انجزت الثورة المصرية معظم أهدافها بوسائلها البيضاء .. كانت ثورة سلمية بنسبة 001٪، وحرصت عبر شبابها الوفي لوطنه أن تستمر علي نهجها السلمي .. حيث لم يلجأ شباب الثورة إلي أية محاولة للتخريب أو المساس بالممتلكات العامة .. أو الصدام مع رجال الشرطة .. بل كان الشباب أنفسهم هم الضحايا.. سقط منهم مئات الشهداء .. وآلاف المصابين .. ترملت زوجات .. وفقد أبناء آباءهم .. وفقد آباء أبناءهم .. كان هذا هو الثمن العظيم الذي افتدي به شباب الثورة وطنهم .. وثورتهم .. ولكنهم لم يلجئوا أبدًا لأسلوب العنف .. بل انني أتذكر .. بينما كنت اتجول في شوارع وسط القاهرة ليلة الثامن والعشرين من يناير .. أو ما عرف باسم 'جمعة الغضب' .. اتذكر يومها كانت فترينات المحلات الزجاجية في وسط المتظاهرين .. ولم يقترب منها .. أو يمسسها أحد .. مما دلل علي عظمة هذا الشباب الواعي. وقبل انتصار الثورة .. وحين ترددت أنباء عن سعي بعض العناصر المخربة لاقتحام المتحف المصري .. الكائن بميدان التحرير .. وسرقة آثاره .. سجل شباب الثورة أعظم وقفاتهم البطولية .. يوم تراصوا صفوفًا طويلة خلف بعضهم البعض .. متشابكي الأيدي .. في لغة من التحدي والصمود .. أكدت رفض شباب الثورة لأية محاولة للمساس بحضارة مصر القديمة .. ممثلة في المتحف المصري. لم يكن هذا هو العمل الوحيد الذي يعبر عن فهم وإدراك الشباب المصري الوفي لوطنه ولمصالح أمته .. بل كانت الحياة اليومية لشباب التحرير تجسد هذا النموذج العظيم .. كانت هناك مناطق مخصصة لحفظ الأمانات المفقودة .. وكانت هناك صور من التكافل غير المسبوق بين الشباب .. كانوا يضمدون جروحهم وآلامهم .. يقتسمون لقمة العيش .. ويعالجون المصابين في المستشفيات الميدانية التي أقيمت في كل مكان علي أرض ميدان التحرير. كان شعور بالفخر يطوق عنق كل المصريين .. فثورتهم البيضاء كانت مثار حديث العالم .. وقادته وزعمائه .. وكانت بما حملته من المعاني نموذجًا للثورات البيضاء .. بل كانت أم الثورات. وإلي الغد..