• نرصد شهادات قوات إنفاذ القانون بعد تطهير الموقع من العناصر التكفيرية والإجرامية • مراحل التنفيذ بدأت بجمع معلومات شاملة.. وانتهت بالدفع بمجموعات قتالية محترفة • خطط نوعية تحرم الإرهابيين من ملاذ آمن للهجوم على مرافق حيوية وتنفيذ الاغتيالات • اللواء الدش: من يرفع السلاح يقتل فورًا.. ومن يسلم نفسه يتم تحديد موقفه القانونى • الإرهابيون يلجأون ل"حيلة دموية" لتعطيل قوات إنفاذ القانون بعد فقدان الأمل فى النجاة • مخازن سلاح وذخيرة وميادين رماية بالكهوف.. وضبط وثائق تشمل مكاتبات ومراسلات • قائد ميداني: نجاحات جبل الحلال الميدانية أنجزها أبطال حقيقيون.. والمعركة مستمرة انطلقنا فجرًا، إلى مقرّ قيادة الجيش الثالث الميداني (ثاني أكبر تشكيل قتالي- تعبوي في الشرق الأوسط).. التقينا قائد الجيش، اللواء أركان حرب، محمد رأفت الدش.. سألْنا كثيرًا، وسمعنا إجابات أكثر تطمئن القلوب.. طلبنا زيارة جبل الحلال، فرحّب على الفور بالفكرة.. قال: "هي فرصة حتى يطمئن الشعب من خلالكم على جهود قوات إنفاذ القانون". في الطريق إلى جبل الحلال، التقينا جنودًا وضباطًا من كل الرتب (في كمائن ثابتة، ومتحركة)، وآخرين يؤدون مهام قتالية أخرى.. تحدثوا عن الأوضاع الميدانية، وعن الروح المعنوية المرتفعة، حتى أن كثيرًا منهم يرفض نزول الإجازات لقضاء واجبات اجتماعية، أو أسرية، ويصرون على البقاء من أجل استكمال مهامهم الميدانية. سمعنا من زملاء الشهداء والجرحى عن بطولات وتضحيات.. عن إصرار المصابين على سرعة العلاج من أجل العودة للميدان.. وعندما وصلنا إلى جبل الحلال، لاسيما مغاراته، وكهوفه التى تم تطهيرها بجهود مقاتلين لا يعرفون المستحيل، تأكد لنا أهمية العمليات القتالية التى خاضتها قوات إنفاذ القانون من أجل "وقف الخطر في مهده، قبل أن يهدد عموم الشعب في المحافظات". مهمة استثنائية قبل انطلاقنا إلى جبل الحلال، قال قائد الجيش الثالث، اللواء أركان حرب محمد رأفت الدش: "معايشة الأجواء التى تعمل فيها قوات إنفاذ القانون مهمة جدًا.. يجب أن يطلع عليها كل بيت في مصر.. ما يتم على الأرض من جهود استثنائية تقوم بها قوات إنفاذ القانون يدعو للفخر". وأضاف: "مهمتنا الأساسية معروفة، ومحددة في حماية الحدود الاستراتيجية للدولة المصرية.. لا تعوقنا عمليات مواجهة الإرهاب عن هذه المهمة الأساسية.. تطهير جبل الحلال وغيره من البؤر من العناصر الإرهابية ضرورة حتمية لاستكمال عمليات التنمية الجارية حاليًا". أكد قائد الجيش الثالث أن "العناصر الإرهابية كانت تستغل جبل الحلال.. وتعتبره ملاذًا آمنًا، استغلالاً لتضاريسه الطبيعية الصعبة، لكن بعد صدور أوامر القيادة العامة للقوات المسلحة بتطهير كل شبر فى الجبل، سارعنا بالإعداد والتخطيط الجيد لتنفيذ المداهمات، وانجاز عملية التطهير، ومن ثم حرمانهم من هذا الملاذ الآمن". ونبه إلى أن مراحل الاستعداد لتطهير جبل الحلال مرت بعدة مراحل مهمة: "تجميع المعلومات الكاملة، وتأكيدها من مصادر متعددة، مع التركيز على كل ما يتعلق بالطرق والممرات التى تستخدمها البؤر الإرهابية.. وضعنا خطة غير نمطية لكل منطقة فى الجبل، لتحقيق عنصر المفاجأة، وهو ما تحقق لاحقًا". وأوضح أنه "تمت محاصرة الجبل بالكامل من كل النواحي، قبل مرحلة التعامل بالسلاح.. عقيدتنا أن كل من يرفع السلاح يقتل فورًا فى مكانه، أما من يسلم نفسه فيلقى القبض عليه، من أجل تحديد موقفه القانونى، بمعرفة الجهات المختصة". وبين أنه "خلال مرحلة المداهمات تم الدفع بمجموعات قتالية متخصصة، كون هذه العمليات تحتاج لكفاءة بدنية ومهارات قتالية، وقد تم تفتيش الجبل شبرًا شبرًا.. كان كل قائد مجموعة قتالية معنيًا بالتتميم على القطاع الذى يقود العمليات فيه، قبل إعلان تطهير الجبل تمامًا". تخريب متعمد وأشار قائد الجيش الثالث إلى أن "المجموعات الإرهابية التى فقدت الأمل فى النجاة، لجأت لتفخيخ كل ما تستطيع: طرق، وممرات، ومدقات، وسيارات متنوعة، ودراجات نارية، حتى أجهزة الهواتف المحمولة، ومع ذلك واصلت قوات إنفاذ القانون عملها بنجاح، وسط ظروف جوية غير عادية، حتى أن درجة برودة الجو، كانت تصل لصفر مئوى". وأوضح أنه "تم اكتشاف أكثر من 24 كهفًا جبليًّا، ومغارات تستغلها المجموعات الإرهابية فى الاختباء من الطلعات الجوية، وأن هذه الكهوف المجهزة كانت تستخدم كمخازن سلاح وذخيرة ومعدات، وورش لتصنيع المتفجرات، وميادين رماية، وكان توجد بها نماذج للكمائن الأمنية- العسكرية المستهدفة.. وجدنا وثائق لمكاتبات ومراسلات بين العناصر التكفيرية، والجهات التى يعملون لصالحها.. كانت بعض هذه الكهوف مجهزًا بوسائل إعاشة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي". وقال إن "العناصر الإرهابية والمجموعات الإجرامية كانت تعتقد أن قوات إنفاذ القانون ستقف عند حد معين، ومن ثم راحت العناصر الإرهابية، والإجرامية تصعد إلى مستويات أعلى فى الجبل، لكن القوات لم تتوقف، وظلت تطاردهم حتى القمة.. مقاتلونا، أبطال.. لديهم عقيدة.. مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجل وطنهم، وشعبهم.. عند عرض أى مهمة قتالية يتبارى الجميع للخروج فيها.. هم لا يعرفون المستحيل.. جاهزون دائمًا، وأبدًا لتنفيذ أى مهام، وفى أى أجواء". وأكد قائد الجيش الثالث أن "الروح المعنوية لا تأتى من فراغ.. القائد العام للقوات المسلحة، الفريق صدقى صبحى، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، يتواصلون معنا على مدار الساعة.. الجميع على قناعة تامة بأن مصر تحارب، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى أكثر من مرة". شهرة دموية في الطريق إلى جبل الحلال، راح شريط الذكريات يمر سريعًا.. صار الجبل خلال السنوات الأخيرة، الأشهر في سيناء، بحكم الأحداث الدامية التى شهدتها المدن القريبة منه (بئر العبد.. العريش.. الشيخ زويد.. رفح...) على يد عناصر إرهابية، وإجرامية كانت تنطلق منه لتنفيذ عملياتها الدموية، التى تجاوز صداها الرأى العام المحلي، ومن ثم زادت حوله الأساطير، وغموض لا يخلو من تشويق. وزايدت وسائل إعلام (محلية، ودولية) في إضفاء المزيد من الإثارة على جبل الحلال، بعدما أكدت بعد يناير 2011 أن خطة انفصال سيناء عن مصر، وتحويلها إلى إمارة "جهادية- إسلامية"، يتم تنفيذها من مغارات وكهوف الجبل، بعدما راحت عناصر إرهابية تستهدف أكمنة ثابتة ومتحركة، وممتلكات عامة وخاصة، وتغتال قيادات عسكرية وأمنية وقبلية، ومدنيين. وارتبطت هذه التوقعات التشاؤمية بالفترة التى أعقبت 25 يناير 2011، التى استمرت لأكثر من عامين ونصف العام، خلال فترة حكم الإخوان، حيث استغلت العناصر الإرهابية حالة عدم الاستقرار فى نقل كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات إلى الجبل، الذى كانت تتحصن به عناصر إجرامية شديدة الخطورة، وزادت الأزمة بعد قرار العفو الرئاسى، الذى أصدره الرئيس المخلوع، محمد مرسى، عن عناصر متشددة وإرهابية مرتبطة بجماعة الإخوان. وحاولت تلك العناصر تشكيل ميليشيات عسكرية لاستنزاف قوات إنفاذ القانون في سيناء، عبر تمركزها فى جبل الحلال وبعض القرى الواقعة في منطقة رفح، وسط متابعة ورصد من القوات المسلحة، والشرطة المدنية، غير أن التدخل لمواجهة المخطط كان يحتاج إلى قرار سياسي، وهو لم يكن متحققًا فى عهد "مرسي"، فى ضوء الارتباطات المشبوهة لجماعة الإخوان. في هذه الأثناء، قال لنا قائد عسكري (لواء أركان حرب) مطلع على سير العمليات القتالية للجيش الثالث الميداني: "نواجه فئرانًا، تعمل فى مناطق منعزلة، وتفخخ طرق وممرات، لكنها ليست قادرة على خوض مواجهة مباشرة مع قواتنا.. هم مجموعات مغيبة.. بلا عقيدة سليمة.. أصحاب أفكار ضحلة، لا يراعون الشرف أو النخوة ومن ثم يتركون نساءهم وأطفالهم وينخرطون فى صفوف الميليشيات الإرهابية، وقد تأكد لنا من خلال اعترافات العناصر التى تم إلقاء القبض عليها أنهم على استعداد لبيع أى شىء من أجل المال". أكد القائد العسكرى أن "المواجهة مستمرة حتى تطهير الجيوب المتبقية من فلول الإرهاب.. هذه عقيدة قواتنا التى تنفذ القانون في سيناء، وعليه تتبدى هذه العقيدة فى الروح القتالية للقوات، لدرجة أن مقاتلاً من قواتنا تعرض لبتر نصف يده، فظل يقاتل باليد الأخرى، وآخر رفض الإخلاء بعد إصابته فى ذراعه واستكمل القتال إلى جوار زملائه فى المواجهات الأخيرة". حصار ناجح بعد عدة ساعات انطلقنا خلالها من السويس إلى جبل الحلال، وصلنا لمشارف الجبل، حيث ينتهى الطريق المرصوف، قبل السير ل17 كيلو مترًا أخرى، من أجل الوصول عبر عملية صعود متدرج للجبل، الذى يمتد فى شكل دائرة مفتوحة من طرف واحد.. وفي الظروف الطبيعية لا يمكن الدخول إلى جبل الحلال دون أن يكون معك دليل من سكان الجبل، لاسيما من أبناء قبيلتي "الترابين، والتياهة" التى تقطن أسفل الجبل وبالقرب منه. قال لنا قائد ميداني برتبة عميد أركان حرب: "مهمة جبل الحلال كانت ذات أهمية خاصة بالنسبة للقوات.. كان أمامنا جبل يمتد من الشرق للغرب بطول 60 كيلو مترًا، بعمق 20 كيلو مترًا، كما أن الطريق المؤدى له من ناحية الحسنة مليء بالغرود الرملية، ومن ناحية الجنوب منحدرات حادة، يتخللها بعض الوديان". وأضاف: "كانت أهمية جمع معلومات كثيرة ومدققة عن الموقع المذكور، لاسيما العناصر الإرهابية، والخارجة عن القانون، وهو ما تم عبر أجهزة المعلومات الأمنية المتعددة، بمساعدة أهالى سيناء الشرفاء، وهم فى واقع الأمر يد بيد معنا فى كل صغيرة وكبيرة، وعليه بدأنا تنفيذ العملية بكل ثقة فى نصر الله، وجهود مقاتلينا، عبر منع الخروج والدخول للجبل، وتضييق الحصار عليه". وتابع: "كنا نرصد انخفاض الروح المعنوية للعناصر الإرهابية والإجرامية، قبل أن نهجم عليهم بمجموعات قتالية متعددة، وإلى جانب تدمير حصيلة ضخمة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات، بينما أقمنا معرضًا رمزيًّا لبعض المضبوطات التى وجدناها بحوزتهم (أسلحة وقذائف متنوعة، ومتفجرات متنوعة، ودوائر النسف والتدمير وأدوية ومستلزمات إعاشة ومجموعة من المنشورات، وأعلام تنظيم داعش الإرهابى)، فيما تسلمت الجهات المعنية العناصر المقبوض عليها خلال العمليات. وشدد على أن هذه النجاحات أنجزها أبطال حقيقيون متواجدون في ميدان القتال الآن، وأنهم أدوا أعمالاً قتاليةً جليلةً دفاعًا عن مصر وشعبها، لاسيما المهندسين العسكريين، الذى نظفوا جبل الحلال من ألغام كثيرة". وقال: "لا أنسى أحد الأبطال الذى توفيت والدته، خلال العمليات، وقررنا منحه أجازة حتى يذهب لبلده من أجل تقبل واجب العزاء فى والدته، لكنه رفض الفكرة وأصر على البقاء إلى جوار زملائه فى الميدان". فوق الجبل بين المقاتلين فى جبل الحلال، عرفنا حكاية الضابط الذى سألته زوجته بحسن نية: أيهما أقرب لك: أولادك، أم جنودك، فقال لها دون تفكير: جنودي، لأننى مسئول عنهم، أما أولادى فهم فى رعايتك.. وآخر سألناه عن آخر مرة نزل فيها أجازة، فقال: أمضيت منذ فترة أجازة طويلة جدًا، فسألنها: كم يومًا؟، فقال: يومان، قضيت فيهما كل الواجبات والمهام المطلوبة، وعدت على الفور لوحدتى ومهامى وجنودى.. وثالث، يقسم أنه يحرج أن ينزل أجازة بينما زملاؤه يخوضون مهامهم القتالية ضد العناصر الإرهابية، والإجرامية. قال قائد إحدى الكتائب (برتبة مقدم): قوات إنفاذ القانون تراعى دائمًا ما تفرضه الأجواء القتالية من تحديات، لاسيما ما يتعلق بتأمين الأفراد المقاتلين، عبر تطوير التدريبات، وعمليات التأهيل، والدفاعات اللازمة، خاصة أننا لا نواجه جيشًا نظاميًّا، ومن ثم يتم اختيار المقاتلين بعناية، بدنيًّا، وذهنيًّا، ونفسيًّا، كما تمر هذه العناصر بمراحل من مراكز التدريب حتى الوصول لمواقعها القتالية، ويجرى تدريبها على كل أنواع الأسلحة، لأن الظروف الميدانية قد تفرض عليهم ذلك. عرفنا من أحد الضباط المشرفين على عملية تطهير الموقع أن جبل الحلال، تمت بتعاون قوات الجيش الثالث الميدانى، وقوات الجيش الثاني الميداني، تحث إشراف القيادة الموحدة لقوات شرق القناة، حيث خاض الجميع معركة حاسمة في هذا الشأن، تحت غطاء جوى، بعد أن تم تحديد مواقع اختباء العناصر الإرهابية. أرقام كاشفة وتمتد منطقة جبل الحلال إلى أكثر من 60 كيلو مترًا طولاً، بينما يزيد ارتفاعه عن 1000 متر، ويقع جبل الحلال فى المنطقة "ج" فى سيناء، ولهذا يختارها الإرهابيون فى الاختباء وتخزين السلاح، ليس فقط لوعورة المنطقة حيث يمتلئ بالكهوف والمغارات والمدقات الجبلية، كما أن الطرق غير ممهدة وبها الكثير من النتوءات والحفر والحجارة الصخرية، التي دفعت الإرهابيين والخارجين على القانون إلى اللجوء إليه، لاسيما أن الملحق الأمني لاتفاقية السلام مع إسرائيل لا يسمح بوجود قوات عسكرية فيه. وبعد ثورة 30 يونيو اتخذت القوات المسلحة قرارها بتطهير سيناء، وتم تعليق الملحق الامنى مع الجانب الاسرائيلي، حيث استطاعت القوات المسلحة المصرية نشر جميع عناصرها وتشكيلاتها وطائراتها فى سيناء بالكامل، وبدأت عمليات حق الشهيد لتطهير سيناء، وبخاصة منطقة المثلث (رفح، والعريش، والشيخ زويد) نفذت خلالها معارك ضارية مع الجماعات الإرهابية، لكن ظلت بعض الجيوب، التى استدعت المواجهة مؤخرًا. ويبعد جبل الحلال بشمال سيناء نحو 60 كم من جنوب مدينة العريش، إلى جانب جبل الحسنة وجبل القسيمة وصدر الحيطان والجفجافة وجبل الجدي. وكشفت عناصر بقوات إنفاذ القانون (خلال الجولة) أنها خاضت قوات إنفاذ القانون حربًا شرسة مع العناصر الإرهابية التى تتحصن فى مغارات وكهوف جبل الحلال، وسط تأكيدات من القوات بأن المواجهة هذه المرة ستكون فارقة فى الحرب على الإرهاب فى سيناء.