أثناء وجودي بأحد شواطئ الساحل الشمالي، لاحظت رجلا وزوجته ينطق وجه كل منهما بالسعادة، ملابسهما الأنيقة البسيطة تدل على انتمائهما للطبقة المتوسطة المتعلمة المحترمةالكادحة، ربما قضيا حياتهما في الكد والتعب لتربية الأبناء حتى أحيلا للمعاش. كان الحوار دائرا بينهما بصوت مسموع، والقصة باختصار أن الزوج قرر تحقيق حلم زوجته برؤية الساحل الشمالي، فاشترك في (جمعية)، ليستطيعا الإقامة بإحدى القري لأيام قليلة، وحينما احتجت كأية زوجة مصرية أصيلة بقولها: «كنت اشتريت حاجة لعيال ولادك بالفلوس دي»، رد بابتسامة: «أنت أهم حد في الدنيا، والحمد لله أن ربنا قدرني أحققلك اللي كنت عاوزاه من زمان». فقالت :»بس شكلي مش أد كده وسط الناس دي»، وكان رده :»انت أحلى واحدة هنا، فستانك الحلو ده أنا باحبه عليك، والطرحة بتحلى وشك، لا، ده وشك هو اللى محليها»، ابتسمت بخجل، وعيناها تنطقان بالفرحة ردا على نظرات الحب المطلة من عينيه، وداعبته قائلة: «آجى ايه وسط البنات الصغيرة والستات الحلوة اللى حوالينا دول!»، قال: «صحيح، البنات حلوين أوى، والمايوهات الملونة تزغلل العين، شايفهم وفرحان بهزارهم ولعبهم مع أصحابهم، لكن قلبي بيحبك انت). وسألته: «تعتقد مش بيتريقوا علينا، على هدومنا وشكلنا وإحنا عواجيز كده»، فرد عليها»: ليه؟ إذا كنا إحنا شايفينهم وفرحانين بسعادتهم المناسبة لعمرهم، ليه هم مش هيفرحوا لما يلاقونا قاعدين ومبسوطين بشرب العصير قدام البحر!! « تأملتهما، وابتسمت، وقلبي سعيد من أجلهما، حوار بسيط جعلني أشعر أن الدنيا بخير، وأن الحب والمشاعر الصادقة وتقدير رحلة الكفاح المشترك أشياء لم تغرق وسط طوفان الحياة وصعوباتها ومظاهرها الخادعة. كم هو جميل أن يجد الإنسان شريكا حقيقيا لحياته، يحبه بمميزاته وعيوبه، يراه بقلبه قبل رؤية العين فيجده الأجمل والأفضل، يسانده في مشوار الحياة الصعب، ويدعمه، يشاطره الحزن والفرح، يقاسمه الشقاء والرخاء، يهون عليه كل الصعاب، يشد أزره في الشدائد ويخفف عنه، يسعى لإسعاده بشتى الطرق، يقضي معه حياته في اطمئنان، ويستمتعان سويا بأبسط الأشياء. إنها مشاعر تنبع من داخل الإنسان، ولا ترتبط بما لديه من مال أو جاه أو منصب أو نفوذ، فهي أحاسيس صادقة لا تباع ولا تشتري، وهنيئا لمن يمتلكها.