فى الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التى جرت بفرنسا الأحد الماضى تمكن حزب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون «الجمهورية إلى الأمام» من تحقيق الأغلبية فى مجلس النواب الفرنسى بحصوله على 32% من أصوات الناخبين أى ما يوازى 70% من أعضاء البرلمان وإحداث انقلاب فعلى فى الحياة السياسية وإزاحة الأحزاب السياسية التقليدية بيمينها ويسارها عن المشهد السياسى الفرنسى بعد أن حكمت فرنسا لعقود. وخلال الجولة الثانية من الانتخابات يأمل حزب الجمهورية إلى الأمام قدما الحصول على الأغلبية المطلقة بمجلس النواب ليتمكن الرئيس ماكرون من تنفيذ مشاريع الحكومة وإحداث التغيير المطلوب دون عراقيل، وتشير آخر استطلاعات للرأى حول نتائج الجولة الثانية من إمكانية حصول حزب الجمهورية إلى الأمام على 440 مقعدا من إجمالى مقاعد البرلمان البالغ عددها 577 مقعد وتحقيق الأغلبية، مقابل حصول الحزب الجمهورى وحزب يمين الوسط على 80 مقعدا ليحل ثانيًا، وحصول الحزب اليسارى الذى يعتبر أكبر الخاسرين على 40 مقعدا، وحزب الجبهة الوطنية برئاسة جان مارين لوبين على ما لا يزيد على الخمسة مقاعد، وحزب فرنسا المتمردة اليسارى الذى يرأسه جان لوك ميلينشون على 10 مقاعد، وفى حالة تأكد هذه النتائج يكون حزب الرئيس ماكرون الجمهورية إلى الأمام قدما قد أزاح الأحزاب التقليدية بقاداتها الكبار عن المشهد السياسى الفرنسى بعد تراجعها فى الجولة الأولى من الانتخابات التى لم تزد نسبة المشاركة فيها عن ال50% وبالتالى امتناع نصف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، الأمر الذى دعا رؤساء الأحزاب التقليدية الفرنسيين للخروج للتصويت فى الجولة الثانية للحد بشكل رمزى من الخسارة التى منيت بها تلك الأحزاب فى الدورة الأولى رغبة منها فى الحصول على أكبر قدر من المقاعد البرلمانية حتى لا يتحول البرلمان الفرنسى مع غياب المعارضة الفعلية لمجرد ديكور يسعى من خلاله الرئيس ماكرون تمرير ما يريد تمريره من قرارات ومشاريع لتنفيذ وعوده الانتخابية وإحداث التغيير المطلوب. وبهذه النتائج المدوية يكون الفرنسيون قد أعطوا الرئيس ماكرون التفويض المطلوب لإحداث التغيير بعد يأسهم من الأحزاب التقليدية الفرنسية التى لم تتمكن خلال عقود من تحقيق المرجو منها للناخب الفرنسى، مما يدل على روح المغامرة لدى الفرنسيين الذين تمكنوا بتلك النتائج من إزاحة الطبقة السياسية الحاكمة دفعة واحدة بداية من رأس الهرم ووصولًا إلى البرلمان رغبة منهم فى إحداث التجديد وتطلعا إلى تحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى شهدت جمودا وتراجعا خلال السنوات السابقة، مما يطرح تساؤلات هامة حول مصير الأحزاب التقليدية بفرنسا وإمكانية رجوعها إلى الحياة السياسية الفرنسية مرة أخرى، ومن جهة أخرى حول إمكانية تلك التجربة الفرنسية للحركة الشابة «إلى الأمام قدمًا» الانتقال من فرنسا إلى بلدان أوربية أخرى وفتح آفاق التغيير السياسى داخلها وبالتالى إزاحة الأحزاب التقليدية بها والدخول فى مرحلة فارقة من شأنها تغيير المشهد السياسى الأوربى برمته.