الآن، حانت لحظة الحساب! حان وقت دفع الثمن.. الضحايا قد يكونون كثر، لكنهم ليسوا أكثر من الشعب، الذي عاني سيطرة الحزب الوطني 'المنحل' علي البلاد والعباد.. حتي الآن، لم يتخل المؤمنون بتعاليم 'الوطني' عن أدواتهم القديمة.. راحوا يهددون.. ويتوعدون.. راحوا يستعرضون قوتهم ويحشدون الأقارب ومن تبقي من الأنصار.. أجروا الاتصالات.. عقدوا المؤتمرات.. شرعوا في منح العطايا والهبات. يمتلك كوادر وقيادات الحزب الوطني 'المنحل' قدرة غريبة علي تجاوز الواقع، والقفز فوق الأحداث.. تناسوا أنهم متهمون بتزوير إرادة الناس.. تناسوا أنهم احتكروا الثروة والسلطة.. تناسوا أنهم استعانوا بقوة السلطة المتجبرة.. المتغطرسة في تأميم الماضي والحاضر. لكن الأغلبية الصامتة.. الساحقة قررت إنقاذ المستقبل.. قررت محاكمة المتهمين بإفساد الحياة السياسية.. القرار مرجعه سلطة الشعب قبل أن يكون توجها حكوميا.. لكن منذ متي آمن الحزب الوطني 'ورجاله' بسلطة الشعب؟ حتي عهد قريب كانوا هم الشعب.. هم السلطة.. هم السادة الذين يأمرون وعلي الناس الطاعة.. هم الملجأ وأصحاب الشفاعة.. فالصلاحيات واسعة، والسلطات بلا حدود.. بلا قيود. وعندما حانت اللحظة الحاسمة راحوا يتبرأون من الماضي القريب.. لجأوا لأساليب السيرك السياسي، علها تنطلي علي الناس.. حاولوا القفز من السفينة الغارقة.. تذكروا فجأة أن الديمقراطية تعني مشاركة الجميع.. آمنوا فجأة بأن القانون هو الحل.. هو المخرج من مأزق العزل السياسي......! في شأن إصلاح الحياة السياسية بعد ثورة 25 يناير دارت الحوارات والمناقشات و انشغل الرأي العام ، بل احتدم الجدل والخلاف حول صياغة مرحلة مابعد الثورة، والتأسيس لمجتمع جديد، التساؤلات في مجملها حول المخاوف من وجود ثغرات وأبواب خلفية يتمكن من خلالها فلول النظام السابق من العودة مرة أخري إلي مقاعد مجلسي الشعب والشوري. ومن ثم كان الحديث عن إدخال تعديلات علي قانون الغدر وهو ما تم بالفعل ، و أقرها مجلس الوزراء ورفعها إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة. المتهمون بإفساد الحياة السياسية ستتم معاقبتهم - طبقا للتعديلات الجديدة -بالعزل من الوظائف العامة في المواقع القيادية ، وسقوط عضويتهم سواء كانت في مجلس الشعب أو الشوري أو في المجالس الشعبية المحلية، وكذلك الحرمان من حق الانتخاب أو الترشح لأي من مجالس الشعب والشوري والمحليات لمدة خمس سنوات ،بالإضافة إلي الحرمان من تولي الوظائف العامة القيادية لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم بإدانتهم ،وكذا الحرمان من عضوية مجالس إدارات الهيئات والشركات أو المؤسسات التي تخضع لإشراف السلطات العامة ،والحرمان أيضًا من الانتماء لأي حزب سياسي لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم. التعديلات شملت أيضا الحكم بالعقوبة نفسها أو بإحداها علي كل من اشترك بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة في ارتكاب جريمة الغدر حتي لو لم يكونوا من الأشخاص المذكورين في المادة الأولي من القانون،علي أن تكون محكمة الجنايات دون غيرها هي الجهة المختصة في الفصل في الدعاوي التي يتم رفعها بناء علي طلب النيابة العامة سواء كان من تلقاء نفسها أو بناء علي بلاغ يقدَم إليها يتضمن توافر أدلة إدانة علي ارتكاب الجريمة. ولكن كيف سيتم تطبيق قانون الغدر؟ وما آليات وضوابط هذا التطبيق؟ وهل هناك أسس عادلة يمكن الارتكان إليها للتفريق بين رجال النظام السابق الذين أفسدوا بشكل مباشر الحياة السياسية من خلال أفكارهم وممارساتهم وتوجهاتهم - وهم معرفون- وبين ما يمكن أن نطلق عليهم "السائرون في ظل النظام" وهم كثر، وعلي سبيل المثال هل يمكن القول إن كل من حمل عضوية الحزب الوطني المنُحل سيتم استبعاده وعزله؟ التقديرات والأرقام تقول إن هؤلاء قد تجاوز عددهم 2 مليون ، فهل سيكون أمر استبعادهم منطقيًا في ظل الحديث عن مجتمع جديد وحياة ديمقراطية؟ أم أننا يمكن أن نعتبرهم كبش فداء حتي نقيم حياة سياسية مبنية علي أسس تنأي بالعملية السياسية عن الشبهات حتي نبلغ الاستقرار والإصلاح المنشودين. إذا عدنا بالتاريخ إلي الوراء وتتبعنا ماحدث خلال الفترات المتعاقبة من الحياة السياسية في مصر لوجدنا أن فكرة العزل لرموز النظام الحاكم بعد تنحيته قد تكررت بشكل او بآخر، فعندما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 والتي هبّت في وجه نظام ملكي فاسد طغت فيه سياسة الإقطاع علي غالبية الفقراء من عامة الشعب،وعمّ فيها الفساد السياسي أنحاء البلاد ، تم فرض العزل السياسي علي كل رموز العهد السابق ،وتم حل الأحزاب القديمة مثل حزب الوفد الذي كان مسيطرًا، وتم إنشاء هيئة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكي ، وعندما تولي الرئيس السادات الحكم بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر قام في 15مايو عام 1971 بما أسماه بثورة التصحيح، والتي قام بمقتضاها بعزل معظم رموز العهد الناصري،وهو مايعني أن فكرة العزل السياسي لكل رموز العهد السابق هي فكرة ليست بجديدة ولكنها طبقت بشكل او بآخر سواء كان ذلك تحت مظلة الشرعية الثورية او انقلابا علي توجه سياسي. مشكلات التطبيق ............................ إذا كان قانون العزل سيطبق علي قيادات الحزب الوطني المنحل ولجانه النوعية في المحافظات وأعضاء لجنة السياسات ،وجميع نواب برلمان 2010والمجالس المحلية وأعضاء مجلس الشوري، فما العقبات التي ستواجه التنفيذ؟ فإذا تم بالفعل عزل رموز النظام ممن أفسدوا الحياة السياسية - وهو شيء حتمي ولا يستطيع كائن من كان الاعتراض عليه- فإن المشكلة تكمن في نواب البرلمان الذين أعلن 250 عضوا منهم عن تحركات عاجلة وتصاعدية إذا ماطبق قانون العزل عليهم، وقرروا وضع خطة يشرف علي تنفيذها نائب الشعب السابق حازم حمادي ونائب الشوري السابق نبيل لوقا،والمعروف أن هناك عائلات في الريف والصعيد تتوارث مقاعد البرلمان وهي تدخل تحت عباءة النظام حماية لمصالحها ليس الا وهم ليسوا بالضرورة مفسدين ..فكيف نضع الخط الفاصل بين هؤلاء وغيرهم دون أن نضر بفكرة العدالة والديمقراطية التي نادت بها الثورة؟ من وجهة نظر الدكتور عطية حسين الأفندي ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، هناك بعض الحقائق الموضوعية التي يجب أخذها في الاعتبار ومنها أن هناك تباطؤًا وتلكؤًا في تنفيذ القوانين الثورية ،ومن ثم يصبح من الصعوبة بمكان تنفيذ تلك القوانين علي أرض الواقع بالقوة نفسها التي كانت ستطبق بها في أعقاب ثورة يناير مباشرة، ولذلك كان المفترض عمل محاكم ثورية وتنفيذ قانون الغدر في الحال علي كل من أفسدوا الحياة السياسية استنادًا واستجابة لنبض الشارع الذي لم يهدأ في ذلك الوقت، ولكن هذا لم يحدث وبالتالي بعد مرور ثمانية أشهر علي الثورة أصبح التنفيذ أصعب وآثاره السلبية معقدة للغاية. ويري الأفندي أن يقتصر العزل السياسي علي النخبة الحاكمة في النظام السابق والوزراء ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء لجنة السياسات وهيئة المكتب في الحزب المنحل، وكلهم من المفسدين، أما بالنسبة لأعضاء مجلسي الشعب والشوري فلايجب تطبيق القانون إلا علي من ثبتت إدانته بالفعل انطلاقا من مبدأ ضرورة التمييز بين الفاعلين الأصليين وبين من ارتزقوا منهم. ويشير إلي أن الاحتكام لرأي الشارع هو أمر في غاية الأهمية لأن الاختيار هنا أصبح واعيا، حتي وإن نجح البعض في التسلل إلي أي من المجالس النيابية، فإنه لن يجد وزراء التأشيرات كما كان في السابق والأمر كله أصبح مرهونا بضوابط وقواعد جديدة. الاحتكام لرأي الشارع في اختيار من يمثلونه هو جوهر الديمقراطية في رأي الدكتورة أماني مسعود أستاذ الاجتماع السياسي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسيةجامعة القاهرة ، فلايجب أن ينتظر المواطن القانون لكي يعزل من يراه فاسدًا ولكن عليه أن يعزله باختياره وبناء علي قناعات بممارسة حقه الديمقراطي، وهنا يجب التفريق بين مستويين من الشخصيات التي أسهمت في إفساد الحياة السياسية قبل الثورة ، فهناك من وقعت عليهم تهمة الإفساد، وهؤلاء القانون أولي بهم ، ذلك لأن كلمة القانون في نظام ديمقراطي لابد أن تكون مسموعة،وهناك من اعضاء الحزب الوطني المنحل والذين قُدّرت أعدادهم بمليونين ولايمكن أن نجرمهم جميعا،وهؤلاء يستطيع الشارع تمييز المفسد منهم وعزله جماهيريا. وتضيف: المشكلة أننا عشنا طيلة 30 عاما نجذر ثقافة الفساد حتي أصبح الفساد مؤسسة وليس أشخاصا، ووصلنا إلي مرحلة أنك لن تقضي مصالحك إلا إذا قدّمت رشوة ربما لاتزيد علي عشرة جنيهات لصغار الموظفين في الدولة،وبالتالي فإن من يقبل الرشوة مهما صغر موقعه الوظيفي هو بالضرورة فاسد ،وهؤلاء ومثلهم كثر لن ينطبق عليهم العزل،وبالتالي يجب تغيير ثقافة الفساد في المجتمع وتربية المجتمع علي قيم جديدة تجعله يلفظ تلقائيا الفاسدين، ويجب ألا نستعجل النتائج ونتقبل فكرة التغيير التدريجي وهو أساس الاصلاح. أبعد من ذلك تقول مسعود إنها وإن لم تعترض علي العزل السياسي فإنها ، تري فيه جرحا للديمقراطية التي رفعت الثورة لواءها، وهي تعني إعطاء كل مواطن داخل الدولة فرصته في الاختيار وفي الوقت نفسه، الحق لكل مواطن في الترشح في الانتخابات العامة سواء برلمانية او محلية. وأخيرا تطالب بتعليم الناس كيفية الاختيار الرشيد، وإعمال العقل في الاختيار وذلك جوهر الديمقراطية.