أكد التقرير السنوي الخاص بمؤشر السلام العالمي لعام 2013 أن العالم أصبح أقل أمنًا وسلامًا بسبب الزيادة المطردة في حالات استخدام العنف والقتل في جميع أنحاء العالم. وأشار إلى أن العالم أصبح أقل أمنًا بنسبة 5% مقارنة بالتقرير الأول الصادر في عام 2008. وقال التقرير الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام يوم الخميس الماضي إن «هناك 110 دول أصبحت أقل في درجة السلمية منذ عام 2008، مقابل 48 دولة فقط أصبحت أكثر ارتفاعًا». وذكر التقرير أن هذا الانخفاض في مؤشر «السلام» يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة، هي: ارتفاع عدد جرائم القتل، زيادة النفقات العسكرية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، عدم الاستقرار السياسي. ويقوم معهد الاقتصاد والسلام الدولي، بالتعاون مع بعض المؤسسات ومراكز الأبحاث العالمية المرموقة في دراسات الأمن والسلام وحل النزاعات، بإصدار تقرير سنوي منذ عام 2008 يوضح قياس حالة السلام، أو يضع مقياسًا لوضع المسالمة النسبي للدول والمناطق، من خلال وضع معايير خاصة لمستويات السلمية والسكينة في الدول المختلفة، مستخدمًا 24 مؤشرًا كميًا وكيفيًا تعتمد على مصادر علمية ودوريات وتقارير دولية ومحلية متخصصة، تقيس بالأساس ثلاثة موضوعات أو قضايا جوهرية هي: مستويات الأمن والأمان في المجتمع، وجود صراعات داخلية أو دولية داخل الدولة، درجة عسكرة الدولة. لماذا يتراجع السلم داخليًا؟ ومما لا شك فيه أن ثمة مجموعة من العوامل على المستوى الوطني والدولي تفسر لماذا أضحت معظم المجتمعات تعيش في مناخ عير آمن وغير سلمي داخل دولها، فهناك أولا موجة العولمة التي تلقي بظلالها على الدول وتجعل معظم الأقليات والإثنيات والأعراق تحاول الحصول على مكاسب لم تتمتع بها من قبل، وخاصة في دول العالم النامي، وثانيًا عززت الوسائل التكنولوجية الحديثة من إنترنت وفضائيات وغيرها من مطالب العديد من المواطنين الذين طالما تم قمعهم بعيدًا عن وسائل الإعلام، وهي مطالب تقابَل عادة بتجاهل من السلطة الحاكمة التي لا تسعى إلى تعزيز مبادئ المواطنة، وثالثًا يبدو أن ثمة تناميًا واضحًا للعنف داخل معظم البلدان إما نتيجة للعوامل السابقة وإما نتيجة لمتغيرات اجتماعية واقتصادية تصاحب الأزمات المالية والاقتصادية في معظم الدول، والتي ينتج معها قدر كبير من تراجع الدولة عن أداء بعض الأدوار الاجتماعية. وليس بعيدًا عن ذلك فإنه حتى داخل بعض الدول المتقدمة، فقد قادت الأزمة المالية إلى بروز ظاهرة محاولة انفصال بعض الأقاليم كما يبرز في إسكتلندا بالمملكة المتحدة وإقليم كاتالونيا الإسباني على سبيل المثال، بل إنه في بعض الدول الأوروبية أدى خروج التظاهرات الشعبية ضد التقشف إلى استخدام العنف في ظاهرة ربما لم تعرفها بعض دول أوروبا والولاياتالمتحدة منذ زمن بعيد. أرقام مفزعة: ويوضح التقرير السابع حول حالة السلام في العالم أن ثمة مفاجأة سيئة، ليس فقط بسبب تردي حالة السلم داخل العديد من الدول، ولكن أيضًا لأن الآثار الاقتصادية لاحتواء العنف المتصاعد في ظل أزمات مالية يشهدها العالم تعد كارثية بكل المقاييس. وتبدو الإحصائيات التي أوردها التقرير مثيرة بقدر ما أنها مخيفة بالفعل، حيث أنفقت دول العالم في عام 2012 حوالي 9.46 تريليون دولار لصد حالات العنف، أي أن العنف والعنف المضاد كلَّف العالم هذا الرقم الضخم، الذي يشكل 11% من الناتج الإجمالي العالمي، وهو ما يشكل تقريبًا ضعف قيمة الإنتاج الزراعي على مستوى العالم، وما يقرب من خمسة أضعاف قيمة الناتج العالمي في صناعة السياحة، وحوالي 13 ضعفًا من الناتج العالمي لصناعة الطيران عالميًا. ويؤكد معدو التقرير أنه لو تم خفض تكلفة العنف بنسبة 50% على الأقل، فإنه يمكن توفير أموال تكفي لسداد ديون العالم النامي، وتوفير ما يكفي كذلك لإعادة آليات الاستقرار للاقتصاد الأوروبي، وتوفير مبالغ إضافية من أجل تمويل الأهداف التنموية للألفية الثالثة التي وضعتها منظمة الأممالمتحدة. بين الأعلى والأدنى: ووفقًا لمؤشر عام 2013، والذي يشمل 162 دولة من دول العالم في القارات المختلفة، فقد احتلت أوروبا المنطقة الأولى الأكثر 'سلمية' على مستوى العالم، ويأتي في مقدمتها الديمقراطيات القائمة شمالي جبال الألب، وحتى في بعض الدول التي تشهد أزمات مالية مثل البرتغال وإسبانيا واليونان، والتي تحمل ظروفًا أقل سلمية، فإنها جميعا جاءت في مرتبة متقدمة عن منطقة أمريكا الشمالية التي جاءت في المرتبة الثانية. أما المناطق الأقل سلمية وسكينة، فقد جاءت منطقة جنوب آسيا في مقدمة هذه المناطق، تليها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثم منطقة روسيا وأوراسيا. وقد احتلت دولة أيسلندا المرتبة الأولى بينما جاءت أفغانستان في المرتبة ال 162، أي الأخيرة، على مقياس السلام. وشملت قائمة الدول العشر الأولى الأكثر سلامًا على الترتيب كلًّا من: أيسلندا، الدنمارك، نيوزيلاندا، النمسا، سويسرا، اليابان، فنلندا، كندا، السويد، بلجيكا. بينما شملت قائمة الدول التي تصدرت الترتيب الأخير كلًّا من: أفغانستان، الصومال، سوريا (تراجعت بنسبة 70% في الترتيب منذ عام 2008، وتشهد حربًا أهلية راهنة وتدخلات دولية كبرى)، إيران، السودان، باكستان، الكونغو، روسيا الاتحادية، كوريا الشمالية، أفريقيا الوسطى. هل الحروب حتمية؟ ويأمل واضعو مؤشر السلام العالمي فى تقديم معلومات جديدة عن حالة السلم والأمن على المستويين الوطني والدولي بهدف تقديم مساهمة ذات قيمة لفهم أفضل من قِبل المجتمع المدني العالمي والباحثين وصانعي السياسات الحكومية لمحاولة خلق مجتمعات أكثر أمنًا وسلامًا واستقرارًا. بيد أن ذلك لا يمنع من القول، وذلك وفقًا لتعليق المحلل «أرنود دي بورشجراف» بموقع يونايتد برس إنترناشيونال، إن العديد من المؤرخين يعتبرون الحرب هي الجانب الآخر الذي لا مفر منه، وأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية، حيث يقول خبير العلاقات الدولية، كونرواي هندرسون، في دراساته عن الحروب، إن العالم عرف 14 ألف حرب بين عام 3500 قبل الميلاد حتى نهاية القرن الميلادي العشرين، راح ضحيتها حوالي 3.5 مليار شخص «ما يعادل نصف عدد سكان العالم الآن تقريبًا»، وأنه خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة لم يعرف العالم سوى 300 عام فقط من السلام. وفي كتابه «الحرب قبل الحضارة»، يشير لورانس كيلي، الأستاذ بجامعة إلينوي، إلى أن ما بين 90% إلى 95% من المجتمعات الإنسانية المعروفة عبر التاريخ شاركت في حروب على الأقل ولو مرة واحدة. ويمكن في هذا الصدد تذكر مقولة الزعيم الصيني، ماو تسي تونج، التي قال فيها «المعسكر الاشتراكي لا يخاف حربًا نووية مع الولاياتالمتحدة، حتى لو خلَّفت هذه الحرب نصف البشرية موتى، فالنصف الآخر سيبقى ليقضي على الإمبريالية على الأرض ليصبح العالم كله اشتراكيًا». الولاياتالمتحدة ذاتها قامت بشنِّ العديد من الحروب وسببت عدم الاستقرار في معظم بلدان العالم وهي الأعلى إنفاقًا في المجالات العسكرية، وكذلك تثير حوادث العنف الفردية المتكررة الحديث عن الأمن الداخلي... والصين بالمثل لديها أزمات داخلية تتعلق بالحقوق والحريات ونيل الأقليات لحقوق المواطنة... لذا لم يكن غريبًا أن تأتي الولاياتالمتحدة في المرتبة 110 على مؤشر السلام العالمي ثم تأتي الصين خلفها في المرتبة 111.