاريجاني: إن العلاقات الإيرانية الروسية في السنوات الأخيرة شهدت تطورات مهمة وواسعة على كافة الأصعدة، وكانت لدينا علاقات جيدة في المجالات الاقتصادية والسياسية والتعاون الأمني، كما أن العلاقات البرلمانية بين البلدين جيدة أيضًا. الصينوإيران بالتزامن مع الزيارة الروسية لإيران، جاء وزير الدفاع الصيني، تشانغ وان كوانغ، ليحل ضيفًا لأول مرة على طهران، حيث وصل الوزير الصيني الأحد الماضي أيضًا على رأس وفد في زيارة رسمية تستغرق 3 أيام، وزيارة "تشانغ وان كوانغ" تأتي تلبية لدعوة رسمية من وزير الدفاع الإيراني، العميد حسين دهقان، وخلال الزيارة أجري الوزير الصيني محادثات مع نظيره الإيراني، فضلًا عن لقاء كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين؛ لبحث القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك، وأهم الملفات الإقليمية والدولية، وأكدت مصادر إيرانية أن الجانبين الصينيوالإيراني وقعا عدة اتفاقيات للتعاون المشترك في الشؤون الدفاعية والعسكرية ومحاربة الإرهاب. من جانبه قال قائد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، إن طهران مستعدة لنقل خبراتها في كل من سوريا والعراق إلى الصين، وأضاف خلال لقائه مع وزير الدفاع الصيني: لقد أعلنا للجانب الصيني أن السيادة الوطنية للدول تتمتع بأهمية كبرى بالنسبة لنا، لذا فإن الجمهورية الإيرانية مستعدة لنقل تجاربها المكتسبة من التعاون المشترك مع حكومتي سوريا والعراق إلى الصين، إضافة إلى خبراتها في إحلال الأمن في مختلف المناطق الحدودية الإيرانية، ووصف باقري زيارة "تشانغ وان كوانغ" بنقطة انعطاف في التعاون العسكري بين البلدين، وأكد رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية عزم طهران على إجراء أول مناورات عسكرية مشتركة مع الصين. رسالة سياسية إلى "ترامب" التعاون الصينيالإيراني في هذه المرحلة دفع المراقبين إلى القول إنه قد يكون من باب سعي بكين إلى تعزيز دورها في سوريا والشرق الأوسط، حيث سبق أن أبدت الصين اهتمامها بالحرب الدائرة في سوريا، ودعمها للحكومة السورية والجيش هناك، وقد سبق أن زار وفد عسكري صيني دمشق برئاسة مدير قسم التعاون الدولي في اللجنة العسكرية المركزية الصينية، الأميرال غوان يوفي، في منتصف أغسطس الماضي، ووعد بتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية للحكومة السورية، بما في ذلك توسيع برنامج تدريب الجيش السوري. في ذات الإطار يرى مراقبون أن زيارة وزير الدفاع الصينيلإيران لأول مرة في هذا التوقيت بالذات الذي تم فيه انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، وتزامنها مع زيارة مماثلة من رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، تمثل رسالة قوية من إيرانوالصينوروسيا إلى الإدارة الأمريكية، مفادها أن ترامب الذي سبق أن هدد بإلغاء الاتفاق النووي لن يستطيع تنفيذ هذه التهديدات، لأن الاتفاق لم يكن بين طهران وواشنطن فقط، بل كانت مجرد طرف فيه، حيث تم توقيعه بين إيران من جانب وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسياوالصين من جانب آخر، ونظرًا لأن العلاقات الثلاثية الإيرانيةالصينية الروسية تتصاعد وتتجه إلى المزيد من التعزيز والتقارب؛ فإن الاتفاق النووي باقٍ رغم أنف "ترامب". في الوقت نفسه فإن هذه الزيارات تأتي في الوقت الذي عبر فيه ترامب عن نيته التقارب مع روسيا، فيما هدد الصين اقتصاديًّا، متهمًا إياها بالتلاعب بالعملة الأمريكية، وتعهد بفرض تعريفة بقيمة 45% حول المنتجات الصينية، وأبدى مرارًا معاداته لإيران، ووصفها بأنها دولة احتلال، وهدد بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، لتأتي هذه الزيارات وترسل رسالة مختصرة مفادها أن ترامب الذي طالما عبر عن نيته التقارب مع روسيا، لن يستطيع التقارب معها في ظل معاداته للصين وإيران، فالثلاث دول تحالف واحد بمصالح مشتركة، مما يفرض عليه التقارب مع ثلاثتهما أو معاداة التحالف ككل. لا شك في أن البلدان الثلاثة، الصينوروسياوإيران، تجمعها قضايا ورؤى وتفاهمات ومصالح مشتركة كانت الدافع نحو تعزيز تقاربها من بعض في العديد من المجالات، سواء الأمنية أو العسكرية، وعلى رأسها السياسية، في وجه محاولات الهيمنة الأمريكية الخليجية، الأمر الذي أثار مخاوف العديد من الدول الغربية المُعادية للنفوذ الصيني والروسي والإيراني المتصاعد في المنطقة، وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية.