كنت نائماً علي سريري المريح في غرفتي المكيفة نوماً متقطعاً، بين ساعة و أخري أصحو بعد أن أري كابوساً أسود تتجسد فيه مصر في هيئة شخص ينزف حتي الموت، و لكن في كل مرة بطريقة مختلفة، و في كل مرة تموت بطريقة أبشع حتي رأيتها تُختطف و تُربط و تنام علي بطنها ليتم التنفيذ معها، فقمت مفزوعاً و بصقت علي جانبي الأيسر و استعذت بالله من الشيطان الرجيم. لم أجد حلاً لتلك الكوابيس المتكررة غير إني أضرب برشامتين يهدوا أعصابي، و انقلبت علي جانبي الأيمن أحاول أن أنام هادئاً في غرفتي التي جاءني إحساس أنها مقبرة من سوادها الحالك الذي يشبه ما وصل إليه حال مصر الآن. و فعلاً كان البرشام تأثيره قوياً، فبدأت أحلم مرة أخري، فرأيت شخصاً إخوانياً يحدثني عن 4000 شخص قتلتهم الشرطة في رابعة و أحرقت جثثهم في عرض الشارع و تركت الجثث تحترق و ذهبت. و آخر يحدثني عن بطش الجيش الذي وصل مداه لأن يفض اعتصام مسجد الفتح برمسيس الذي كان بداخله مليون شخص في نصف ساعة، و أن يقتل أكثر من 10000 شخص في مصر في عدة أيام، و أعتقد أن هذا الفيلم الكرتوني قد انتهي حين ظللت أضحك بشكل هستيري أثناء نومي كما أخبرتني أمي في اليوم التالي. و رأيتني أري مشهداً آخر يتلخص في صديق لي يترك تعليقاً علي صفحتي الشخصية علي ال'فيسبوك' مكتوباً فيه أن البرادعي كتب 'تويتاية' بيقول فيها أنه ترك منصبه بعد إدراكه لخيانة السيسي و أخذه للأوامر من المخلوع مبارك مباشرة، و كاتبلي جنبها 'البسوا يا ثوار'، فعلقت علي تعليقه كاتباً: 'يا عمرو يا حبيبي الكلام ده مش مزبوط'، و اتصلت به ليحدثني عن الانتفاضات الشعبية المليونية المؤيدة لمرسي، فانقطع المسلسل الكوميدي مرة أخري حين ظللت أضحك هيستيرياً أثناء نومي. و استمر تأثير البرشام لساعات طويلة علي هذا الحال مروراً بناس يهاجمونني علي مقالاتي الساخرة و يصفونني بالعميل القابض فلوس، و آخرون يسألونني عن ذنب الناس الذين قتلوا و هم عُزَّل، و ذنب الناس الذين قتلوا أثناء مهاجمتهم للقوات بمنتهي السلمية، و آخرون يسألونني عن مصادر تمويلي، و آخرين قرروا أنني العميل 1002، و آخرون يسألونني أسئلة من نوعية اشتروك بكام؟ و أخدت كام رغيف جبنة نستو؟ و أقمت كام علاقة مع كام واحدة؟!! و في الآخر اتق الله يا أستاذ أحمد، لدرجة أن تأثير البرشام بدأ يروح، لأجد أمي تحدثني في اليوم التالي عن دموع امتزج لونها الشفاف باللون الأحمر الچانچا بدأت تنهمر مني في صمت أثناء نومي!! ما هذا؟! لقد جُن جنوني! لقد كان تأثير البرشام قوياً، فمجموعة من العواطف المتناقضة تتداخل سوياً لتجعل مني شخصاً متقلب المزاج يعيش حياة أثناء نومه و يحتاج لعلاج نفسي، و افتكرت الجملة الشهيرة 'شايفين المخدرات ممكن تعمل إيه؟!!' ما هذا؟! لقد عادت الكوابيس، و تحول لون الغرفة الكاحلة السواد إلي لون أحمر غطته دموعي التي انهارت مني كالشلالات بينما أنا نائم!! و لكن، سرعان ما بدأ عقلي الباطن يرفض تلك الألوان و يحاول العودة إلي تأثير البرشام المهدئ لأري نشطاء علي مواقع التواصل الإجتماعي يرسلون لي رسائل عديدة يؤكدون فيها علي أن الجيش لم يقبض علي بديع و صفوت، بل هم أشباههم، و أن هناك أكثر من 12 شخص يطابقون البلتاجي شكلاً تم القبض عليهم لإعلان البلتاجي واحداً منهم كذباً و زوراً، و وضعوا في آخر الرسالة وجوهاً كرتونية بتطلعلي لسانها و مكتوب تحتها 'يا زوز يا أهبل بيشتغلوك.. خد فشار!' و أثناء كتابة ردي علي تلك الرسائل التي بدأت مقدمتها بكلمة بذيئة تشير إلي ما يطلق علي زوجة الأسد، إذا برسالتين علي البريد الإلكتروني يصلان، الأولي يرسلها لي أحد المعارف المؤيدين للإخوان الأعزاء علي قلبي يخبرني عن انقسام داخل الجيش و الشرطة و إعلان الجماعة المنقسمة تسمية نفسها ب'الضباط الأحرار'، و قلت لنفسي: 'الله يرحمك يا ناصر'. و الثانية كانت دعوة من بعض المؤيدين للمقلوب مرسي لحملة جديدة أسسها نشطاء علي موقع ال'فيسبوك' بعنوان: 'خبط علي الحِلَل' تدعو المواطنين الشرفاء في كل أنحاء مصر للخروج في شرفات و شبايك منازلهم يومياً الساعة التاسعة مساءاً و البدء في 'الخبط علي الحِلَل' لمدة ربع ساعة تعبيراً عن رفض الانقلاب العسكري، و كتبوا شعاراً للحملة 'دب بكنكة طلع نار.. الشعب المصري ده جبار'. و فوجئت بنفسي كما روت لي أمي التي كانت تراقبني طوال الليل بعد شكِّها في صحة قواي العقلية، أني نهضت من سريري الذي تحولت لون ملاءته لأفتح باب غرفتي و أتجه ناحية دورة المياة و أغلق بابه خلفي بمنتهي العنف في ذات الوقت الذي أقهقه فيه هستيرياً. أدركت بعدها أني اتجهت لدورة المياة بعد هذا الحلم الكوميدي مقهقهاً لأُسقط بنطلوني و أتبول في كل أنحاء الحمَّام في لحظة للا وعي، عندما أفقت أخيراً من نومي حين انزلقت قدمي لأنزل علي رأسي وسط بِركة من الأرف تٌشابه نفس البِركة التي سقطت فيها مصر.