جنيف "4" يفشل.. وخيارات التقسيم مطروحة عاود شبح التقسيم يطارد الأزمة فى سوريا من جديد بعد فشل «أستانا 2» والفشل الذى يلاحق مباحثات «جنيف 4» فلم تستطع المفاوضات الأخيرة التى بدأت فى العاصمة السويسرية الخميس الماضى، وتم تجميدها حتى الاثنين بعد مثول الجريدة للطبع، لم تستطع تحقيق اختراق واحد سوى الاتفاق على التفاوض المباشر بين وفدى الحكومة السورية والمعارضة حيث لم تتمكن الأممالمتحدة من حسم أى من المواضيع غير الاجرائية دون الدخول إلى صلب المفاوضات التى تتعلق بشكل الحكم فى سوريا وإجراء انتخابات تحت إشراف الأممالمتحدة والدستور، وفى هذا الاطار تتمسك المعارضة بفترة حكم انتقالى وهو أمر ترفضه الحكومة السورية التى أعلنت أن مستقبل الأسد غير قابل للنقاش وهو أمر يشير إلى بقاء الوضع على ما هو عليه واستمرار الصراع فى سوريا لأمد غير قريب لتظهر من جديد فكرة التقسيم ولكن بقوة هذه المرة بعدما تعلن الأطراف الدولية أنها استنفدت كل السبل، وقد أعرب المبعوث الأممى إلى سوريا )ستيفان ديمستورا( عن صعوبة تلك المفاوضات كما توقع عدم تحقيق اختراق كبير فى الجولة الحالية للمفاوضات التى وصفها بالمضنية. ويبدو أن الغرب قد أراد منذ البداية الوصول إلى ما آلت إليه الأزمة السورية فلم يدعم الأسد فى حربه ضد المعارضة ولم يدعم المعارضة دعمًا حقيقيًا لفوز طرف على طرف وإنهاء الأزمة التى دخلت عامها السابع دون حل وللولايات المتحدة هدف فى استمرار تلك الحرب كل هذه المدة فمن مصلحتها استنزاف حزب الله وإيران ماليًا وعسكريًا بوقوفهم بجانب الأسد فقد فقدت طهران وحزب الله العشرات من القادة العسكريين البارزين فى تلك الحرب، كما أن واشنطن تريد أن ترى أعداءها يذبح كل منهما الآخر إيران وحزب الله والأسد من جهة والجهاديين من السنة من جهة أخرى لتؤول الأزمة بعد ذلك إلى تقسيم سوريا كجزء من خطة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بحدود عرقية ودينية وهو ما يعرف بالخطة «بى» التى تم الاعلان عنها منذ سنوات حتى تنشغل دول المنطقة فى صراعات ليس لها آخر يكون فيها لجماعات جهادية مثل داعش والقاعدة وغيرها دور بارز ولإبعاد خطر قيام تلك الجماعات بهجمات فى الدول الغربية، وقد صرح كيرى وزير الخارجية الأمريكى السابق «أنه من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استمر القتال مدة أطول»، وأعلن أن بلاده تدرس خطة بديلة للتعامل مع الوضع فى حال لم تكن دمشق جادة فى التفاوض على الانتقال السياسى. وأعرب أيضًا وزير دفاع الكيان الصهيونى السابق عن تفضيل بلاده لتقسيم سوريا إلى كانتونات بها دولة للعلويين ودولة كردية ودولة درزية. وتوالت احتمالات خطط التقسيم التى تطارد الأزمة فى سوريا بين الحين والآخر كلما تأزم التفاوض بين أطراف النزاع لاسيما فى المفاوضات الأخيرة التى لم تستطع مناقشة أى موضع فى جدول أعمالها حتى الآن. وكانت صحيفة الاوبزرفر وجامعة بركينجهام هما أحدث من قدما خريطة جديدة لسوريا، فقد قالت الصحيفة تحت عنوان «سوريا على حافة التقسيم» انه لو استمر الوضع فى هذا المسار ستكون سوريا دولة مقسمة إلى أربع دويلات بنهاية عام 2017. مشيرة إلى أنه بالرغم أن الأسد وإيران سيرفضون ذلك فى البداية وسوف تدينه المعارضة فى أول الأمر إلا أن تلك الحدود )حدود الدويلات( تم وضعها بالفعل.. وأكدت الصحيفة أن المعارضة سوف تتبنى فكرة التقسيم بعد ذلك كأفضل الخيارات لها، حيث يسيطر النظام على الكثير من مناطق الجنوب والغرب ومعظم المدن السورية كما سيكون هناك مناطق آمنة فى أجزاء من الشمال السورى ومن المحتمل أن تسيطر المعارضة على كامل محافظة إدلب ومناطق أخرى فى الشمال الغربى. وتؤكد الصحيفة أن خطوط التقسيم واضحة منذ بعض الوقت غير أن الذى يقف فى طريق الاعتراف بها هو تحدى مدينة حلب فبدون السيطرة عليها كاملة لن يبقى لدى نظام الأسد أمل للتعافى الاقتصادى من خلالها لكن المدينة محاطة بمنطقة تسيطر عليها المعارضة. وتشير الصحيفة إلى أن نقطة التحول فى الصراع السورى جاءت عندما بدأت تركيا وروسيا التصالح حيث كان كل منهما على النقيض فى هذا الصراع فتركيا تدعم المعارضة بينما تقف سوريا بجانب الأسد وتسانده فى الحرب، وتؤكد الصحيفة أن البلدين عقدا صفقة فيما يخص الأزمة السورية حيث وافقت تركيا على سيطرة الأسد على حلب مدعومًا بالقصف الروسى فيما قبلت موسكو تدخلاً عسكريًا تركيًا برفقة المعارضة فى شمال سوريا تشمل مناطق بحلب حيث يستمر الهجوم التركى المدعوم من المعارضة بمدينة الباب. وتضيف الصحيفة أنه «مع سعى الأكراد إلى إقامة منطقة مستقلة لهم فى الشمال الغربى السورى فى نفس الوقت الذى تسعى فيه تركيا لمنع قيام أى كيان كردى على حدودها من المحتمل أن تقبل أنقرة بمنطقة كردية شرق نهر الفرات لتحجيم سيطرة الاكراد على أى منطقة أخرى أما بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطى الذى ليس له أى دعم قوى سيقبل العرض بالرغم أنه سيفصل المنطقة الكردية حد طبيعى متمثل فى نهر الفرات وسيكون بالقرب من حلب. وتضيف الصحيفة «أما بالنسبة للأسد الذى مازالت المعارضة السورية تطالب برحيله سيكون لديها خيارات قليلة ولكنها ستكلفها عناء أكثر كما أن الولايات المتحدة تراجعت عن المطالبة برحيله وهدأت السعودية ودول الخليج بالنسبة لتلك القضية ويبدو أن تركيا لم تعد تهتم كثيرا برحيله خاصة بعد توافقها مع روسيا. وشهدت مفاوضات «جنيف 4» التى انطلقت الخميس الماضى تغيرات كثيرة فى المواقف الدولية حول الأزمة فى سوريا متأثرة بما أعلنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من عزمه التحالف مع النظام وروسيا للقضاء على داعش كحل يراه ترامب حلًا للأزمة المشتعلة فى سوريا كما أعلن عن تخليه عن مساندة المعارضة السورية مما يعكس تقاربًا واضحا فى المواقف بين الأطراف الثلاثة النظام وروسيا وأمريكا. لكن تظل أطراف أخرى تختلف مصالحها ومخاوفها من الأزمة فى سوريا تتقاطع مع هذا التوحد الحالى كتركيا وإيران والسعودية ومن يتحالف مع هذه الأطراف لتنفيذ أجندتها حزب الله أو الأكراد أو التيارات المحسوبة على الجيش الحر أو الجماعات الأخرى المقاتلة فى سوريا. وحول شكل الدولة السورية المنتظرة أعلن دميترى بيسكوف الناطق باسم الرئيس الروسى شكل النظام الداخلى للدولة السورية من الصلاحيات الحصرية للسوريين أنفسهم، ويجب اتخاذ القرارات بهذا الشأن فى إطار عملية شاملة تشارك فيها كافة المجموعات الطائفية والإثنية التى تسكن فى أراضى سوريا، ومنهم الأكراد والشيعة والسنة والعلويون والدروز والآخرون». اللافت للنظر صعود فكرة تقسيم سوريا بشكل قوى خلال الفترة الأخيرة كحل قد ينهى الأزمة بسيناريوهين الفيدرالية أو الكونفيدرالية وانعكس ذك فى تصريح لجون كيرى فى فبراير من العام الماضى حيث صرح بأنه قد يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استمر القتال لفترة أطول من ذلك، وذلك أثناء جلسة طلب الميزانية السنوية للوزارة أمام لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى. وتقسيم سوريا لفيدرالية معناه تحويلها لإدارات حكم ذاتية تتبع دولة مركزية كالولايات المتحدةالأمريكية هذه الإدارات لها صلاحيات الحكم المستقل ولكنها تتبع لدولة مركزية وفى الحالة السورية سيكون الأسد على رأس هذه الدولة إلا أنها ستقسم لإدارات حكم ذاتية فيكون للأكراد نصيب وللسنة وللعلويين وللشيعة حكم ذاتى يتبع الدولة الأم برئاسة الأسد بدستور وجيش وتمثيل خارجى واحد. ورغم إصرار روسيا على مشاركة الأكراد فى المفاوضات إلا أن نائب وزير الخارجية الروسى ميخائيل بوجدانوف يرى أنه لا يحق للأكراد أن يقرروا بصورة أحادية مسائل فدرلة سوريا – أى تحويلها لفيدرالية - لاسيما خارج مفاوضات جنيف. يذكر أن إدريس نعسان نائب رئيس هيئة الخارجية فى مقاطعة كوبانى )عين العرب( قال إن الأكراد سيعلنون قيام نظام فيدرالى فى المناطق الخاضعة لسيطرتهم شمال سوريا، وأوضح أن الإعلان عن قيام النظام الفيدرالى سيعنى «توسيع إطار الإدارة الذاتية التى سبق أن شكلها الأكراد وآخرون» فى شمال سوريا، وأن المناطق التى ستنضم إلى النظام الفيدرالى ستسمى «اتحاد شمال سوريا» وسيكون فيه تمثيل لكافة العناصر الاثنية فى تلك المناطق. وقالت سنام محمد ممثلة أكراد سوريا فى دول أوروبا، إن ممثلى جميع المكونات الإثنية للمناطق التى يسيطر عليها الأكراد، سيبحثون مشروع «كيان ديمقراطى فيدرالى»، وأوضحت أن هذا المشروع مطروح منذ فترة، وهناك لجنة معينة بإعداده تضم قرابة مائة شخص من ممثلى العرب والتركمان الأكراد. وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت أن قوى كبرى قريبة من مفاوضات السلام بشأن سوريا تبحث إمكانية تقسيمها فيدراليا بشكل يحافظ على وحدتها كدولة، ويمنح السلطات الإقليمية فيها حكمًا ذاتيًا موسعًا. ونقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسى بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طلب عدم ذكر اسمه قوله إن بعض القوى الغربية الكبرى، تبحث أيضًا إمكانية إقامة نظام فيدرالى لسوريا وعرضت الفكرة على دى ميستورا. إلاَّ أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر قال إن واشنطن لا تنوى الاعتراف بمناطق كردية يعلن فيه «حكم شبه ذاتى»، وجدد تمسك الحكومة الأمريكية بوحدة أراضى سوريا. تركيا بدورها ترفض بشكل كامل قيام دولة أو أى كيان كردى فى سوريا على غرار روج افا التى تشكلت بالفعل ويرأسها صالح مسلم الأمر الذى حدا بتركيا للدخول فى المعترك السورى لإنهاء هذا الكيان باعتباره تهديدًا لأمنها القومى وقاعدة لشن هجمات على الجنوب التركى كما لا تحتمل تركيا قيام كيان كردى آخر فى سوريا على غرار كردستان العراق نظرًا لتقارب الحدود السورية التركية فستكون الدولة الكردية متاخمة للجنوب التركى على عكس كردستان العراق التى لا ترتبط بحدود مباشرة مع تركيا. إيران أيضًا ترفض الكيان الكردى وأى كيان سنى قد ينشأ فى سوريا بعدما ترددت أطروحات قيام كيان سنى فى الشرق والشمال السورى وتدعم على الجانب الآخر قيام دولة علوية على الساحل الغربى فيما يسمى ب «سوريا المفيدة» تمتد من درعا جنوبا حتى دمشق ثم حمص وحماة )لتأمين التبادل التجارى بين تلك الدولة العلوية ولبنان( ثم حلب إلى طرطوس على ساحل المتوسط، يرأسها الأسد وهو ما ترفضه المعارضة وتركيا والولايات المتحدة أيضًا بشكل كامل وتصران على رحيل الأسد إذ إن سيطرة الأسد على الساحل الغربى سيمنع بناء خط الغاز المزمع إنشاؤه من قطرلسوريا وصولًا لأوربا وبالتالى منافسة الغاز الروسى. لبنان أيضًا لن تقبل بكيان علوى على حدودها الشرقية والشمالية حيث الأغلبية السنية والعراق لن يقبل بدولة سنية أو كردية على حدوده الغربية لأنها ستمثل عمقًا استراتيجيًا للأنبار السنية وكذلك الأردن لن يقبل أبدًا بفكرة تقسيم سوريا كما أكد ذلك مرارًا العاهل الأردنى الملك عبد الله. وهناك سيناريو آخر لحل الأزمة السورية عن طريق إنشاء كونفيدرالية وتعنى مجموعة دول مستقلة لكل منها دستوره وجيشه وبرلمانه ولكنها تتحد فى مكون الكونفيدرالية كالاتحاد الأوربى والاتحاد الروسى ويكون لها جيش مشترك لا يلغى جيش كل دولة على حدة ولكن قد تتحول لاحقًا لدستور وعملة موحدة كما حدث فى الاتحاد الأوربى إلا أن ذلك لا يلغى استقلالية كل دولة فى إطار الكونفيدرالية. ونشرت صحيفة )نيويورك تايمز( خريطة لتقسيم الدولة السورية عام 2013 تحت عنوان «كيف يمكن أن تتحول 5 دول إلى 14 دولة» حيث قسمت هذه الخريطة سوريا لثلاثة دول إحداها للعلويين على الساحل، ودولة للسنة فى القلب، ودولة أكراد سوريا المرشحة للانضمام إلى أكراد العراق وجزء من تركيا وذلك فى إطار الكونفيدرالية أى دول مستقلة تتبع نظام اتحادى كونفيدرالى. وهناك تقسيم آخر يعطى القسم الجنوبى لقيام دولة للدروز فى منطقة السويداء وجبل الدروز. إلا أن ما يرجح فكرة التقسيم هو تقاطع المصالح بين كافة الأطراف الفاعلة فى الأزمة السورية فقيام دولة علوية سيحد من النفوذ السنى الكردى وهذا ما تريده إيرانوروسيا وحلفاؤهم مثل حزب الله - ولا تريده تركيا لذا ستسعى تركيا والسعودية لدعم كيان سنى – رغم رفض السعودية لفكرة التقسيم - فى مواجهة الأكراد والعلويين. ............................ نقلا عن " الأسبوع " الورقى