لم تكن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى معالجة قضية الطلاق ومخاطرها وتداعياتها من فراغ وإنما جاءت انطلاقا من حرصه الشديد على حماية الاسرة والمجتمع من التفكك والانهيار، فإذا كان الطلاق حق مشروع كفله الدين الاسلامى، إلا أن استخدامه من جانب طرفى العلاقة الزوجية يجب ان يكون استخداما صحيحا شأنه شأن استخدام كافة الحقوق الاخرى دون تفريط او افراط. ولكن ما واجهه المجتمع المصرى عن مدار السنوات الماضية من تزايد فى معدلات الطلاق خاصة فى السنوات الاولى للزواج كما رصد ذلك الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، حيث ارتفعت معدلات الطلاق خلال العام الماضي 2018 بنسبة 6.7% بنحو 211 ألف حالة، وهو ما تطلب وقفة جادة لبحث المشكلة من كافة جوانبها، وقد قام مركز الحوار بالتعاون مع العديد من مؤسسات الدولة واجهزتها ومنظمات المجتمع المدنى بتنظيم مؤتمرين عن الطلاق صدرت عنهما مقترحات وتوصيات عملية تم تقديمها إلى الجهات المختصة. مناسبة هذا الكلام ما نشرته هيئة الرقابة المالية عن عزمها إصدار وثيقة تأمين ضد مخاطر الطلاق، والتي من المتوقع أن تتراوح قيمتها بين 10 و20 ألف جنيه، وهذه الوثيقة عبارة عن مبلغ مالي يسدده الزوج على قسطين، الأول عند إتمام إجراءات الجواز والقسط الثاني عند حدوث الطلاق، ويتم سداد المبلغ كامل للمطلقة، ويحدد وفقًا لكل حالة يتم الاتفاق عليها قبل الزواج. والحقيقة أن فكرة اصدار مثل هذه الوثيقة تنبع من رؤية الهيئة وغيرها من المؤسسات لمواجهة ما تعاني منه المطلقات من تباطؤ الإجراءات الخاصة بالحصول على النفقة، خاصة إذا كان لديها اطفال يحتاجون إلى مصروفات يومية؛ دراسية وعلاجية ومعيشية، فى حين يماطل الزوج فى دفع مثل هذه المستحقات، مع ملاحظة أن هذه الوثيقة التأمينية ليست بديلة عن حق النفقات والالتزامات الاخرى المكفولة قانونا والذى يتولى بنك ناصر الاجتماعى تسديدها فى حالة مماطلة الزوج ثم يعود بالحق عليه. ما أود التأكيد عليه هو ان قضية الطلاق بتداعياتها الاجتماعية والمالية تظل قضية مجتمعية تحتاج إلى تكاتف جميع جهود اجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع، نظرا لان مخاطر انتشارها لا تتوقف على الجوانب المالية والاعباء المعيشية وإن كانت هذه الامور مهمة، ولكن تداعياتها الاجتماعية والنفسية على جميع افراد الاسرة (الزوج والزوجة والاولاد والاهل) تظل أكثر كلفة، بما يستوجب معالجة جادة وحقيقية تبدأ من مرحلة ما قبل الزواج من خلال الدور الذى تلعبه مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الاسرة- المدرسة – المؤسسة الدينية – الاعلام – المؤسسات الثقافية...) مرورا بمواجهة المشكلات الاسرية التى تكون فى البداية بسيطة ولأسباب تافهة ولكن عدم معالجتها يجعلها متراكمة ومشعبة، وصولا إلى مرحلة الطلاق وما بعدها، حيث تتطلب هذه المرحلة كذلك معالجة أسرية ومجتمعية بعيدا عن المحاكم كما كان الامر فى السابق حفاظا على كيانات الاسر واواصر المودة والرحمة بينهم وكذلك حفاظا على حقوق الاطفال ما بعد الطلاق.