منذ سنوات بعيدة ترقب السكندريون - فى عهد المستشار اسماعيل الجوسقى - افتتاح أكبر متنزه ترفيهى فى ذلك الوقت والمسمى بالحديقة الدولية ، تلك الارض الشاسعة البالغة مساحتها حوالى 135 فدان (التى كانت مقلبا عموميا لقمامة المدينة ، تندلع به الحرائق يوميا بسبب ظاهرة الاشتعال الذاتى للقمامة وتصبغ مدخل وسماء الاسكندرية بلون دخانى قاتم وتخنقها بسحب من الروائح الكريهة تستقبل القادمين إليها !!) وقد سميت بهذا الاسم - الدولية - بسبب تحمس ومساهمة قناصل الدول فى انشائها (خاصة اليابان والصين وايطاليا) حيث حمل كل جزء منها طابعا مميزا لإحدى الدول . ويتذكر الكثيرون ما قامت به الشركة المنفذة وقتئذ بوضع لافتة عملاقة تحمل عدادا تنازليا للفترة المتبقية على الافتتاح راقبه شعب الاسكندرية وزوارها بشغف ، حتى تم بالفعل افتتاح المرحلة الاولى عام 1990م ، وبعدها جاءت الثانية والثالثة ، واستمرت الحديقة الدولية متنفسا لأهالي الثغر بمتنزهاتها الخضراء والمسرح والملاهي المقامة بها ، حتى عام 1998 تقريبا حينما قررت محافظة الاسكندرية منح حق الانتفاع (20سنة) لشركة استثمارية تتولى إدارة الحديقة الدولية وتطويرها مقابل 450 ألف جنيه سنويا ، وللأسف لم تلتزم الشركة ببنود التعاقد ، وقامت باستغلال الأرض لإقامة مشروعات تجارية متنوعة من خلال بيعها أو تأجيرها من الباطن لآخرين بمبالغ خيالية ، وحينما علمت محافظة الاسكندرية بهذه المخالفات قررت فسخ التعاقد مع الشركة صاحبة حق الانتفاع وكان هذا في عام 2004م ، وبعدها حصلت المحافظة على حكم قضائي يفيد بأحقيتها في التعامل المباشر مع (المستأجرين من الباطن) وتحرير عقود جديدة بدلا من العقود المحررة بواسطة الشركة المخالفة ، ولكن هذا - للأسف - لم ينفذ !! ربما تدخل أصحاب النفوذ والسلطة ورؤوس الأموال لعرقلة هذا الأمر حفاظا على مصالحهم وأرباحهم ، ربما تقاعس وتكاسل مسئولو المحافظة فى ذلك الوقت اهمالا أو تعمدا !! لكن المؤكد أن هذا قد أدى إلى خسارة مليارات من الجنيهات كان من الممكن ان تدخل خزينة الدولة !! واستمر الوضع على ما هو عليه ، وتوالى المحافظون على عروس البحر ، منهم من واجه بضراوة نفوذ رجال الأعمال في محاولة لاستعادة حق الدولة المسلوب ، وأخر حاول على استحياء حل المشكلة ، وثالث تجاهلها تماما كأنها على أرض اخرى لا تتبع الاسكندرية !! وظلت الأزمة مشتعلة حتى فجرت محافظة الاسكندرية مفاجأة مدوية منذ أيام قليلة ، ألا وهى ابرام بروتوكول تعاون (لمدة 15 عام) مع المنطقة الشمالية العسكرية تفوض المحافظة من خلاله المنطقة الشمالية لتولى إدارة وتطوير منطقة الحديقة الدولية بكل ما يستلزمه ذلك من إدارة وتطوير وإعادة تخطيط وتجميل وتشغيل واستثمار وتعاقدات وتأمين وحراسة ..الخ لضمان حسن استغلالها بما يعود بالنفع على المواطن ، مع التأكيد على تحصيل المتأخرات وتوريدها لخزينة المحافظة . وقد تم الاعلان عن هذا التعاون من خلال عقد اجتماع موسع دعا إليه السيد لواء اركان حرب/ قائد المنطقة الشمالية ، وحضره محافظ الاسكندرية ، مدير الأمن ، مدير قطاع الأمن الوطنى ، رئيس هيئة الرقابة الادارية وغيرهم من ممثلى المحافظة والهيئة الهندسية بالمنطقة الشمالية مع مجموعة مستثمرى الحديقة الدولية ، حيث أكد قائد المنطقة الشمالية بأنه لن يسمح بالتفريط في جنية واحد من حق الدولة ، وأشار أن الهدف الأوحد هو الصالح العام ، والتعاون مع المستثمرين سيكون فى حدود القانون ، وفى هذا الاطار تم طرح عدة حلول لتسوية أوضاع المنتفعين فإما أن تدفع المديونيات السابقة مرة واحدة بالكامل أو تقسط على 3 دفعات وذلك قبل تجديد العقود ، وفى حالة رفض سداد المتأخرات سيتم اغلاق المنشأة واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة ضد المستثمر لاخلائها وإعادة طرحها لمستثمرين آخرين بالتنسيق مع المحافظة. وبالرغم من أهمية هذه الخطوة التى تأخرت كثيرا لاستعادة حق الدولة إلا أنه تم اغفال حق المواطن ، حيث لم يتطرق أحد لمشكلة أعضاء النوادى المقامة بنفس المنطقة (أكاسيا - لاجون) ، والتى تنطبق عليها ازمة المديونيات ، ولم يشر أحد إلى مصير هؤلاء الأعضاء الذين تم خداعهم من قبل ادارة كل نادى أثناء التعاقد ، حيث تم ابلاغهم أثناء توقيع عقود العضوية انها تنتهى عام 2018 لعدم امكانية ابرام عقود لمدة أطول من ذلك لالتزام النادى بمدة محددة مع المحافظة ، لكن مع الوعد بامتدادها تلقائيا سواء تم التجديد للمستثمر ، أو انتقال تبعية النادى إلى الشباب والرياضة أو المحافظة بكامل أعضائه ، ولكن كل هذه الوعود تبخرت فى الهواء بحلول هذا العام حيث فوجئ الأعضاء بمطالبتهم بدفع رسوم عضوية جديدة تتعدى ال 35 ألف جنيه (بخلاف طبعا الاشتركات السنوية المقررة) ، والغريب ان ادارة كل نادى لم تنتظر تسوية أوضاعها قبل ان تحاول تحصيل أرباح جديدة وكأنها تسارع بمد يديها داخل جيوب الأعضاء للحصول على المزيد من الأموال بغض النظر عن قانونية ذلك من عدمه !! وسواء تمت التسوية المطلوبة ودفع المتأخرات أو إغلاق النادى او نقل تبعيته لجهة أخرى فليس من المقبول أن يضر مواطن - دفع آلاف الجنيهات كقيمة للعضوية - بسبب مخالفات المستثمرين ملاك النادى ، ولا يعقل أن يترك لهم الحبل على الغارب لاستنزاف ونهب أموال الأعضاء !! ومع السعى لاستعادة حقوق الدولة ينبغى الاهتمام بالحفاظ على حقوق المواطن وحمايته من (توحش) أصحاب رؤوس الأموال الذين تجرأوا على سلب حق الدولة وأغراهم ذلك بالتعدى على حقوق غيرهم من المواطنين ظنا منهم أنهم فوق القانون !! نلتمس من قيادة المنطقة الشمالية العسكرية النظر بعين الاعتبار لتلك المشكلة التى تتعلق بآلاف السكندريين التي اختنقت مدينتهم بالفساد ، ولم يعد فى امكانهم الصبر وتحمل المفسدين أكثر من ذلك ، فلنطهر الاسكندرية ونعيد إليها رونقها وتألقها و(روقان) أهلها .