مَن منَّا لَم تمر عليه في حياته لحظاتٌ حملتْ فيها نفسُه الضغينة، أو طُوقت فيها عنقُه بسلاسل الحقدِ وحبائل العداء؟ ،مَن منَّا لم تمرّ عليه لحظاتٌ استشعر فيها ظلمًا لم تستطعه نفسُه، ولم تقدرْ عليه جوارحُه؟، فما قدَر إلا أنْ ينفثَ في وجْه خصْمه زفراتِ الحقدِ ونفثات الغلِّ، وتمنَّى لو ينتصر لنفسه، ويردع ذلك الآثم، ويرد كيدَه في نحرِه ،انه القلب الذي يحب ويكره ويُقبل وينفر . صلاح القلب صلاح الانسان وفساد القلب فساد الانسان وعمله، فسلامة القلب هي طهارته منَ الحقد والغلِّ ،لذا حق للرسول -صلى الله عليه وسلم- ان يقول: ((إن في الجسد مُضغة إذا صلَحتْ صلح الجسد كله، وإذا فسَدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) ، واليكم هذه الواقعة ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كنَّا جلوسًا مع الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يدخل عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة))، فطلع رجلٌ من الأنصار تَنْطِفُ لحيتُه مِن وضوئه، قد تعلَّق نعليه في يده الشمال، فلمَّا كان الغد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مِثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مِثل المرة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثالث، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل مقالته أيضًا، فطلع الرجل على مثل حاله الأولى، فلمَّا قام النبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه - أي: تبع الرجل الممَدُوح - عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال للرجل: إنِّي في خلاف مع أبي فأقسمتُ ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تؤويني إليك حتى تمضي - أي: هذه الأيام الثلاث - فعلتَ؟ قال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يُحدِّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تقلَّب على فراشه ذَكرَ الله - عزَّ وجل - وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليالي، وكدتُ أحتقر عملَه، قلت: يا عبدالله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا عداء، ولكنِّي سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عليك ثلاثَ مرات: يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مراراً، فأردتُ أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أركَ تعمل كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيتَ، قال: فلمَّا ولَّيْتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه، فقال عبدالله بن عمرو: هذه التي بلغت بكَ، وهي التي لا نطيق" يا سادة أكاد أجزم أن أغلب إن لم تكن كل مشاكلنا ناجمة عن الغل والحقد والحسد وهذه من أمراض القلوب التي لا تحتاج إلى طبيب ، إنما تحتاج إلى الإصلاح ، إصلاح ما بينك وبين العباد وإصلاح ما بينك وبين الله تعالى ،إن بعض الناس قد جعل قلبه مستودعاً للهموم والأحزان ولأمراض القلب على اختلاف أنواعها، لذا فهو من أشقى الناس عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً، قد سُجِن في قفصه الصدري قلبه الأسود، لا يعرف الصفح ولا العفو ولا كظم الغيظ ولا الرضا بما قسم الله له من رزق ، تجده قاطع للرحم، مرتكبا للموبقات ، نزعت منه البركة في الرزق والولد والوقت والعافية. انتهى رمضان كما انتهت رمضانات وسنون عديدة قبل ذلك ، لكن هل غير الشهر الفضيل فيك شيئا ؟ هل قمت ببر الوالدين ؟ هل كفلت محتاجاً ؟ عل عفوت أو سامحت من أساء إليك ؟ هل أخرجت زكاتك ؟ هل أمسكت عليك لسانك من القيل والقال ؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى عديدة لن يجيب عليها أجلا أو عاجلا إلا أنت ، كل عام وانتم بخير ومصرنا العزيزة تنعم بالأمن والرخاء