مرت المنطقة العربية بظروف عديدة خلال السنوات القليلة الماضية ، من بينها تراجع الدور المصري بسبب كبر سن الرئيس وطول فترة الحكم الذي ناهز الثلاثين عاما ، والذي صعب معه أن يؤدي واجباته بكفاءة وكذا اتساع رقعة الفساد والمحسوبين على النظام وتدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطن المصري ، والحال هكذا صعدت قوى إقليمية صغيرة الحجم بأحلام كبيرة إلى واجهة الإحداث وتحديدا دولة قطر مستغلة ما لديها من أموال طائلة ، ولأن قطر دولة بلا تاريخ راحت تشتري أو تصنع لنفسها تاريخا مهما كلفها ذلك ، وكيف يكون لها تاريخ أو دور قيادي في ظل وجود دولا كالسعودية ومصر اللتان تتصدرا المشهد الإقليمي ، فأما السعودية فقد علمت قطر مبكرا أنه لا طاقة لها بها ، فهي دولة قوية متماسكة تمتلك إمكانيات مادية وإعلامية هائلة إضافة إلى نفوذها في العالم ماديا ودينيا وأكثر من ذلك جوارها الإقليمي المتاخم لدولة قطر ، فكان خيار السعودية بعيدا ، وكان الرهان على مصر ، التي تعاني من مشاكل اقتصادية جمة وعدم رضا شعبي لقطاعات كبيرة من المصريين على النظام القائم ، وتراجع الدور الإعلامي والذراع ألمخابراتي للدولة المصرية . استغلت دولة قطر أموالها في تصعيد وتلميع البعض من خلال الجزيرة ، فكان القرضاوي والذي أسست له الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليكون بوقا لها ومنافسا للأزهر الشريف ، واستخدمت القرضاوي بعد أن لمعته في برنامج الشريعة والحياة كأداة في حربها على مصر مستغلا حب الناس للدين إلى جانب فقرهم وتذمرهم من النظام الحاكم وقتها ، وأيضا لمعت كثيرا من النخب واستضافتهم في أفخم الفنادق وقدمت لهم كل التسهيلات لإحداث حالة من الفوضى والانشقاق داخل المجتمع المصري المحافظ بطبعه ، وأقول المحافظ حيث انه كان في أصعب الحالات التي يمر بها المجتمع المصري العاشق لكل ما هو مصري تستطيع أغنية وطنية أن تجمع شتاته .. استطاعت دولة قطر من خلال شبكة من المراسلين زرعتهم في كل إنحاء مصر أن تحدث هذا الخلل وظهر هؤلاء المراسلون وكأنهم عملاء يجمعون أخبار في شتى الموضوعات ، وتقدمها الجزيرة بالشكل الذي يخدم أهدافها في إحداث هذا الشقاق . واستطاعت الجزيرة أن تصل إلى غايتها بإسقاط النظام المصري وكسبت الرهان على الإخوان وبدأت تضع إقدامها على ارض مصر وفُتِحت غزة لها من خلال الأراضي المصرية في إعلان صريح عن فتح مصر وأن مصر باتت محمية قطرية ، وفي مشهد اقرب ما يكون إلى الفاتحين ، زار أمير قطر' المنتصر' غزة ، واستعانت مصر بقطر لاستعادة الأموال المنهوبة ، وبدأت قطر تغزوا مصر بأموالها من خلال التعاقدات الغير شفافة على مشاريع عملاقة في مصر كمشروع قناة السويس وغيرها ، وبدت الأمور وكأنها تحت السيطرة واستمرت الجزيرة في الدعاية للإخوان وبدا أن قطر في طريقها لتحقيق طموحاتها الإقليمية بنجاح النموذج المصري والسيطرة على قلب المنطقة ، إلا أن الشعب المصري الأبي الذي يموت جوعا ولا تمس كرامته انتفض من جديد ضد التبعية أيا كان مصدرها ورفض الإهانة وخرج عن بكرة أبيه في 30 يونيو في مظاهرة قيل أنها الأضخم في العالم ، واسقط الحكم الإخواني الذي فشل أن يقدم أوراق اعتماده للشعب المصري ، وسقطت من خلفه الحماية القطرية لمصر ، وبات الحلم القطري في المنطقة والعالم على المحك وأصبحت عودة الإخوان للحكم بالنسبة لدولة قطر تعني البقاء على حلمها حيا . لم تأبه دولة قطر بتلك الملايين الهادرة التي غصت بها شوارع مصر وميادينها تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية ووقفت في وجه تلك الملايين التي خرجت ترفض الهيمنة القطرية وبيع قناة السويس والآثار والتاريخ المصري لدولة قطر .لم تفهم قطر الشعب المصري عندما اشترت بعض المذيعين أو أنصاف المثقفين واستعانت بهم في مخططها أو عندما جنست بعض لا عبي كرة اليد المصرية ، فهمت خطأ أن الشعب المصري يمكن أن يشترى . إن سقوط الإخوان سينهي الأسطورة القطرية التي طفت على السطح خلال السنوات الماضية ، وسيأتي على الحلم القطري في قيادة المنطقة وصناعة تاريخ قطري يتناسب مع ما تملكه من موارد ، لذا تجد قطر قد أعلنت حالت الطوارئ القصوى وراحت تنفق أموالا طائلة مستخدمة ذراعها الإعلامية الجزيرة وما يدور في فلكها ، ومستخدمة أناسا باعوا أنفسهم بحفنة من الدولارات ، لإسقاط النموذج المصري الجديد الذي طالبت به جموع الشعب المصري في 30 يونيو ، إن قطر تضرب رأسها بالحائط وهي تقف في مواجهة الشعب المصري وعليها أن تعيد النظر سريعا في موقفها الحالي تجاه الأزمة المصرية لأن الأوضاع ليست كالأوضاع والشعب الثائر لن يسمح لأيا من كان بسرقة ثورته أو التلاعب بها أو القفز على كرامته وتاريخه. على القيادة القطرية إن أرادت أن يكون لها دور في مستقبل المنطقة يتناسب مع حجمها الحقيقي أن تفهم أن ذلك لن يكون على حساب مصر ،عليها أن تنصت إلى الشعب المصري جيدا وان تكف من خلال أداتها الإعلامية المعروفة بقناة الجزيرة من تهيج الرأي العام المصري والدولي تجاه الجيش وعرض الرؤية الأحادية في مخالفة صريحة للمهنية الإعلامية ، عليها أن تنصت إلى الشعب المصري كله ، أذن وعين وحدهما لا يكفيا لسماع ورؤية المشهد كاملا . وإن لم تفعل ذلك سريعا ، فسيسقطها الشعب المصري ويقضي على أي حلم لها في لعب دور ولو صغير يتناسب مع حجمها الحقيقي ..