تظل الانتخابات المصرية حدثا فريدا ليس في تاريخ مصر فحسب بل في تاريخ المنطقة العربية فلأول مرة في تاريخ مصر والعرب الحديث تجري انتخابات رئاسية دون أن يكون الجميع علي معرفة تامة ويقينية بنتائجها سلفا .. قد تمحو هذه الانتخابات إذا قدر لها النجاح ما ترسخ في الذهن من صورة الانتخابات الرئاسية العربية في دولة مابعد الاستقلال حيث يفوز الرئيس الأوحد والزعيم تظل الانتخابات المصرية حدثا فريدا ليس في تاريخ مصر فحسب بل في تاريخ المنطقة العربية فلأول مرة في تاريخ مصر والعرب الحديث تجري انتخابات رئاسية دون أن يكون الجميع علي معرفة تامة ويقينية بنتائجها سلفا .. قد تمحو هذه الانتخابات إذا قدر لها النجاح ما ترسخ في الذهن من صورة الانتخابات الرئاسية العربية في دولة مابعد الاستقلال حيث يفوز الرئيس الأوحد والزعيم الأعظم بنسبة 99%بالتخويف أو التزوير أوكليهما معا...ورغم الانتقادات التي وجهت إلي الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة المصرية والتي كانت أبرز نتائجها أن وجد الشعب المصري نفسه مخيرا بين إعادة إنتاج النظام القديم عبر صناديق الاقتراع وبين اختيار تنظيم سياسي ذي صبغة دينية لم يرغب أن تصبغ بها مؤسسته الرئاسية علي الأقل في الوقت الراهن وهو يعيد بناء نظامه السياسي ...تظل الانتخابات الرئاسية المصرية حدثا تاريخيا وأحد إنجازات ثورات الربيع العربي... ونظرا لثقل مصر الإقليمي والدولي .. ولأهمية الرئيس القادم وخلفيته السياسية رصد الغرب والعالم العربي الظاهرة بشغف شديد فوصفت صحيفة 'الجارديان' البريطانية جولة الإعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق بأنها تعني الاختيار بين 'الإخوان المسلمين والسلطوية العلمانية' التي مثلها نظام مبارك. أما مجلة 'فورين بوليسي' فقد نشرت مقالا لديفيد كينر رأي فيه 'أن مرسي يمثل كارثة لإسرائيل وأمريكا.. وأن المرشح الوحيد الذي لن يغير تحالفات مبارك الدولية هو أحمد شفيق'. وكتب' إليوت أبرامز' المعروف بعدائه للعرب والمسلمين وتابع لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني في 'ويكلي ستاندرد' أنه يفضل وصول محمد مرسي للرئاسة حتي تكتمل سيطرة الإخوان في مصر، فيفشلون في حكم البلاد وتتم بعدها الإطاحة بهم بالكامل، بما يخدم كلاً من أميركا وإسرائيل وقد أشاد وفد الكونغرس الأميركي بعد ختام جولته في مراقبة الانتخابات المصرية بعد الجولة الأولي بنزاهة الانتخابات وبقدرة المصريين علي التحول إلي الديمقراطية وأعلنوا أن واشنطن ستتعامل مع أي رئيس يأتي به الناخبون وقدأعربت جان هيومان السيناتور الأمريكية السابقة: 'إنها تشعر بالفخر الشديد من مصر والدور الكبير الذي قام به شعبها في الانتقال بهذا البلد إلي الديمقراطية الحقيقية'. وأضافت أنها تأمل أن تضع مصر نموذجا للتغيير في هذا المكان من العالم وفي كل أنحاء العالم.. وقالت إن الاستيقاظ العربي ما زال عملية قائمة. ومصر من أوائل الدول التي سيظهر فيها إذا كان ما يحدث هو ربيع عربي أم لا. من جانبه، أشار السيناتور ديفيد دراير إلي أن 'الديمقراطية صعبة وليست بالسهلة لكن ينبغي أن تكون من خلال كفاح لتحقيقها'. وقد انقسم الباحثون الأمريكيون حول تقييمهم للانتخابات الرئاسية المصرية وموقف الإدارة الأمريكية تجاه الرئيس الجديد فبينما رأي فريق بوجوب التعامل مع الرئيس القادم بصرف النظر عن توجهه السياسي ومن ثم إمكانية التعامل مع الإسلاميين في حالة نجاح مرشح الإخوان محمد مرسي رأي فريق آخر وهو الفريق التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، الذراع البحثي للوبي الصهيوني في أمريكا'إيباك' أن وصول الإسلاميين إلي السلطة كارثة لأمريكا وإسرائيل وتهديد للمصالح الحيوية للطرفين فضلا لإعاقته لمسار التحول الديمقراطي في مصر .. و تري مارينا أوتاوي الباحثة بمركز كارينجي أن نتيجة الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية المصرية أسوأ نتيجة ممكنة فهي تمثّل مقدّمة إلي مواجهة مباشرة بين النظام السابق وجماعة الإخوان المسلمين. وتضيف أن الأمر لن يتوقف علي نتائج الجولة الثانية التي ستجري يومي 16و17 يونية من الشهر الجاري بل إن هناك صراعا سوف يمتد أيضاً إلي الدستور الجديد، وإلي قرار المحكمة الدستورية العليا حول دستورية قانون انتخاب البرلمان، وإلي المزيد من التظاهرات الجماهيرية ومعارك الشوارع التي من المرجّح جداً أن تؤدّي إلي العنف. في أحد جانبي المعركة سيكون الجيش ومؤسّسات الدولة بما فيها القضاء، حيث مازال بعض القضاة موالين للنظام السابق ، ورجال الأعمال، والمصريون العاديون الذين يريدون استعادة النظام. وفي الجانب الآخر سيكون الإخوان المسلمون ومعظم الإسلاميين والمصريون الذين انتفضوا في يناير 2011 ولايريدون أن يروا عودة النظام الذي ظنوا أنهم قد هزموه في الوسط سوف يقف بقلق وخوف أكثر من 50 في المئة من المصريين الذين لم يصوّتوا لمرسي أو شفيق، ولكن لثلاثة مرشّحين يمثّلون البديل وتري أنه ليس لدي الأحزاب الإسلامية، مع أنها نجحت في الانتخابات، أسلحة مؤسّسية أو قانونية في هذه المعركة البرلمانية غير العادية حيث إن جميع المؤسسات باستثناء البرلمان لاتزال تخضع إلي سيطرة النظام السابق. وإذا ما فازَ أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية، وتبيّن للمحكمة أن البرلمان انتخب بشكل غير دستوري، فسيكون الإسلاميون قد خسروا المعركة. والسؤال هو ما إذا كانوا سيتقبّلون الهزيمة ويعيدون تنظيم صفوفهم للقتال مرة أخري في حدود العملية الانتخابية، كما فعل الإسلاميون في تركيا، أم سيشجّعون أنصارهم علي النزول إلي الشوارع. ربما يتوقّف الجواب علي ما ستقرّر فعله نسبة 50 في المئة من المصريين الذين لم يريدوا أن يكون الإخوان المسلمون أو أحد أفراد النظام السابق رئيساً. وتستطرد أوتاي أن الأشهر المقبلة ستكون صعبة للغاية في مصر، وعدم الاستقرار السياسي سيؤدّي إلي تفاقم المشكلات الاقتصادية إذ إن الكثير يعتمد علي نتائج الانتخابات الرئاسية، والدعوي القضائية ضد البرلمان، وصياغة الدستور. في المدي القصير، هذه المعارك هي التي ستحدّد الفائزين، والنظام القديم يبدو أفضل استعداداً، بسيطرته علي المؤسسات وقوات الأمن.. في المدي البعيد، النتيجة أقل قابليّة للتنبؤ بها، لأن الغالبية العظمي من المصريين رفضت المرشّح الإسلامي ومرشّح النظام السابق. وتشير أوتاوي إلي أن الأمر يجب أن تضعه إدارة أوباما والكونغرس في اعتبارهما في الأشهر المقبلة عندما يصلان إلي الاختيار الصعب حول كيفية الردّ علي الأزمة في مصر. وأياً كان مَن يفوز في المدي القصير، لن يحظي بالدعم الحقيقي سوي من أقليّة، وفي أحسن الأحوال بالقبول علي مضض من شريحة أخري من السكان. نتائج هذه المعارك الاستثنائية، علي غرار نتيجة معركة إطاحة الرئيس حسني مبارك، لن تكون نهائية، بل جزء من حرب طويلة. ولن يكون من الحكمة بالنسبة إلي الولاياتالمتحدة أن تتّخذ موقفاً أو تنحاز الآن. ويري جوناثان برودر الباحث الأمريكي المهتم بمسار التحول الديمقراطي في المنطقة العربية أنه علي الغرب أن يعتاد علي وجود الإسلام السياسي كقوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط. ويشير إلي أن الديمقراطية في مصر تدفع البلاد نحو شكل من أشكال الحكم الإسلامي، علي الرغم من أن ملامحه لا تزال غامضة. والاختبار الحقيقي في مصر يدور حول معركة الدستور وهل سيتم نقل البلاد من حكم الحزب الواحد إلي حكم القانون؟ وهل سيضمن الدستور حماية حقوق الأقليات؟ وكيف سيتصرف الحزب الحاكم في البلاد في الانتخابات التالية؟ وهل سيسلم السلطة سلميا، إذا خسر في تلك الانتخابات؟. ويختم برودر دراسته بالقول إنه بعد عقود من الركود السياسي، فإن الثورات في الشرق الأوسط هي مجرد بداية فقط,. فبناء أي نظام سياسي جديد وتطوره قد يستغرق سنوات، أو حتي عقودا أما اتجاه مركز دراسات الشرق الأدني فيري أحد باحثيه 'إريك تراجر' وهو متخصص في دراسة أحزاب المعارضة المصرية، أن وصول رئيس ينتمي إلي جماعة الإخوان إلي سدة الرئاسة في مصر يفرض تحديات جمة، يتمثل أهمها في صعوبة التحول نحو الديمقراطية لما تحمله الجماعة من أفكار متشددة لا تتلاءم مع الديمقراطية بمفهومها الغربي، وكذا التهديد بتغيير سياسة مصر الخارجية، خاصة تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. وطرح 'أريك' عددا من الخيارات للسياسة الأمريكية للخروج من هذه المعضلة، يتمثل أهمها في ربط عدم التدخل الأمريكي في الشئون المصرية الداخلية بعدم تدخل جماعة الإخوان المسلمين في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي. وبالرغم من الاعتقاد السائد بأن الإخوان لن تدخل في حرب مع إسرائيل، فإنها ستساند حماس معنويا وماديا وهذا سيخلق عداء شديدا مع تل أبيب إضافة إلي تقديم الحكومة الأمريكية الدعم للقوي الليبرالية، وتدعيم جهود التحالف بين القوي الليبرالية لمواجهة تنامي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، والعمل علي تقليل احتمالية خضوع الأحزاب المصرية لسيطرة الجماعة ، علاوة إلي دعوته الإدارة الأمريكية لتقدم أفكارا ليبرالية للشعب المصري غير المثقف، وتعليمه أهمية التعايش مع الآخر، وبالرغم من اختلاف الفريقين في كيفية التعامل مع الرئيس الجديد إلا أنهما يتفقان علي أن الولاياتالمتحدة ليس لديها أي خيار سوي التعامل مع الحكومة المقبلة، أيا كان نوعها أو شكلها، مع سعي واشنطن في الوقت ذاته لجعل المشهد السياسي الداخلي في مصر أكثر تنافسية. وفيما يتعلق بالموقف العربي من الانتخابات الرئاسية فقد أشادت الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي مثل تونس وليبيا واليمن بالإنتخابات المصرية أما بالنسبة للدول الخليجية فعلي الرغم من وصف بعض صحفهم الانتخابات الرئاسية المصرية بأنها عرس عربي وأنهم في انتظار عودة مصر قريبا للعب دور الدولة القائد في النظام الإقليمي وعودة التوازن إليه لدرجة دعوة أحد الكتاب علي موقع إلكتروني إلي وقوف الخليجيين في طوابير الانتخابات المصرية للتعلم من التجربة الديمقراطية المصرية إلا أن الموقف الرسمي يبدو غير ذلك فقد نشرت إحدي الصحف الإيرانية خبرا مفاده إقامة مركز في الدوحة يضم فريقا استخباراتيًا من الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودولة خليجية كبري بالإضافة إلي قطر وذلك لدعم النظام السابق في الانتخابات الرئاسية بالإضافة إلي أخبار أخري منها ما تم نفيه وبعضها يدور معظمها حول دعم الدول الخليجية لقوي النظام السابق وإن بدت في الظاهر أنها لاتعادي القوي الثورية..فالمبدأالعام أنه إذا خيرت دول المجلس بين الثورة في أي بلد عربي وما يتبعها من انتخابات لإنتاج نظام سياسي جديد وبين عدم الثورة، فإنها لا محالة تفضل الخيار الأخير، وترفض الإطاحة بأي نظام عربي عبر فعل ثوري، مهما يكن من طبيعة النظام الحاكم في هذا البلد، وحتي لو كانت تعاديه. ويري مراقبون أن الدول الخليجية سعت إلي تجنيب نفسها أثر ثورات الربيع العربي من خلال الاستفادة من جوانب الفشل التي وقعت فيه الأنظمة التي أطاحت بها الثورات، عبر تطوير ردود فعل سريعة وجريئة، من خلال سلسلة مبادرات في الداخل تزلزل العقول والقلوب. ومن ناحية أخري، سعت إلي استثمار مشاهد القلق الداخلية بدول الثورات في ترسيخ القناعة ضد الثورة لدي مواطنيها، تمكن من إفساح مساحة من التفكير للمواطن الخليجي في مشاهد الاضطراب الداخلية التي لا يتصور حجمها في دول المجلس وفي الوقت نفسه، عملت علي دعم النظام الجديد الذي أفرزته الثورات، بهدف مسح موقفها المساند للنظام السابق، وبناء جسور مع الواقع الجديد. يخطئ من يظن أن الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية هي نهاية مطاف الثورة فالخراب والدمار الذي خلفته الأنظمة الاستبدادية السابقة يحتاج إلي سنوات طويلة لكنسه وهومالم يتم البدأ فيه بعد ولكنها الخطوة الأولي في مأسسة النظام السياسي الجديد...قد تنتكس العملية الانتخابية ...وقد تلتف الفلول بدعم إقليمي وغربي علي نتائجها لإعادة إنتاج النظام القديم ولكن علمنا التاريخ أن قطار الثورات لايعود إلي الوراء مهما طال زمن التخلص من القوي الاستبدادية التي حكمت مصر وجرفتها لفترة طويلة... فعندما سئل كاتب فرنسي عن نتائج الثورة الفرنسية بعد قيامها بمائتي عام قال إنه من السابق لأوانه التحدث عن النتائج الآن ..لاشك أن المصريين لن يفرطوا في حقهم في اختيار من يحكمهم بإرادتهم الحرة وأن عدوي هذه التجربة سوف تنتقل إلي باقي الدول العربية رغم الحرب الطاحنة لإجهاض التجربة.