خلال الاجتماع التاريخي الذي عقده اليوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقصر سيل بمنطقة سان كلو القريبة من باريس مع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني تمكن الرئيس الفرنسي خلال الجلسات المطولة التي بدأت بعد ظهر اليوم بباريس من إحداث التقارب بين الطرفين القويين وممثلي أبرز طرفي النزاع في ليبيا بعد أن سعى الرئيس الفرنسي إلى بذل جهود حثيثة بمساعدة وزير خارجيته جان إيف لودريان وبالتعاون مع دول إقليمية كمصر والإمارات والجزائر وتونس والمغرب وإيطاليا من خلال التشاور والتنسيق مع تلك البلدان. وفي حضور الممثل الخاص الجديد للأمم المتحدة غسان سلامة كوسيط ومبعوث أممي لتقديم كافة الدعم والتوصل لتسوية سياسية تجمع كافة الأطراف الليبية ومن أجل تفويت الفرصة على انتشار الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة التي تأمل في جعل ليبيا مقرا لها بعد تضييق الخناق عليها بالعراق وسوريا ، ومن جهة أخرى وقف تدفق المجاهرين عبر المتوسط إلى أوروبا وإعادة وبناء وتأهيل الجيش الليبي ليعمل تحت إشراف سلطة مدنية ثم العمل على إحداث التفاهم والتقارب وتضييق هوة الخلاف بين حفتر والسراج وإنهاء الاقتتال بين الفصائل التي تهيمن على البلاد منذ سقوط معمر القذافي عام 2011 .
وكانت بعض الصحف الغربية قد نوهت على أن فرنسا قد أطلعت مصر ودول جوار ليبيا والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وإيطاليا على مبادرتها لإنهاء الأزمة والعمل على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ودستور ضمن خطة طريق لحل الأزمة الليبية التي تعاني مزيد من التدهور والاقتتال منذ ست سنوات تعطلت فيها البلاد ودخلت في الفوضى وانتشار الجماعات الإرهابية وتهريب الأسلحة والمهاجرين وانعدام الأمن مما دفع بالرئيس ماكرون الساعي لإيجاد دور سياسي وريادي لفرنسا لحل الأزمة الليبية بعد تراجع الدور الفرنسي في كلا من العراق وسوريا ولهذا تأتي هذه المبادرة متعددة الأهداف ، فمنها ما هو سياسي يتعلق بدور فرنسا في حل الأزمات الدولية ومنها ما هو جغرافي يتعلق بالحفاظ على أمن أوروبا وأمن دول جوار ليبيا ، ثم الهدف الاقتصادي الذي تسعى فيه فرنسا لحفظ قدم لها من كعكة المخزون الكبير للنفط واستباق الدول التي تسعى للاستثمار في ليبيا ، والعمل على تطبيع العلاقات في هذا البلد بعد ما أفسده الرئيس الأسبق ساركوزي مهندس شن الحملة العسكرية الغربية على ليبيا .
ورغم أن المحللون والسياسيون بكبرى دول العالم وأصحاب الرأي بالمنطقة وليبيا لم يعولوا كثير على تلك المبادرة إلا أن النتائج جاءت مبهرة من خلال العملية الدبلوماسية التي قامت بها فرنسا اليوم والتي هدفت لإحياء الديناميكية لحل الأزمة الليبية وإحداث التقارب في نقاط الخلاف بين المشير حفتر و فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني وهو ما تم إنجازه اليوم من خلال ما صدر عن البيان الختامي لتلك المبادرة ، فما هي أهم تلك النقاط التي حققتها فرنسا في هذا الاجتماع التاريخي :-
أشار البيان إلى التزام كلا من حفتر والسراج وفي حضور الرئيس الفرنسي والمبعوث الأممي غسان سلامة على وقف فوري لإطلاق النار مع دعم القوات المسلحة ومساندتها في مكافحة الإرهاب وضمان سلامة الأراضي الليبية والتعهد ببناء دولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة وتضمن الفصل بين السلطات وضمان التداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان .
كما أعلنت الرئاسة الفرنسية وأكدت على دعم مسار المصالحة في ليبيا بمباركة إقليمية ودولية والحرب ضد الجماعات الإرهابية ، والعمل على تحقيق السلام والمصالحة الوطنية بعد نجاح فرنسا اليوم في تحقيق المصالحة الوطنية بين الزعيمين الليبيين اللذين أكدا التزامها بوقف إطلاق النار وإجراء انتخابات بأسرع ما يمكن .
وخلال البيان المشترك أكدا الطرفان الليبيان على طلب الدعم من مجلس الأمن الدولي لرعاية وتنفيذ هذا البيان وكذلك من الممثل الخاص للأمم المتحدة والقيام بالمشاورات اللازمة بين مختلف الأطراف الليبية ، في الوقت الذي أكدت فيه فرنسا على العمل على مساندتها بقوة لبلورة حل سياسي ومساعدة الليبيين على ترسيخ اتفاق الصخيرات وإتاحة الفرصة لجميع الجبهات المقاتلة المخلصة والمحبة للسلام المشاركة في الحل السياسي والعمل على إدماج المقاتلين الراغبين للانضمام للقوات النظامية ونزع السلاح وإدماج المقاتلين في الحياة المدنية العامة وصولا إلى إعادة الأمن واستقرار المؤسسات الليبية وضمان أمن المنطقة والعالم .