بعث الكاتب محمد سلماوي برسالة للسيدة إيرينا بوكوفا مدير عام منظمة الثقافة والعلوم والتربية '' اليونسكو''، انتقد فيها صمت المنظمة إزاء الهجمات والحرائق التي استهدفت المتاحف المصرية ودور العبادة والمكتبات والمباني التاريخية وسط انحياز غير أخلاقي للدوائر السياسية والإعلامية في الغرب. ووصف سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر وأمين عام اتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب أفريقيا وآسيا، الاعتداء علي التراث الإنساني بأنه جريمة ضد الإنسانية مطالباً اليونسكو بضرورة تحمل مسئوليتها في الحفاظ علي التراث وحمايته ومرفق نص الرسالة: واكد سلماوي في رسالته أن معاول الهدم السوداء، وألسنة اللهب الهوجاء، تحطم وتلتهم ما تطوله من تراث مصر الذي هو تراث إنساني، خسارته خسارة للإنسانية وليست لمصر وحدها. واكد سلماوي أنه يكتب رسالته غاضبا رغم الود الذي كان عنوان اللقاءات القليلة التي جمعته بالمدير العام لليونسكو من ذ تولت المنصب عام 2009، ووقت كانت مندوبة لبلادها في المنظمة قبل ذلك واضاف سلماوي: أكتب اليك في صميم عملك، وعن مسؤولية منظمتك، ولا أكتب عن الدماء الزكية التي سفكت، ولا عن الأطراف الآدمية التي قطعت، ولا عن جثامين الضحايا التي تفحمت، فتلك كلها لا يبدو أن الغرب يكترث لها، إلا لو كانت لمن ينتمون لجحافل الإرهاب التي تعتدي الآن علي الشعب المصري، وعلي منشأته العامة والخاصة، وعلي تراثه العريق. لقد قامت قوي الظلام الملتحفة زوراً بالدين الإسلامي الحنيف بالاعتداء علي المتاحف ودور العبادة والمباني المعمارية القديمة في البلد الحاضن والحافظ لآثار واحدة من أهم وأقدم حضارات الإنسان. اكتب إليك لأني وسط ذلك كله لم أسمع كلمة احتجاج واحدة منك ولا من منظمتك الغراء، في الوقت التي تذرف بعض التماسيح عندكم دموعها علي غياب الديمقراطية وعلي ضياع حقوق الإنسان، إن للثقافة أيضاً حقوق، يا سيدتي، تماماً كالإنسان، وهي تهدر هنا أمام أعيننا في اليوم مرات ومرات، وأول حقوق الثقافة هوالحق في الوجود، ثم الحق في الحماية والحق في الرعاية والحق في أن تسلم هذه الثقافة وهذا التراث للأجيال القادمة التي رغم إرثنا لها من أجدادنا فإننا في الحقيقة إنما نستعيرها الآن من أبنائنا، إن هذه الحقوق جميعا قد أهدرت وانتهكت واعتدي عليها وأضرمت فيها النيران. إن أحد تلك الاعتداءات الغاشمة كانت علي متحف ملوي بالمنيا والذي سرقت منه 1050 قطعة من أصل قطعه ال 1089، إلا أن اعتداء قوي الظلام علي المتحف لم يكن بهدف السرقة مثلما يحدث في متاحفكم، فالقطع التي لم يتمكنوا من إخراجها من المتحف تم تدميرها في أماكنها، والبعض منها لم يعد في حالة تسمح حتي بالترميم، ثم عادت تلك الأيدي السوداء الآثمة مساء نفس اليوم لتشعل النيران فيما تبقي من المتحف، ألا يعطيك هذا يا سيدتي فكرة واضحة عن جماعات الإرهاب التي كانت تحكمنا؟ والتي تطالبوننا اليوم بعد أن أسقطناها بأن نعيدها مرة أخري لتشارك معنا في صياغة مستقبل هذا البلد العظيم؟ إنهم لا ينتمون لهذا الوطن ولا يعترفون بحضارته العريقة، بل يعتبرونها أصناماً وأوثان تستوجب الحرق والتحطيم ليعم ظلام فكرهم المتخلف المريض، وليس في هذا القول إقصاء، وإنما هو تنصيص لتصريحاتهم المتكررة في هذا الشأن. إن بعض الآثار التي تم سرقتها أو تحطيمها تعتبر من أهم آثار التاريخ المصري القديم، ومن بينها قطع نادرة تمثل ذلك التزاوج النادر الذي حدث بين الحضارتين المصرية واليونانية القديمة في العصر اليوناني الروماني، وهي تمثل كارثة إنسانية جسيمة، وينبغي أن تكون كذلك لك شخصياً يا سيدتي، ولمنظمتك الغراء التي تستمد وجودها من الدفاع عن هذا التراث وحمايته من دمار الزمن الذي ثبت انه أكثر حنوا علي الحجارة من يد الشر الآثمة. وفي هذه اللحظة التي اكتب لك فيها تجري محاولات للاعتداء علي متحف روميل بالعلمين في شمال البلاد ومتحف بهنسة في بني مزار بجنوبها، ويقفز عدد الكنائس التي تم الاعتداء عليها إلي 60 كنيسة في مختلف أنحاء الجمهورية. لقد تم ايضا الاعتداء علي العديد من المبان التاريخية التي تزخر بها بلادنا، والتي يجهلون قيمتها لأنهم لا يعرفون الفكر والثقافة والحضارة والفنون التي تتجسد في كل حجر من أحجار أي صرح معماري يحمل في '' جيناته'' هوية هذا البلد الفريد المتفرد. إن مبني محافظة الجيزة الذي أحرقوه ليس أثراً تراثياً، وهو ليس مسجلا لديك ضمن الآثار، لكني أذكر أنني في أول مرة دخلته ظللت أحصي وأنا جالس في مكتب المحافظ أسماء أكبر فناني القرن ال 19 العالميين الممضاة علي اللوحات التي تزين جدرانه، وتلك التهمتها نيران أصدقائكم الذين تتبنون الآن قضيتهم الإرهابية الخاسرة، وقد كانت من بين تراثكم أنتم الذي نعتز به ونقتنيه. وقد لا تعلمين يا سيدتي أن مبني مجلس الوزراء يحمل هو الآخر جدارية تزين سقف قاعة اجتماعاته تحمل توقيع الفنان الفرنسي الشهير إيبوليت برتو Hippolyte Berteaux الذي رسم جدارية مبني مجلس الشيوخ الفرنسي الذي لا يبعد كثيراً عن مقر عملك بالعاصمة الفرنسية. هل تعلمين يا سيدتي وكيف لا تعلمين وواجبك يقتضي أن تعلمي أنه قد تم الاعتداء أيضاً علي مكتبة الأسكندرية، وعلي مكتبة الجمعية الإنجيلية، وعلي مكتبة الصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل بما تحتويه من وثائق نادرة وكتب قيمة بعضها لا يعوض؟ لن أثقل عليك هنا بقائمة كاملة للجرائم التي ارتكبت في الأيام القليلة الماضية ضد تراثنا الحضاري العظيم، راجياً أن تطلبي من منظمتك الغراء أن تفعل ذلك، فهذا واجبها، لكني أقول لك أن تلك في الحقيقة جرائم ضد الإنسانية لأن فيها إبادة لهوية هذا الشعب التي تتمثل في تراثه الحضاري، وليس هناك من جريمة شنعاء ضد الإنسانية تقارب القضاء علي هوية الإنسان. لقد ظلت قوي الظلام تسعي طوال العام الماضي الي طمس الهوية الثقافة لهذا الشعب، والتعدي عليها بالإهانة والاستهزاء تارة، وبالتحطيم والتدمير تارة أخري، إلي أن انتفض المثقفون ليحرروا إحدي قلاع الثورة، وهي وزارة الثقافة، من الاحتلال الإخواني المستبد، ووقتها أيضاً لم نسمع منك ولا من منظمتك الغراء، رغم أن المثقفين في ذلك إنما كانوا يقومون بالواجب الملقي علي عاتق المنظمة في الدفاع عن التراث الثقافي. إن الدفاع عن التراث الثقافي وحمايته لا يتأتي كما علمتنا حضارتكم الغربية منذ عصر النهضة إلا من خلال فصل الدين عن السياسة، فما بالكم تريدون لنا العودة للقرون الوسطي التي كان الحكم فيها للدين فكان تكفير الكنيسة للعلماء والمفكرين والفنانين، فهل النهضة حق من حقوق الغرب وحده وليست حقاً للبلد الذي علم التاريخ أصول الحضارة والثقافة والفكر والفنون والآداب؟ لقد حمي هذا الشعب تراثه المتحفي من القوي الهمجية في يناير2011، وهو قادر علي أن يحميه في عام 2013 ليحفظ لهذا البلد هويته الإنسانية وليفتح الطريق أمام الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي من أجلها قامت الثورة، وفي سبيلها بذلت الدماء ومازالت، فإذا مددتم لنا يد العون سنرحب بها، وإذا لم تفعلوا فلن نكترث، ولكن التاريخ سيفعل، فالتاريخ لا ينسي، والتاريخ لا يغفر.