«الإنسانية كالجيوش فى المعركة , تقدمها مرتبط بسرعة أبطأ أفرادها»، هكذا وصف الروائى الكولومبى الشهير جابرييل جارثيا ماركيز حال الإنسانية فى روايته «الحب فى زمن الكوليرا» وهو الإسقاط الأكثر تعبيرًا عن حال اليمن حاليا بعد انتشار وباء الكوليرا فيها، حيث أعلنت منظمة اليونيسيف ارتفاع حالات الوفيات بمرض الكوليرا فى اليمن إلى 532 حالة، كما ارتفعت الإصابات إلى 52 ألفًا فى 18 محافظة يمنية أغلبها فى محافظات إب وحجة وعمران ثم انتشر مؤخرًا فى شبوة وصعدة كما سجل فى العاصمة صنعاء وحدها أكثر من 6200 حالة إصابة. وقالت المنظمة فى حسابها على «تويتر»: إنه حتى الآن تم الإبلاغ عن أكثر من 65 ألفًا و 300 حالة يشتبه فى إصابتها بالكوليرا فى 253 مديرية باليمن، وحذرت المنظمة من أن ثلثى السكان فى اليمن يستخدمون مياهًا غير صالحة للشرب، وهو ما فاقم من انتشار المرض. وذكرت المنظمة فى «بيان لها» أن «طائرة مستأجرة تحمل السوائل الوريدية ومجموعات أدوية لمواجهة الكوليرا هبطت بنجاح فى مطار العاصمة صنعاء، وأوضحت أن وزن الأدوية يبلغ 67 طنا، لكن ما يقرب من 7.6 مليون شخص يعيشون فى مناطق متأثرة بمرض الكوليرا، وأكثر من 3 ملايين نازح معرضون لخطر الإصابة بالمرض». وأعلن مدير صندوق الأممالمتحدة للسكان للمنطقة العربية، لؤى شبانة، أن تفشى وباء الكوليرا فى اليمن، يهدد حياة 1.1 مليون من النساء الحوامل المصابات بسوء التغذية، واللواتى يحتجن إلى رعاية فورية وخدمات الصحة الإنجابية وأكد أن النزاع الذى يعصف باليمن أدى إلى تدهور النظام الصحى بشكل كبير وإعاقة وصول الأشخاص إلى الخدمات الطبية، ذلك مع تعطل وإغلاق معظم المرافق الصحية، حيث تعمل حاليًا 35% من مرافق الصحة الإنجابية فقط فى اليمن. ونظرًا للارتباط الشديد بين الكوليرا وتلوث المياه بشكل خاص فقد أرسلت منظمة اليونسيف وفدًا لتفقد منشآت معالجة المياه فى صنعاء لفحصها وتقديم المساعدة الفنية بعد إغلاق عشرات من محطات الشرب، والاشتباه فى احتواء آبار لمياه الشرب على البكتيريا المسببة للكوليرا فى ظل تفشى الوباء حيث أُغلقت 9 آبار تحتوى على بكتيريا يشتبه باحتوائها على وباء الكوليرا فى صنعاء، بالإضافة إلى 54 محطة تنقية مياه الشرب فى ظل توقعات بإصابة ما يزيد عن 300 ألف شخص بالوباء خلال الستة أشهر المقبلة. وأعلنت كل من السعودية والإمارات دعمها الكامل لليمن فى هذه الأزمة فدعت السعودية المنظمات الدولية المختصة للتدخل بشكل عاجل كما أرسلت الإمارات طائرتين محملتين ب 50 طن ثم طائرة أخرى محملة ب 100 طن من الأدوية لمكافحة انتشار الوباء. وقال خالد المزرعى رئيس وفد الهلال الأحمر الإماراتى، إن الأدوية ستسلم لمنظمة الصحة العالمية، وسيتم توزيعها على كافة المحافظات اليمنية، والأولوية للمحافظات التى ينتشر فيها وباء الكوليرا، مضيفا أن المحافظات التى تخضع لسيطرة الحوثيين سيصلها الدعم الطبى من خلال منظمة الصحة العالمية. وأعلن خريستوس ستيليانيدس مفوض الاتحاد الأوروبى لشؤون المساعدة الإنسانية وإدارة الأزمات تخصيص 3.8 مليون يورو (4.2 مليون دولار)، لمواجهة تفشى وباء الكوليرا فى البلاد. وحذرت الحكومة اليمنية المنظمات الأممية من الأساليب المستخدمة، لنهب المساعدات والإغاثة الإنسانية المقدمة لليمنيين، بعد الكشف عن أساليب ووسائل خداع جديدة تمارسها الميليشيات الانقلابية وذلك من خلال الزج بأسماء وهمية عبر «عقال الحارات» التابعين لها، لتضليل المنظمات الأممية والدولية واستلام مخصصات الإغاثة ونهبها. وأكد عبد الرقيب فتح وزير الإدارة المحلية ورئيس اللجنة العليا للإغاثة، أن وضع المعايير والضوابط فى آلية تسليم المساعدات الإغاثية، من شأنه إنهاء العشوائية وقطع الطريق أمام التحايل والخداع الذى يمارسه عقال الحارات التابعون للميليشيات بتسجيل أسماء وهمية، وذهاب تلك المعونات إلى غير مستحقيها وتسخيرها لما يسمى «المجهود الحربي» وبيعها فى السوق السوداء. وفى وقت سابق، كشف مصدر مسئول فى صنعاء عن نهب الميليشيات الانقلابية لمساعدات غذائية دولية، وبيعها لتجار يقومون بدورهم بتغيير الإطار الخارجى للمنتجات وتحويلها إلى سلع محلية الصنع وبيعها فى أسواق صنعاء. و«الكوليرا» مرض يسبب إسهالًا حادًا يمكن أن يودى بحياة المريض خلال ساعات، إذا لم يخضع للعلاج، ويتعرّض الأطفال، الذين يعانون من سوء التغذية، وتقل أعمارهم عن 5 سنوات بشكل خاص لخطر الإصابة بالمرض. ووفق منظمة الصحة العالمية، يمكن علاج «الكوليرا» بنجاح من خلال محلول لمعالجة الجفاف يتناوله المريض بالفم، وتحتاج الحالات الحرجة لعلاج سريع بسوائل وريدية ومضادات حيوية. وتزيد من صعوبة مواجهة هذا الوباء الحرب الدائرة فى اليمن منذ مارس 2015 بين القوات الحكومية والمقاومة الشعبية، مدعومة بتحالف عربى، من جهة أخرى، وتحالف الحوثى وصالح المدعوم من إيران، والذى يسيطر بقوة السلاح على عدد من المحافظات، من جهة أخرى. وأودت الحرب حتى الآن بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص، أغلبهم مدنيون، وجرح عشرات الآلاف، وشرد قرابة ثلاثة ملايين من أصل 27.4 مليون نسمة، وفق الأممالمتحدة. واعتبرت الأممالمتحدة أن وقف الحرب على اليمن هو أفضل سبيل لمكافحة وباء الكوليرا المتفشى فى البلاد فى ظل انهيار النظام الصحى. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية عن منسق الشئون الإنسانية باليمن جيمى ماكجولدريك قوله إنه ليس هناك مساعدة أو عملية إغاثة تهم اليمنيين اليوم أكثر من إيقاف الحرب والعودة إلى طاولة المحادثات والسماح بوصول المساعدات والإغاثة للمحتاجين فى كافة مناطق البلاد. وأوضح منسق الشئون الإنسانية باليمن والممثل المقيم للأمم المتحدة فى مؤتمر صحفى عقده بصنعاء أن الانهيار الشامل للنظام الصحى سينعكس سلبا على الوضع الوبائى للكوليرا والإسهالات المائية الحادة الأمر الذى سيتسبب بتفاقم الأوضاع وزيادة عدد الحالات خاصة أن المرافق الصحية العاملة لا تتعدى 45 بالمائة وبأقل من طاقتها. يذكر أن تقارير الأممالمتحدة حول الأزمة الإنسانية فى اليمن قد أكدت أن نحو 19 مليون شخص (80 ٪ من السكان) يعانون من النقص الغذائى الشديد ويحتاجون إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، كما يواجه 7 ملايين منهم خطر المجاعة ويقدر العاملون فى المجال الإنسانى أن كل 10 دقائق يموت طفل أصغر من خمس سنوات لأسباب يمكن الوقاية منها فى اليمن كما يعانى أكثر من 8 ملايين شخص من نقص المياه النظيفة والمرافق الصحية، الأمر الذى يعرضهم لخطر تفشى الأمراض مثل الجرب والكوليرا. وحسب تقارير دولية فإن عدد الذين فقدوا حياتهم نتيجة الحرب بلغ 44.000، وعدد الجرحى 36.818، وعدد المفقودين 7070 شخصًا، فى حين بلغ عدد المهجّرين 3 ملايين شخص، وعدد الأطفال المضارين من الحرب 4744 طفلًا كما يتم استخدام 1275 طفلًا كمسلحين.