كيف لمصريين أن يدمروا مؤسساتهم؟.. وكيف لوطنيين أن يحرقوا المجمع العلمي الذي يطوي بين دفتيه وثائق وكتبًا تاريخية نادرة؟.. من هؤلاء الذين يضعون العراقيل أمام مسيرة الوطن كلما تقدم خطوة للأمام؟ وكيف لقلة محدودة أن تعكر صفو الأمن في البلاد، وتدفع بالوطن نحو المجهول؟.ليسوا هؤلاء من الثوار.. وليسوا ممن صنعوا ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة.. فالثوار الحقيقيون لا يحرقون مؤسسات بلادهم، ويحافظون علي تراث وطنهم.. الثوار الحقيقيون هم من تصدوا بأجسادهم العارية، واحتشدوا بالآلاف ليحموا المتحف المصري عشية جمعة الغضب في الثامن والعشرين من يناير والأيام التي تلتها.. هؤلاء أدركوا قيمة حضارة وتاريخ بلادهم، ولم ينزلقوا إلي ما ذهب إليه غيرهم، ممن شاهدناهم جهارًا نهارًا، وهم يلقون بكرات اللهب، وعبوات المولوتوف علي مجلسي الشعب والوزراء محاولين إحراقهما، في تصرف همجي يكشف عقليات هؤلاء المتآمرين ومن يحركونهم في الخفاء. شتان بين شباب الثورة الحقيقيين الذين تصدوا بأجسادهم لحماية المتحف المصري، وهؤلاء الذين أحرقوا المجمع العلمي، والذين دمروا جزءًا مهمًا من تاريخ مصر، يضم بين جنباته بعضًا من أمهات الكتب، والمجلدات النادرة، والوثائق غير القابلة للتكرار. الحقيقة الجازمة أن مصر تتعرض لمؤامرة متعددة الأطراف، وتمر بمحنة قاسية، تشارك في تنفيذها أدوات محلية، وخارجية، وتتخذ من ميدان التحرير، والشوارع المجاورة، وبعض المواقع المهمة ساحات حرب لتنفيذ مخططاتها، فعلي مدي فترات متعددة وقعت صدامات غير مبررة من العباسية، إلي ماسبيرو، إلي شارع محمد محمود حتي أحداث مجلس الوزراء الأخيرة. وأحداث تتجسد بالتفاصيل نفسها، والوقائع الدامية ذاتها.. فكلما خطت مصر خطوة إلي الأمام، تكالبت عليها أيادي الغدر لتدفعها خطوات نحو الخلف، ومؤخرًا، وما أن جاء الدكتور كمال الجنزوري، رئيسًا للوزراء، في مهمة انتحارية.. تحملها عن طيب خاطر حتي انطلقت القوي المناهضة تسعي لحصار الرجل، ومنعه من القيام بمهمته، وحين أمسك اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الجديد بزمام الأمن في البلاد، وراح يحقق المعجزة في أيام معدودات، راح من لا يريدون لمصر أمنًا، ولا استقرارًا يفجرون الألغام من تحت قدميه، وحين نجحت مصر في تجربتها الانتخابية، وخرجت جموع المصريين بالملايين تدلي بأصواتها في انتخابات برلمانية نزيهة، انقض سدنة التشكيك علي حيادية ونزاهة العملية الانتخابية، وراحوا يعملون بكل السبل لإفساد فرحة المصريين بالانتخابات الديمقراطية. وهو مخطط متكامل المعالم، رسمت خطواته بدقة، تتشارك فيه وسائل شتي، في القلب منها بعض الأدوات والوسائل الاعلامية، وفي مقدمتها فضائيات التشهير والتحريض علي الفتنة، والتي تركت رسالتها الحقيقية، وراحت تشعل النار في قلب المجتمع. ما يحدث يتطلب وقفة حازمة من كل المصريين لدرء الخطر الحالي، والقادم، فالمتآمرون لن يكفوا عن السعي بكل ما يملكون لتحقيق أهدافهم في التآمر علي مصر، وهو أمر بالغ الخطورة، وهي رسالة لكل ذي عينين أن اتقوا الله في وطنكم يا من تعبثون في قلب الوطن، وتعبثون بأمنه واستقراره.. اتقوا الله في مصركم العزيزة، فهي أغلي من كل كنوز الدنيا.. ولك الله يا مصر.