مجلس الوزراء يوافق على تشكيل المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي بمجال العمل    وزير الكهرباء: تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثالثة أكتوبر المقبل    «المشاط» تطالب بإعادة هيكلة النظام المالي الدولي لتحقيق مستقبل أكثر عدلًا للجميع    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلى شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون    رئيس الوزراء: الدولة مستمرة في برنامج الطروحات وتعظيم الاستفادة من الأصول    بلينكن يؤكد أهمية احتواء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني    كييف تكشف عن خطط لتنفيذ عمليات بأسلحة بعيدة المدى    «القاهرة الإخبارية»: نزوح عدد كبير من مواطني جنوب لبنان بسبب الغارات الإسرائيلية    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تعمل على عزل بلدات وقرى الجنوب اللبناني    خبير شؤون إسرائيلية: استهداف 50% من قدرات حزب الله كلام غير صحيح    لن يلحق بالديربي| ريال مدريد يعلن غياب مبابي عن الملاعب للإصابة    محافظ المنيا: ضبط 259 مخالفة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق    موعد بدء العام الدراسي الجديد للجامعات 2024-2025.. والخريطة الزمنية للعام المقبل    إسعاد يونس: من الواجب إجبار الأحفاد والأبناء على بعض الصفات في تربيتهم منها الصدق    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    صحة المنيا تنظم قافلة طبية بقرية 8 ضمن مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»    كنوز| 54 عاما على غياب زعيم في ذاكرة المصريين    لاستيفاء نسبة ذوي الهمم.."العمل" تنظم ندوة بمنشآت القطاع الخاص بسوهاج    الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الخميس 26 سبتمبر 2024    تسلم 2500 شنطة وأدوات دراسية للأيتام والأسر الأولى بالرعاية و78 معرضا للسلع في المنيا    محافظ المنيا يسلم 2500 شنطة مدرسية وأدوات دراسية للطلاب الأيتام والأسر الأولى بالرعاية    محافظ الدقهلية ييستلم دفعة من المواد الغذائية لتوزيعها على الأولى بالرعاية    انطلاق فعاليات الملتقى الثامن عشر لشباب المحافظات الحدودية بأسوان    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟    "بناء الإنسان".. دورة لعمال المساجد للتعامل اللائق مع ضيوف الرحمن    «تنسيقية شباب الأحزاب» تناقش قانون الإجراءات الجنائية والحبس الاحتياطي    قدميها لأبنائك طوال الدراسة، أطعمة تقوي الذاكرة والتركيز    شغل ومكافآت وفلوس كتير.. 4 أبراج فلكية محظوظة في بداية أكتوبر    الفنان والمنتج شادي مقار عن مسلسل برغم القانون: اكتسبت وزن من أجل المصداقية    محافظ أسوان ونائب وزير الإسكان يتفقدان خزان أبو الريش العلوي بسعة 4 آلاف مكعب من محطة جبل شيشة    مسؤول لبناني: شركات الطيران العربية والأجنبية أوقفت رحلاتها لمطار بيروت باستثناء واحدة    سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة    وزارة العمل: ختام مشروع إدماج النوع الإجتماعي في العمل بالسويس    النائب محمد الرشيدي: جرائم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تشعل فتيل الصراع بالمنطقة    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    أيتن عامر عن أزمتها مع طليقها : «الصمت أبلغ رد» (فيديو)    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    بمشاركة أكثر من 40 دار نشر.. افتتاح النسخة الأولى من معرض نقابة الصحفيين للكتاب    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    ميكالي يستقر على إقامة معسكر لمنتخب 2005 في التوقف الدولي المقبل (خاص)    رئيس هيئة الدواء: سحب كافة الأدوية منتهية الصلاحية وليس نسبة منها    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    بالصور- تطعيم 63.6% من تلاميذ مدارس الوادي الجديد ضد السحائي    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    ليفربول يواجه وست هام يونايتد في كأس كاراباو    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 25-9-2024 في محافظة البحيرة    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    وزير التعليم العالي يشهد حفل استقبال الدفعات الجديدة    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    عاجل.. رد فعل حكم السوبر الأفريقي بعد طلب الزمالك استبعاده.. كيف يدير المباراة؟    هل هناك نسخ بالقرآن الكريم؟ أزهري يحسم الأمر    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الخالد الصالح".. المسافر عبر زمن الفن الجميل

في 2014، أعلن علماء "الكونيات" عن إمكانية صناعة "انحناء" في نسيج المكان والزمان "الزمكان"، ثم اختراقه والانتقال إلى مكان وزمن آخرين في نفس اللحظة، وهو الاكتشاف المذهل الذي ألهب خيال صناع السينما في "هوليوود"، وتنبأت به نظرية النسبية ل"أينشتاين" منذ قرن مضى، وفي نفس العام، 2014، كان الفنان الاستثنائي خالد صالح قد حزم أمتعة الرحيل للانتقال إلى زمنه الجميل الذي جاء إلينا منه، وحجز نقطة انطلاقه من أقصى مكان في جنوب مصر، وأكثرها نقاء، حيث لا شوائب تعوق الرؤية في الطريق، ولا شيء سوى الإخلاص واليقين، مركز الدكتور مجدي يعقوب للقلب، حيث أغمضت هناك عيناه في مشهد النهاية.
ولأننا لا نعرف بالتحديد أين هو الآن، ذلك "الخالد" "الصالح"، الذي ودع جمهوره ب"قلب مفتوح"، في مثل هذه الأيام من عام 2014، وانتقل إلى "زمكان" آخر تنتمي إليه روحه الطيبة، ولكن منذ أن عرفه الجمهور، وفي داخلنا شبه يقين أن روحه الفنية تقارب في ملامحها شخصيات عشقناها من زمن الفن الجميل الحقيقي، تماهى فن خالد صالح مع العبقري الراحل محمود المليجي وزكي رستم، وبدا كأن شيئاً ما يجمع الثلاثي، رغم أن حسابات الزمن (الذي نعرفه) لم تجمع خالد صالح بسابقيه، ولكن ليس ما نعرفه هو كل الحقيقة.
بدايات "صالح" كانت أشبه ب"العالق" بين زمنين، مشوش الاتجاهات، يجوب الشوارع، يقود سيارات التاكسي، يبيع الحلويات، يمشي "كومبارس صامت"، على خشبة المسرح الذي يعشقه، لمجرد أن يراه الجمهور، حتى لو يسمعه أحد.
قال عن المسرح: "المسرح هو أستاذي اللي علمني صوتي في الفراغ واستخدام جسمي أيضاً في الفراغ"، ويبدو أن براح "الفراغ الكوني"، كان ملعباً فريداً صال وجال فيه خالد، وحده، بجسد وروح لا يخضعان لقوانين الجاذبية.
كانت قوة الدفع الرباعي، "صالح" وأصدقاؤه في كلية الحقوق، أسماء صارت فيما بعد نجوماً براقة في سماء الفن، ما عدا هو، ظل الضلع الناقص في مربع الشهرة، رفقاء الجامعة كانوا خالد الصاوي (الأقرب إلى قلبه)، ومحمد هنيدي ومحمد سعد.
بعد تخرج "الرباعي"، انطلق ثلاثة منهم إلى عالم الفن، واستطاع ثلاثتهما شق طريق النجومية الوعر، ولكن رابعهم "الخالد الصالح" ظل عالقاً في المكان، متعثراً في طرقات الزمن، يعمل بالمحاماة قليلاً فيتوقف، يجوب البلاد بحثاً عن شيء ما ضائع منه، يسافر إلى الخليج عساه يجده، ولم تفلح محاولاته، لم يحتمل قلبه الصغير تعب السفر عبر الأزمنة، فما كان من قلبه إلا أن نطق بالوجع، بكل وضوح، وهو في بدايات ثلاثينات عمره، بحسابات الزمن الأرضي.
وجاءته بشرى القدر الجديد، إيذاناً بموعد بداية الرحلة الفنية التي تأخر موعدها، وفق حسابات البشر، ولكن في علم "الكونيات" فإن السير وفق سرعة عالية يعني أننا نساهم في تغيير سرعة دوران عقارب الساعة حولنا، مما يعني أننا مسافرون عبر الزمن، ومنذ اختيار المخرجة الكبيرة "إنعام محمد علي" ل"الخالد" لتجسيد دور الشاعر المرهف مأمون الشناوي، في مسلسلها الأشهر "أم كلثوم"، بدأت الرحلة، عام 1999، وفي أول عام بالألفية الثالثة، تتخذ رحلة "الخالد" مساراً مثيراً في دور رئيس جهاز المخابرات الأسبق "صلاح نصر"، وهو الشخصية الأكثر جدلاً في تاريخ مصر المعاصر، في فيلم "جمال عبد الناصر"، بطولة صديق عمره "خالد الصاوي".
وبرغم أن الفيلم لم ينل حظه من النجاح، إلا أن "الخالد الصالح" عرف مساره الكوني، وتحسس مداره جيداً نحو قرص شمس النجومية، واستطاع بمشهد واحد في فيلم "محامي خلع" أن يلفت إليه الأنظار، وهو يجلس بشموخ وخفة ظل على منصة المحكمة، ليفصل في قضية خلع "العصفورة" و"العنتيل"، في حوار عبقري للكاتب وحيد حامد.
في 2003، عبر مشاهد قليلة بأول بطولة سينمائية لأحمد حلمي، فيلم ميدو مشاكل، لفت انتباه الجمهور والنقاد، في دور ضابط المخابرات المزيف، وبعدها بعام، كانت اللحظة الفارقة، تحويل مسار أكثر اقتراباً من النور، فيلم "تيتو"، لتحفظ الجماهير "الإيفيه" الخالد للضابط الفاسد "أنا بابا يالا"، وتضاء أنوار قاعة العرض الخاص للفيلم، ويهرع الفنان "أحمد السقا" نحو "خالد صالح" ويقبّل رأسه أمام الجمهور، ويعتبره منذ تلك اللحظة "تميمة النجاح" في معظم أفلامه، حرب أطاليا، عن العشق والهوى، ويشاركه البطولة "كتفاً بكتف" في فيلم "ابن القنصل"، ويدهش خلاله الجميع، ولا يصدق أحد أن هذا القنصل النصاب العجوز ما زال على أعتاب أربعينيات عمره، بحسابات الزمن الأرضي.
وبين الأربعين والخمسين، عقد زمني وحيد بحساب السنين الأرضية، ولكنه عقود وعهود كاملة، بتوقيتات "السفر عبر الأزمنة" التي كان يرتحلها خالد صالح، تقافزت نجوميته بسرعة تفوق ما تدركه الأبصار، ويزداد النجم لمعاناً بشكل يخطف القلوب، وكأن سرعته يستمدها من تلاقي "كمّي" و"كيفي" لأزمنة متعددة، فيتحرك بصورة مغايرة لمعادلات الفن في الزمن الحالي.
رحلة قصيرة، مكثفة لدرجة الدهشة، قطعها "خالد" في ساحات الفن، حصد فيها أرفع الأوسمة الجماهيرية، وتحولت كلماته إلى أقوال مأثورة، خالدة كمثله، يردّدها الجميع فور سماعها في حوارات أفلامه، هذا الشيطان الرجيم في فيلم "الريس عمر حرب" الذي تخيفنا نظراته وترعشنا ترددات صوته وهو يقول: "هتروح على فين.. العالم ده كله بتاعي".
أدهش "خالد" من لا يندهش أبداً، وأقنع بموهبته الفذة المخرج الراحل يوسف شاهين، ليمنحه دور عمره في فيلم "هي فوضى"، ويصبح البطل "الصول حاتم" "أيقونة الظلم" ورمز العهد البائد، وشرارة النبوءة بثورة يناير، وهو يوجه "إبهامه" نحو صدره في عنجهية مردداً جملته الشهيرة: "اللى ملوش خير في حاتم ملوش خير في مصر".
ومن ينسى دوره العبقري في فيلم "فبراير الأسود"، وهو ممسك بمشرط جراح ماهر، لتشريح جسد الوطن العليل، الذي افترسته الأنظمة الغابرة، فجعلت "المواطن المصري" لا يساوي شيئاً إلا لو كان "مواطن وحاجة"، ثم يتقمص "خالد" أحب الأدوار إلى قلبه، باعترافه، في "عمارة يعقوبيان" ويردد الوزير الفاسد "كمال الفولي" جملته الشهيرة: "الشعب المصرى كله ماسك في ديل الحكومة كأنها أمه اللي خلّفته، حتى لو كانت الحكومه دي ماشية على حل شعرها".
ويؤون أوان "خالد تليفزيونياً"، ويحلق بمواهبه الفذة في سماء البطولات الدرامية، مسلسلات "سلطان الغرام"، "بعد الفراق"، "الريان"، "تاجر السعادة"، وأخيراً "حلاوة روح"، وحملت جميعها أسماء "ذات مغزى" في حياة خالد صالح، كتبتها أقداره قبل أن يختارها مؤلفو هذه الأعمال.
وكما كان أول ظهور "مدهش"، لخالد صالح، مع أحمد السقا، في فيلم "تيتو"، يشاء القدر، أن يكون "آخر ظهور سينمائي" لهما معاً، بقيادة المخرج الكبير شريف عرفة، في دور "الشيخ جعفر" كبير الرحالة، بالجزء الثاني لفيلم "الجزيرة"، ولكن مشيئة القدر لم تهمل "خالد" مزيداً من العمر لحضور العرض الخاص.
ينطلق "الخالد الصالح" ممتطياً صهوة جواده الأسطوري، في سباق مع الزمن الراكد، حتى يصل إلى نقطة النهاية المرسومة، وفي عامه الخمسين، بمقاييس الزمن الأرضي، يعبر برزخ الحياة الأبدية، تاركاً "قطعة منه" نفخ فيها شيئاً من روحه، فصار ولده "أحمد" يحمل نبض أبيه، وفيضاناً متجدداً من الحب في قلوب الجماهير، تشتاق "خالداً" إلى اللانهائية وما بعدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.