قال فضيلة الشيخ صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، وعضو الاتحاد الدولي للغة العربية، أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أمر الأزواج بِحُسن معاشرة زوجاتهم، ومعاملتهن بالمعروف، فقال وتعالي: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] أي: صاحبوهن، وعاملوهن بالمعروف، وطيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، مما حض عليه الشرع، وارتضاه العقل من الأفعال الحميدة، والأقوال الحسنة، بأن تُلاطفوهنَّ في المقال، وتتجملوا معهنَّ في الفعال، وقال الغزالي: "والمعاشرة بالمعروف تكون بِحُسن الخلق معها، وكف الأذي عنها، بل احتمال الأذي منها، والحلم عن طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلَّي الله عليه وسلَّم، فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وقد كان رسول الله صلَّي الله عليه وسلَّم، يمزح معهن"، فكان من أخلاقه أنه جميل العشرة، دائم البِشر، يُداعب أهله، ويتلطف بهم، ويضاحك نساءه، حتي إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ويتودد إليها بذلك، فعن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت مع النبي صلَّي الله عليه وسلَّم في سفرٍ قالت: فسابقته فسبقته علي رجليَّ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السبقة. [رواة أبي داود وصححه الألباني]، فالملاعبة، فهي التي تُطيب قلوب النساء. وأضاف «صفوت عمارة» خلال حديثه ل "الأسبوع"، أنَّ الاعتراف بفضل الآخرين ومواقفهم الجميلة والكريمة خلق إسلامي نبيل، أصبحنا نفقده في مجتمعاتنا، فتجد للأسف كثير من بيوتنا عندما يحل الفراق بعد الوفاق في الأعم الغالب: أعراضًا تٌنتهك، وأسرارًا تٌعلن، ومستورًا يُكشف، وتهمًا باطلة تُقذف، وكذبًا يلقي، وفي ثورة الغضب والانتقام يختلط الحابل بالنابل ويلتبس الحق بالباطل، وكأن الزوجان ما عاشا يومًا معًا، يسرًا وعسرًا، صحةً ومرضًا، فرحًا وحزنًا، جمعهما هدف واحد، وقضية واحدة، وما إن يقع الشقاق بينهما ويستولي الشيطان علي منصة القلوب حتي يأخذ كل واحدٍ من الزوجين طعنًا ولعنًا وافتراءً علي الآخر، فلا الزوج يذكر لزوجه حسنة ولا الزوجة تذكر لزوجها معروفًا. وأشار "عمارة" إلي أنَّ الطلاق وإن كان مرًا فقد يكون فيه حبل نجاة لكلا الزوجين، كما قال الله تعالي: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ 0للَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِۦ ۚ وَكَانَ 0للَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا} [النساء:130] أي: إذا وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته، وتفرقا فإن الله تعالي يغني كلا منهما من فضله وسعته، بأن يرزقها زوجا غيره ويرزقه غيرها، فإنه سبحانه وتعالي واسع الفضل والمنة، حكيم فيما يقضي به بين عباده، فالحياة لا تخلو من المشاكل نتيجة اختلاف الطبائع البشرية، وتفاوت في نفوس البشر وصفاتهم، وقد تعصف رياح الشقاق بين الزوجين، وقد وضع الله لنا قاعدة نورانية تتجلي في قوله تعالي: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة البقرة: آية237] أي: إن وقع الطلاق والفراق بينكم فإياكم أن تنسوا الفضل والودَّ والإِحسان الذي كان بينكم، وهذه القاعدة الربانية التي جاءت في آيات الطلاق من سورة البقرة لا يُمنع من أن نأخذها معيارًا في كل حياتنا، فإِذا كان الطلاق قد تم لأسباب ضرورية قاهرة فلا ينبغي أن يكون قاطعًا لروابط المصاهرة. وتابع "عمارة" إنَّ الترفع عن الانتصار للذات، وعدم نسيان الفضل يعود بالنفع علي الأولاد، وضرب مثالاً بوثيقة طلاق الفقيه الكبير (أبو البركات ابن الحاج) لزوجته السيدة (عائشة الكنانية)، حيث كتب فيها: "يقول عبد الله الراجي رحمته، المدعو بأبي البركات، اختار الله له، ولطف به: إن الله جلت قدرته، أنشأ خلقه علي طبائع مختلفة، وغرائز شتي، فمنهم السخي والبخيل، وفيهم الشجاع والجبان، والغبي والفطن، والمتكبر والوضيع، فكانت العشرة لا تستمر بينهم إلا بأحد أمرين، إما بالإشتراك في الصفات أو في بعضها، وإما بصبر أحدهما علي صاحبه مع عدم الإشتراك، ولما علم الله أن بني آدم علي هذا الوضع شرع لهم الطلاق، ليستريح إليه من عيل صبره علي صاحبه، توسعة عليهم، وإحسانا منه إليهم.. فلأجل العمل علي هذا طلق عبد الله محمد أبو البركات ابن الحجاج زوجته الحرة العربية المصونة، بنت الشيخ الوزير الحسيب النزيه، المرحوم أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني، طلقة واحدة، ملكت بها أمر نفسها، ونطق بذلك إراحة لها من عشرته، طالبا من الله أن يغني كلا من سعته، وشهد بذلك علي نفسه في صحته وجواز أمره". واختتم «صفوت عمارة» حديثه قائلاً: علي العاقل أن ينظر إلي الطلاق باعتباره الكيّ المؤلم الذي يضطر إليه المريض، فعقلاء العرب قالوا: "آخر الدواء الكيّ" وقبل التفكير في هذا الكيّ لابد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فمهلا أيها الأزواج إما معاشرة بمعروف أو فراق بإحسان، ولا تنسوا الفضل بينكم حتي لا يذهب المعروف والفضل بين الناس. منطقة المرفقات