في لقاء دافيء يتحدى شتاء الإسكندرية، أشرقت معه شمس الثغر الباسمة، في رحاب النادي السوري بمحطة الرمل، استضاف نادي روتاري الإسكندرية، برئاسة الدكتورة نيرمين طوسون، الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم حجازي، للحديث حول مذكرات حرب أكتوبر التي كتبها الفريق سعد الدين الشاذلي، ومناقشة كتابه، من خلال نادي الكتاب بالروتاري، بحضور نخبة كبيرة من أعضاء الروتاري، والمثقفين والسياسيين. كان الحديث ذا شجون، استرجع معه الضيف الكبير، ذكريات الحرب، وسنوات استنزاف العدو، والبطولات المهيبة التي لا تكفيها مجلدات بكاملها، وبدأت الدكتورة نيرمين طوسون، كلمتها بالترحيب بالكاتب الصحفي الكبير، الذي شارك في حرب أكتوبر على مدار "6" سنوات كمجند بالقوات المسلحة الباسلة، واستطاع من خلال معايشته لأجواء القتال أن يرصد أدق التفاصيل في مئات من المقالات الصحفية والتقارير التي وثقت لجانب مهم في تاريخ مصر المعاصر. كما أعرب الدكتور محمد رفيق خليل، رئيس نادي الكتاب بالروتاري، عن فخره واعتزازه بالقيمة الوطنية للضيف، بالإضافة لكون "حجازي" أحد أهم أعمدة الصحافة الرياضية الواعية، مما يضع على عاتقه مسؤولية توعية الأجيال الجديدة، التي لم تعاصر فترة الحرب المجيدة، وتحتاج عيوناً وأقلاماً واسعة الإطلاع والمعرفة، لتضع أمامها الحقائق في مواجهة الأكاذيب والافتراءات التي تبثها الجهات المعادية من الخارج، في محاولات يائسة لتشويه أمجاد الوطن. وفي كلمته، ناقش ابراهيم حجازي جوانب من مذكرات الفريق الشاذلي، وعدد من كواليس وأسرار الحرب التي ظلت حبيسة صدور المقاتلين، مؤكداً أن هناك آلاف من المذكرات التي ترصد وقائع السنوات الست، موجهاً التحية للمنبر التنويري بالإسكندرية، الروتاري، الذي يضطلع بدور حيوي في توعية الأجيال الجديدة بعظمة تاريخ بلادهم، في مواجهة المعركة الشرسة التي تحاول "تجريف الرموز الوطنية"، لتشويش عقول الشباب، والتعتيم على الأمجاد الحقيقية التي ينبغي أن نفخر بها. وحذر "حجازي"، من أكاذيب العدو الذي يحاول تزييف التاريخ في عدد من وسائل الإعلام الغربية، في محاولة يائسة لصنع تاريخ يشوه بطولات القوات المسلحة المصرية وينال من عظمتها التي لا ينكرها عاقل، لدرجة تطاولهم إلى حد الزعم بأن مصر لم تنتصر في حرب أكتوبر، رغم دحر قوات العدو وإجبارهم على الانسحاب من كل شبر في أرض سيناء الغالية، ومن المعروف أن قوات الاحتلال لم تتراجع عن شبر واحد احتلته في الأراضي العربية منذ عام 48 وحتى الآن، ورغم تلك الحقيقة الواضحة كالشمس، مازالت هناك محاولات مستميتة لتشويه التاريخ. ووصف الكاتب الكبير، فيلم "الممر"، بأنه نقطة فوق حرف، في كلمة، في سطر، من فقرة، في مجلد ضخم من سجل حافل بالبطولات العظيمة، ولكنه محاولة محترمة لاستعادة الوعي، مما أحدث حالة من استنهاض الهمة الوطنية، وتوعية الأجيال الجديدة بقيمة النصر، واستعادة الأرض، وأمجاد الوطن، خاصة من الشباب صغير السن الذي لم يعاصر فترة الحرب، وربما لم يسمع عنها إلا قليلاً. واستعرض "حجازي"، جوانب من مذكرات "الشاذلي"، وتفاصيل عن معارك رأس العش، وكبريت، وخطة الخداع الاستراتيجي العبقرية لتي وضعها الرئيس الراحل أنور السادات، وفترة الإعداد للجيش خلال فترة الاستنزاف، والتي مهدت للحظة اقتحام خط بارليف، الذي حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والساتر الترابي الذي انهار بفضل التخطيط السليم لقواتنا الأبطال، وقبل ذلك كله، العقيدة القتالية التي يؤمن بها جنودنا البواسل، ومواجهة الموت دون مهابة أو وجل، في سبيل تحرير أرض الوطن من أيدي المحتل. وعقد مقارنة ب"لغة الأرقام"، تكشف مدى تفاعل الشعب مع جيشه خلال فترة الحرب، ضارباً المثال بأعداد قوات الجيش قبيل "67"، والذي لم يكن يتعد "100" ألف جندي، ليتضاعف حتى نصر أكتوبر، حتى وصل إلى مليون، و"300" ألف مقاتل، على استعداد تام للتضحية وللاستشهاد في سبيل الدفاع عن الوطن، مما يدل على عظمة المصريين، ووعيهم بأهمية جيشهم العظيم الذي يدفع حياته ثمناً لاستعادة كل شبر من أرض الوطن، مشدداً على وجود مئات، بل آلاف من القصص البطولية الملحمية التي ضرب بها جنودنا البواسل أروع الأمثلة القتالية والخطط العبقرية التي ما زالت تدرس في المعاهد العسكرية المرموقة في العالم. واختتم الكاتب الصحفي الكبير كلمته بتوجيه نداء للدولة بضرورة استعادة دورها في رفع الوعي الوطني بدعم سينما حقيقية ترصد بطولات ملاحم حرب أكتوبر، وتنمية وتشجيع مواهب الشباب والنشء رياضياً وثقافياً، خاصة بعد تحقيق بطولات عالمية في العديد من الألعاب، والتي كان تحقيقها ب"لغة الأرقام" شبه مستحيل، كما طالب المجتمع المدني بضرورة القيام بدوره في احتضان الشباب وعرض مشاكبهم، ومناقشة أفكارهم حتى لا يقعوا فريسة للأفكار الشاذة عن قيم المجتمع، في إشارة واضحة إلى خطورة الحرب على الإرهاب الدائرة حالياً، والتي تعد هي الأشرس في تاريخ الوطن، لكونها تستهدف عقول الأجيال الجديدة، من خلال "عدو خفي" لا يمكن رصده بأعتى المعدات الحربية.