وافقت لجنة التراث العالمي بمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) علي ترشيح المتحف المصري بالتحرير، لتسجيله علي القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي المصرية، كممتلك ثقافي يعبر عن تراث إنساني بما يحويه من قيم معمارية وتاريخية وعلمية وثقافية طبقا للمعيار الرابع والسادس لتسجيل مواقع التراث العالمي. وذكرت صفحة ملف المتحف علي الموقع الرسمي للجنة التراث العالمي باليونسكو، أن الوفد الدائم المصري باليونسكو أضاف في فبراير الماضي ملف ترشيح تسجيل مبني المتحف المصري بالقاهرة علي القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي المصرية. وأشارت إلي أن المتحف المصري بالتحرير يعد عملا معماريا استثنائيا قام عليه المعماري الفرنسي مارسيل دورنون الذي شيده علي طراز العمارة الكلاسيكية اليونانية الرومانية، مع الحفاظ علي الطابع المصري كمصدر للهوية الثقافية المصرية، كما حاز المتحف المصري علي مكانة كبيرة خاصة بين الأفلام الوثائقية والسينمائية العالمية كمصدر للتراث الحي. من جانبه، وصف محمد بدري باحث دكتوراه في إدارة وتسويق المواقع التراثية والسياحة الثقافية المستدامة - لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم /الاثنين/ - هذا القرار ب"الخطوة المهمة" كون المتحف من أقدم المتاحف في الشرق الأوسط والذي بني ليكون متحفاً عكس ما كان متداولاً في تلك الفترة حيث تحويل القصور لتكون متاحف، وكذلك لما يحويه من قطع نادرة، ويشمل التسجيل مبني المتحف والمحيط الثقافي له. وقال إنه في حال تسجيل المتحف المصري بالتحرير علي قائمة التراث العالمي بشكل رسمي سيكون بداية لتسجيل موقع القاهرة الخديوية كموقع تراث عالمي، مما سيؤدي لحماية كل منهما الآخر واعتبارهما مركزاً دولياً للحفاظ علي الإرث الحضاري المصري كما هو معمول به في بعض الدول العربية، علي سبيل المثال لا الحصر، مدينة ورزازات بالمملكة المغربية والتي تعد مركزا لصيانة وترميم التراث المعماري الأطلسي (CERKAS). وأشاد بدري بالاهتمام الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطوير المواقع الأثرية والتراثية علي مستوي الجمهورية خاصة القاهرة الخديوية، حيث وجه بضرورة اهتمام أجهزة الدولة بتطوير المناطق الأثرية والمتاحف علي مستوي الجمهورية بما يعكس مكانة مصر وحضارتها وتاريخها، وكذلك صيانة وترميم ثروة وكنوز مصر الأثرية والحفاظ عليها باعتبارها إرثا للحضارة الإنسانية جمعاء. وأوضح أنه سعياً لتكليل هذا النشاط الناجح فعلي القائمين بالأمر السعي قدماً في إكمال ملف التسجيل بما يتضمنه من وضع خطة إدارة وتسويق مما يسهم بدوره في رفع الوعي المحلي والدولي تجاه مظاهر الحضارة المصرية المادية والمعنوية. وأكد أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن قدم المتحف المصري بالقاهرة وتكرار الزيارات الدولية له رفع من مكانته ليكون بمثابة مقصد ذي علامة ثقافية ثابتة في عقول الزوار مثل الأهرامات وبرج إيفل والكولسيوم. وأضاف أن الحكومة المصرية ستبدأ وفقا لاستراتيجية اليونسكو في استكمال إعداد ملف تسجيل المتحف الذي يتضمن الإدارة والتسويق وتفعيل المشاركة المجتمعية لرفع الوعي. وأعرب عن سعادته بهذه الخطوة المهمة، خاصة أنها جاءت بعد الموكب المهيب لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير لعرضها بشكل يدخل الزائر في حلقات التاريخ المصري القديم، وذلك بمقرها الدائم داخل المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وبذلك تسعي وزارة السياحة والآثار لتؤكد أن المتحف المصري لن يتأثر بنقل المومياوات الملكية وقطع مجموعة توت عنخ آمون الذهبية للمتحف المصري الكبير بالرماية. ويعد المتحف المصري بالتحرير من أهم المتاحف الأثرية في العالم، والذي ترجع أهميته لكونه أول متحف صمم ونفذ منذ البداية لكي يؤدي وظيفة المتحف، عكس ما كان شائعا في أوروبا من تحويل قصور وبيوت الأمراء والملوك إلي متاحف، بالإضافة إلي ما يضمه من مجموعات أثرية مهمة تعد بمثابة ثروة هائلة من التراث المصري لا مثيل لها في العالم. ويرجع تاريخ إنشاء المتحف المصري بعد فك رموز حجر رشيد علي يد العالم الفرنسي شامبليون عام 1822 فكانت النواة الأولي لإنشاء متحف ببيت صغير عند بركة الأزبكية القديمة وسط القاهرة، حيث أمر محمد علي باشا عام 1835 بتسجيل الآثار المصرية الثابتة، ونقل الآثار القيمة القطع الأثرية المكتشفة له وسمي بمتحف الأزبكية وأشرف عليه رفاعة الطهطاوي. وتم اختيار منطقة بولاق لإنشاء متحف للآثار المصرية ونقل إليها الآثار التي عثر عليها أثناء بعض الحفائر مثل آثار مقبرة (إعح حتب) وفي عام 1863، أقر الخديوي إسماعيل مشروع إنشاء متحف للآثار المصرية، ولكن لم ينفذ المشروع. وفي عام1897، وضع الخديوي عباس حلمي الثاني حجر الأساس للمتحف المصري الذي يقع في الجانب الشمالي من بميدان التحرير وسط مدينة القاهرة الخديوية، وعام 1902 اكتمل بناء متحف الآثار المصرية ونقلت إليه الآثار المصرية القديمة من سراي الجيزة. وتم اختيار تصميم المتحف من ضمن 73 تصميما تم تقديمهم للمسئولين في ذلك الوقت، تقدموا للمسابقة وفاز تصميم المهندس الفرنسي مارسيل دورنون والذي شيده علي طراز العمارة الكلاسيكية اليونانية الرومانية، مع الحفاظ علي الطابع الفرعوني فالواجهة علي الطراز الفرنسي تزينها لوحات رخامية لأهم وأشهر علماء الآثار والتي تميل بدرجة غير ملحوظة تحقق شكل صروح المعابد المصرية ومزينة بتمثالي الإلهه إيزيس وهي تلبس العباءة اليونانية الرومانية ورأس الإلهه حتحور والتصميم الداخلي، حيث الأعمدة وما بينها من أقواس فهو مستوحي من التصميم البازيليكي للكنائيس والأديرة القبطية المصرية. أما عن القبة فهي رمز للحضارة الإسلامية في التصميم الداخلي لقاعات المتحف فمدخل القاعات يحاكي ضريح المعابد المصرية، والحجرات تحاكي معبد إدفو، وعلي جانبي باب الدخول الخشبي تمثالان كبيران من الحصي لسيدتين علي الطراز الروماني، ولكن برؤوس فرعونية. ويتكون المتحف المصري بالقاهرة من طابقين ويعرض مقتنياته طبقاً للخط الزمني للحضارة المصرية القديمة، فقد خصص الطابق الأرضي منهما للآثار الثقيلة للمنحوتات مثل التوابيت الحجرية والتماثيل واللوحات والنقوش الجدارية، أما الطابق العلوي فقد خصص للآثار الخفيفة مثل للمخطوطات وتماثيل الأرباب والمومياوات الملكية وآثار الحياة اليومية وصور المومياوات والمنحوتات غير المكتملة وتماثيل وأواني العصر اليوناني الروماني وآثار خاصة بمعتقدات الحياة في العالم الآخر، وكذلك المجموعات الكاملة مثل مجموعة توت عنخ آمون، ويضم المتحف عددا هائلا من الآثار المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ حتي نهاية العصر الفرعوني. ويوجد في الجانب الأيسر من حديقة المتحف مقبرة رخامية مصنوعة ل(ضريح عالم الآثار أوجست ماريت) بناء علي وصية مكتوبة منه في إشارة لاكتشافه وحفظه الآثار المصرية والمقبرة محاطة بتمثال له، وحول المقبرة توجد تماثيل نصفية لعلماء آثار مصريين مثل أحمد باشا كمال وماسبيرو وغيرهم، ويوجد في وسط الحديقة نافورة تحمل نباتي البردي واللوتس، اللذين يمثلان رمز مصر السفلي والعليا علي الترتيب، إلي جانب مسلات ترجع لعصر الأسرة التاسعة عشر للملك رمسيس الثاني. وتنفذ وزارة السياحة والآثار حاليا مشروعا لتطوير المتحف المصري بالتحرير بمنحة تبلغ 3.1 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي حسب المعايير الدولية، ويشارك فيه قيادات الوزارة وأساتذة الآثار بالجامعات المصرية، وتحالف المتاحف الأوروبية (المتحف المصري بتورينو، واللوفر، والمتحف البريطاني، والمتحف المصري ببرلين، والمتحف الوطني للآثار بهولندا، والمكتب الاتحادي للبناء والتخطيط الإقليمي، والمعهد الفرنسي لعلوم الآثار، والمعهد المركزي للآثار). ويتضمن مشروع التطوير خطة قصيرة المدي وأخري طويلة المدي الأجل لمدة 7 سنوات، لرفع كفاءة ومستوي المتحف، سعياً وراء تسجيله علي قائمة التراث العالمي وتحديد الرغبة في تشكيل هوية دائمة للمتحف المصري عقب إخلائه من مجموعتي (توت عنخ آمون) و(المومياوات الملكية).