فى مثل هذا التوقيت الحرج الذى نحياه من تاريخ مصر، ربما طغى ترقب ما سيحدث يوم الأحد 30يونية الجارى على كل ما عداه من أيام وأحداث، فأمام أهمية هذا اليوم بالنسبة لمصر وشعبها.. بل والعالم أجمع، ربما تراجعت كل القضايا المصرية والمصيرية الأخرى للوراء بما فيها قضايا الأمن القومى والمائى و...و...، فى ظل سيناريوهات مختلفة ومتناقضة من الأحلام.. بل والكوابيس أيضا التى تسيطر على حياة المصريين فى تلك الأيام الفاصلة، فأمام هذا اليوم ينقسم المجتمع المصرى بكل أطيافه إلى معسكرات، لكل منها رؤية خاصة حوله، ففيما يراه البعض استكمالا لثورة -حسب قولهم- لم تحقق أهدافها واسترجاعا لها، يراه آخرون خروجا على شرعية حاكم أتت به صناديق الانتخاب، وفيما يرى البعض أنه يوم مكمل لإطار ديمقراطى لم يكتمل بعد ومصحح للمسار، يراه آخرون مفجرا لصراع طويل لا ولن ينتهى بسهولة، وصانعا لفوضى عارمة تفوق تلك التى أعقبت 25يناير 2011بمراحل وأشواط بعيدة. وهنا تختلط الأسئلة مع الأحلام والكوابيس، فهل يتكرر سيناريو أحداث يناير 2011 أم أن التاريخ لن يعيد نفسه؟ وإذا تكرر: هل سيكون بنفس الأساليب أم سيكون أكثر مكرا بعد أن استفاد من تجارب الماضى القريب؟ هل سيكون سلميا أم أكثر عنفا ودموية؟ هل سيمر بشكل سريع وهادئ بكل تفاصيله أيا كانت.. أم ستتوقف عنده عجلة التاريخ لفترة مجهولة؟ هل سيؤثر على الأمن القومى المصرى أم سيكون فى صالح هذا الأمن ومع تصحيح مساراته؟ هل سيكون داعما لديمقراطية حقيقية أم داعما لفوضى مستمرة لا يمكن إيقافها؟... هذا ما سنحاول قراءته من بين سطور المشهد الحالى، من خلال طرح سيناريوهات محتملة ليوم يصعب تخيله. جمعة 28يونية بالرغم من أن معارضى الرئيس »محمد مرسى« الداعين للنزول والاحتكام إلى الشارع مطالبة برحيله عن الحكم، قد أعلنوا تصعيد فعالياتهم على مدار الأيام القادمة وحتى 30 يونيو، فيما يشبه »البروفات« المصغرة للأحد المُرتقب، إلا أن أى متابع قد يتوقع أن تكون أكثر تلك »البروفات« ضجيجاً وصخباً تلك التى قد تأتى بها جمعة 28 يونيو، التى قد تستمر حتى يوم الأحلام والكوابيس أى 30 يونيو 2013 وهنا تطل عدة توقعات وتحليلات لما يمكن أن يحدث خلال هذه الفترة، وهى ما نعرضه فى النقاط التالية: بنزول حشود من معارضى الرئيس ابتداء من يوم الجمعة 28 يونيو -يتوقع حتى كتابة هذه السطور أن تكون حشودا كبيرة ما لم يحدث تغيير فى موقف الرئاسة- سيكون المشهد مستفزاً للجبهة الأخرى من مؤيدى الرئيس، وعلى رأس هؤلاء تيار جماعات الاسلام السياسى، وهى تلك الجبهة التى أعلن بعض أعضائها النزول لتأييد الرئيس و»الشرعية« يوم 30 يونيو، ومن ثم فإن من الوارد تقديم موعد نزولهم حسب مقتضيات الموقف، لتخفيف الضغط على القيادة السياسية قدر المستطاع، وبنزول هؤلاء سواء قبل 30 أو فى 30 يونيو تتصاعد احتمالات اشتعال الموقف لدرجات كبيرة، خاصة كلما زادت الحشود من الطرفين، ورغم أن مواقف وحشود سابقة لم تشهد صدامات بين الجانبين، إلا أنه فى ظل هذا المناخ المحتقن وما سبقه من صدامات بين هؤلاء -خاصة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين التيارات الليبرالية المعارضة- تعلو احتمالات الصدامات الكبيرة بين الجبهتين، يضاف إلى ذلك إيمان كل من طرفى المعادلة بأن هذه الجولة هى الجولة الأخيرة أو الأهم فى معركة البقاء، فإما أن ينتصر أو يُهزم وينسحب بكل ما تعنيه كلمة الانسحاب من خسائر لا يمكن تعويضها حسبما يعتقد كل طرف، فالانسحاب هنا هو التراجع إلى خلفية المشهد لزمن قد يطول بشكل كبير.. أما الأحزاب وتيارات الإسلام السياسى التى أعلنت عدم مشاركتها وعدم النزول فى مثل هذا التوقيت، معتبرة أن ما يصاحبه من مناخ عام يشبه مناخ الترقب والحرب، فربما تغير موقفها مع تصاعد الأحداث أو مع حدوث أى انفلات عن المسار أو الخطوط الحمراء التى حددتها سلفاً، خاصة فى ظل إعلان تيار الإسلام السياسى عموماً بأن 'الخروج على شرعية الرئيس خط أحمر'، وهو ما يتفق عليه تقريباً كل أعضاء وجماعات هذا التيار، ومن ثم فإن نزول هؤلاء سيزيد من التهاب المشهد، وإمكانية اشتعال الموقف أو حدوث الصدام.. وإذا أضفنا إلى ذلك إعلان وزارة الداخلية عن تأمينها لفاعليات هذا اليوم عن بُعد، ما يعنى عدم تواجد قوات الأمن على الأرض فى بؤرة الأحداث أو بين طرفى التظاهرات، فإن هذا يعنى افتقاد القدرة على السيطرة 'السريعة'، ما يعنى أيضاً إمكانية اشتعال الموقف بمجرد حدوث أى صدام حتى ولو كان بسيطاً، فى ظل عدم وجود خريطة واضحة للتظاهرات المؤيدة أو المعارضة حتى الآن، وكذلك غياب أى تصور لإمكانية السيطرة على أى منها أو مساراتها، مع توقع دائم واحتمال شبه أكيد باندساس مخربين ومفجرى عنف وشغب بين الجانبين كما شهدنا فى أحداث وتظاهرات سابقة.. ومع احتمال انخفاض قدرة الفعل والسيطرة من قوات الشرطة لأسباب منها: احتمال إمتناع أفراد قواتها عن التدخل فى أى عنف يحدث أو التفرغ لحماية المنشآت الحيوية للدولة، بالإضافة لاحتمال استجابة بعض الضباط لمبادرة التيارات الليبرالية التى دعت لأن يعلن الضباط وقوفهم مع المتظاهرين المعارضين للرئيس بوضع شعارات واضحة تعبر عن ذلك، ومن ثم سيكون على هؤلاء إن فعلوا ذلك الابتعاد عن ممارسة أو التدخل فى أى عنف إن حدث، وربما لذلك أعلنت القوات المسلحة المصرية قدرتها -التى لا نشكك فيها إطلاقاً- على التدخل السريع وفض أى صدامات خلال زمن قياسى، إلا أنه من المحتمل أن يكون هناك ثمن من الدماء قبل أو أثناء هذا الزمن المحدد لفض العنف، فى ظل توقع انشغال قواتنا عموماً بتأمين الجمهورية شرقاً وغرباً.. طولاً وعرضاً، مع توقع توليها المسئولية كاملة فى مثل هذا التوقيت الحرج، حيث سيكون الجيش مضطراً ربما حتى دون أى إنذار أو سؤال أو طلب النزول للحفاظ على الدولة، ومنع انجرافها إلى مستنقع العنف.. وبلا شك يظل عنصر التدخل الخارجى مطروحاً أكثر من أى وقت مضى، فى ظل الأحداث الأخيرة التى شهدتها مصر، وحجم التدخل الخارجى الذى شهدته البلاد منذ أحداث يناير 2011حيث يتوقع أن تحاول قوى خارجية التدخل.. إما لإشعال الفتن بين الجبهتين المتظاهرتين فى الشارع المصرى، أو لتعلية جبهة على أخرى، أو حتى لتحقيق مآرب سياسية باشعال الفوضى لتدخل مصر فى دائرة من عنف لا يتوقف، ومن ثم يتم إقصاء مصر من معادلة التوازن فى المنطقة والعالم، وبما يترتب على ذلك من سيناريوهات قد يفضى بعضها إلى اللارجوع للدولة المصرية بشكلها الذى نعرفه.. إذا ما تفاقم العنف -لا قدر الله- فى الشارع بين أطراف المتظاهرين، واضطر الجيش للنزول لحفظ الدولة ومؤسساتها وأمنها وأمن المصريين بالإضافة إلى مهامه الأخرى، سيكون بذلك قد سطر البند الأول فى وثيقة توليه مسئولية الدولة المصرية بشكل شامل وعملى، وهى المسئولية التى يتوقع أن تكون سريعة هذه المرة، حيث لا يود الجيش التورط فى الحكم مرة أخرى -حسب الإشارات الواضحة التى يطلقها- بعد تجربته السابقة وما خلفته من أثر سلبى، ولذلك ربما يضغط فى هذه الحالة فى اتجاه الاستجابة العاجلة لمطالب المعارضة، وبما لا يُقصى أى طرف من أطراف المسرح السياسى المصرى، وبما يعنى أيضاً الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة يشارك فيها الجميع برعاية المؤسسة العسكرية وفى أقرب وقت وفرصة ممكنة، مع توقع حل المجالس النيابية ووقف العمل بالقوانين المثيرة للجدل أو التى لا تحظى بالاجماع، مع إجراءات أخرى كثيرة وعاجلة لتهدئة الساحة السياسية فى أسرع وقت ممكن، وهى الإجراءات التى قد تُقابل بمعارضة شديدة ومعلنة من جانب مؤيدى الرئيس، فتطرح سيناريوهات أخرى من صراع نتمنى ألا يكون.. بين يناير ويونيو إذن فالمقارنة بين ما يمكن أن يكون عليه يوم 30 يونيو 2013 وبين ما كانت عليه أحداث يناير 2011 تبدو مقارنة فى غير محلها لأسباب كثيرة منها: أولاً: إن أحداث يناير 2011 لم تكن متوقعة، وبالتالى لم يُعد أى طرف من الأطراف عدته لهذه الأحداث، اللهم إلا ما حدث من تخطيطات »محدودة« من جهات لها مصالحها فى مصر وخارجها لفتح بعض السجون وإشعال »بعض« الفوضى، التى لم تكن لتتم لولا سير الأمور على ما صارت عليه وما آلت إليه، أما 30 يونيو 2013 فهو تاريخ مُعلن قبل أكثر من شهرين إن لم يكن أكثر على الحدث، المتمثل فى تظاهرات تطالب الرئيس بالانسحاب من المشهد بالاستقالة أو التنحى وإعلان انتخابات رئاسية مبكرة حسب ما أعلن حتى الآن، ومن ثم فإن كل من له مصالح فى مصر من قوى داخلية وخارجية يبدو أنه استعد أو يستعد لهذا اليوم، وإذا نظرنا بنظرة واقعية أو تشاؤمية سنتوقع أعمالا قد تتم لصالح دول محددة لإعاقة مصر عن النهوض لسنوات، فى مقدمة تلك الأعمال: إشعال الفتن والفوضى وسفك مزيد من الدماء ومحاولة تخريب المؤسسات القائمة لفرض نموذج جديد لمصر كما لم يعرفها التاريخ.. ثانياً: إن أحداث يناير 2011 كان يقف على طرفيها نظام حكم من جهة فى مواجهة معارضة متوحدة أو شبه متوحدة وغير محددة القيادة فى جهة أخرى، وآخرين التزموا الصمت الذى فُسر آنذاك لصالح المعارضة، أما 30 يونيو 2013 فتبدو فيه الصورة مختلفة تماماً، فهناك نظام حكم من جهة يواجه معارضة ليبرالية غير متوحدة إلا فى هدف إسقاطه، كما أنها معلومة القيادة من حيث شخوص ممثليها، حيث تضم المعارضة كل أعداء وخصوم الرئيس »مرسى« السابقين والحاليين، حيث يجتمع هنا مع المعارضة الليبرالية: عاصرو الليمون وحزب الكنبة من الذين خرجوا عن صمتهم ومؤيدو »مبارك« ومعارضوه وأعضاء حزبه السابق ومؤيدو 'شفيق' ومعارضوه ومن يطلق عليهم »الفلول« و....و....و..... وكل من يود إسقاط النظام القائم والرئيس »مرسى«، بينما يدعم الأخير تيار منقسم على نفسه ولا يتفق سوى على »الخط الأحمر« الرافض لاسقاط الرئيس، وبعض هذا التيار كما ذكرنا يؤيد النزول للشارع فى وجه المعارضة بينما يرفض آخرون النزول، فيما تقف مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة المنقسمة هى الأخرى فى المنتصف، ولكنها ترسل برسائل معارضة للرئاسة، بعكس وضع هذه السلطات والمؤسسات فى يناير 2011 ومن ثم فإن الوضع أكثر تعقيداً مما كان عليه آنذاك.. ثالثاً: إن مقومات الدولة المصرية الحالية لا يمكن مقارنتها بمقومات الدولة المصرية فى يناير 2011 حيث يؤكد الواقع أن الدولة المصرية الحالية منهكة على كل المستويات، ومن ثم لا تتحمل أى فترة من الفوضى إن حدثت، فعلى الجانب الأمنى كانت أجهزة الدولة الأمنية فى وقبل يناير 2011 إلى حد ما كاملة العتاد والعدة، ولكنها بالتأكيد لم تستعد حتى الآن عافيتها، ومن ثم ستكون كل المسئولية هنا ملقاة على عاتق الجيش وحده، الذى سيكون مضطراً -ربما حتى دون أى إنذار أو سؤال أو طلب- للنزول للحفاظ على استمرار الدولة فى حد ذاتها وعدم تفككها أو انهيارها، وعلى المستوى الاقتصادى ربما انقذ الاحتياطى النقدى آنذاك -أى فى يناير 2011 الموقف أو على الأقل قلل من مخاطر إفلاس الدولة، ولكن الاحتياطى المتاح حالياً لا يملك مثل هذه القدرة الآن، أما باقى جوانب المقارنة فكلها لا تمنح تفضيلاً للأحد المُرتقب 30 يونيو 2013 اللهم إلا فى عدد الأشخاص المتوقع نزولهم للشوارع، ولو حتى من قبيل »الفُرجة«.. الحلول المستحيلة!! يظل السؤال إذن هل من حلول لتجنب مثل هذه الكوابيس اللعينة وتحقيق أحلام المصريين فى حياة كريمة والحفاظ على مصرنا وأمنها وسلامتها؟ وهل فات الأوان على طرح أو إجراء مثل تلك الحلول فأصبحت مستحيلة؟ الإجابة على مثل هذا السؤال يجب أن تبدأ بالقول إن السياسة والتاريخ يؤكدان أنه لا مجال لوضع كلمة »مستحيل« فى جملة يستطيع البشر صنعها، فلكل قضية مهما صعبت حلول، ولكن فن السياسة يظل بالتأكيد فن التفاوض والوصول إلى حلول، حتى ولو كان الوصول إلى هذه الحلول والتفاهمات قبل المعارك الحربية أو تحريك القوات بدقائق، ولهذا فإن الأمل دائماً موجود إذا توافرت النية الصادقة من كل أطراف اللعبة السياسية، حتى ولو كانوا يضمون فصائل متنوعة وغير متفقة فيما بينها، وحتى لو كان الوصول إلى اتفاق واضح وشامل بين مختلف أطيافها يبدو صعباً وشبه مستحيل، ولكن الجميع سيتفق بالتأكيد على عدم جر 'الوطن' بكل ما يعنيه إلى مستنقع الصراعات التى لا تنتهى.. إذن فالحلول دائماً موجودة، وقد نستيقظ غداً وقد انتهى الصراع بحلول ترضى الجميع، ومن ثم نتجنب الخوف من يوم صار جزءًا لا يستهان به من شعبنا يخشاه بقدر ما يتمنى تحقيق الديمقراطية الكاملة، دون أن تخسر مصرنا قطرة واحدة من دماء أبنائها الزكية، وإذا انتهى هذا الخوف سواء بمرور هذا اليوم بشكل سلمى ديمقراطى، محققاً أهدافه السامية، ومصوراً مصرنا بالصورة التى تليق بها وبتاريخها المشرق، أو أُلغى لتحقيق أهدافه حتى قبل بدء فعالياته، فإن كل ما وضعناه من احتمالات وتوقعات سيكون قد سقط أيضاً -كما نتمنى- لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ مصر، وإذا كان البعض يطرح حلولا يراها مستحيلة: بإجراء تغيير جذرى وحاسم للسياسات أو النزول على مطالب المعارضة بشكل كامل أو حتى إعلان انتخابات رئاسية مبكرة، فإننا لا نستبعد شيئا من ذلك حتى ولو قبل بدء فاعليات 30 يونيو بساعات قليلة، حتى ولو من منطلقات حفظ الدماء المصرية، ولكن هل سيقدم معسكر السلطة بكل أطيافه وتوجهاته على ذلك؟ وإذا أقدم.. فهل سيرضى المعارضون بمختلف أطيافهم وتواجهاتهم ومصالحهم المتعارضة بطبيعتها بتلك الحلول إذا ما أُعلن عن قبول أى منها والنزول عليها؟ إم ستترجم بأنها كإعلان فرعون وهو يغرق إيمانه برب موسى؟! [email protected]