ألقت محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه وأركان نظامه بظلالها علي الشارع المصري، فقد توقفت الحياة أو كادت حين اقتربت عقارب الساعة من التاسعة والنصف صباحا، حيث موعد المحاكمة المرتقب ل ' محاكمة القرن ' كما أطلق البعض عليها لتضع حدا فاصلا للتشكيك في إمكانية إجرائها ، وليكتب المصريون رسالة جديدة للعالم، مفادها أنهم يقدمون العبر والدروس ، كما فعلوها مرارا وقد دانت ساعة الحقيقة . ففي محافظة السويس ، أعرب مصابو وأسر الشهداء عن ارتياحهم لوجود الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه وأركان نظامه داخل قفص الاتهام، واعتبروا أن هذا المشهد لم يكن يتخيلونه ، حيث رأوا بأم أعينهم قتلة أبنائهم يحاكمون. من جانبها، قالت أمل عبد الفتاح شقيقة الشهيد فرج - أحد شهداء السويس - إنها شعرت بالراحة عندما رأيت مبارك وأبناءه داخل القفص، وأضافت '' كنا في السابق قبل الجلسة نسمع أحاديثا كثيرة عن وجود دوبلير وما شابه ذلك ، ولكن في النهاية نحن رأيناه بالفعل داخل القفص ليحاكم علي جميع جرائمه التي اقترفها في حق شباب مصر ورجالها الذين قتلوا بأوامر منه هو ورجاله ' . من جانبه، قال حسين السيد أحد مصابي الثورة إن رؤية مبارك داخل القفص ستدفع إلي انتشار الهدوء في البلاد خاصة أننا جميعا رأينا مبارك وأسرته يدفعون جزءا من الثمن الذي يجب أن يدفعوه لقيامهم بقتل الشهداء ، وأننا ننتظر بالتأكيد كلمة النهاية في محاكمة مبارك . وقام العديد من مواطني السويس بوضع أجهزة التليفزيون لمتابعة المحاكمة ..فيما توقفت الحياة تقريبا أثناء ذلك حيث حرص السوايسة علي متابعة هذا الحدث الجلل. وفي محافظة جنوبسيناء، تباينت ردود الأفعال واختلطت المشاعر ، ففيما أعرب عدد كبير من المواطنين عن ارتياحهم وسعادتهم برؤية مبارك ونجليه وأركان نظامه داخل قفص الاتهام والتي قطعت الشك باليقين بعد تردد الشائعات وعلو سقف ' لغة التخوين 'ومنها أن مبارك لن يحاكم وأنه خارج مصر، وأن هناك 'دوبليرا ' سيحل محله، وغير ذلك من سقطات أشعلت فتيل الخلافات إلا أن البعض سالت دموعهم وهو يري الرجل محملا فوق سرير لا يقوي علي الحركة داخل القضبان وهو ما كان يوما ولمدة ثلاثة عقود حاكم مصر القوي . وقال صلاح ربيع برلماني سابق بالمحافظة إن قرار محاكمة مبارك علي مرأي ومسمع من العالم كله أدي إلي حالة من الارتياح الشديد بين المواطنين الذين تأكدوا أنه لا أحد فوق القانون، وأن مبارك وزبانيته سيتم القصاص منهم لارتكابهم جرائم في حق الوطن. وفي محافظة الإسماعيلية ، خلت معظم الشوارع الرئيسية من المارة خلال وقائع المحاكمة ، إذ حرص المواطنون علي متابعة وقائعها بالمنازل . وشهدت معظم المصالح العامة والحكومية تجمعا حول أجهزة التليفزيون واستخدام أجهزة الهاتف الجوال المدعومة بإمكانية التقاط الإرسال التليفزيوني ، إلي جانب استخدام الحواسب الآلية لمشاهدة المحاكمة مباشرة عبر شبكة الإنترنت. وفي المقاهي العامة شوهدت تجمعات كبيرة للمواطنين حول الشاشات العملاقة التي بثت من خلالها وقائع المحاكمة، ورأت الأغلبية ضرورة محاكمة مبارك بسبب مسئوليته عن إفساد الحياة السياسية والاستيلاء علي المال العام ، بينما تعاطف عدد آخر معه نظرا لحالته الصحية. وكان هناك إجماع من قبل كافة المواطنين حول رأي واحد هو أن ما يحدث الآن هو لحظة تاريخية فارقة في حياه الشعب المصري الذي استطاع إسقاط رئيسه بطريقة سلمية عبر التظاهرات ومحاكمته وفقا لأحكام القانون المصري. وفي محافظة مطروح ، تباينت آراء المواطنين حول محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ما بين مؤيد ومعارض، وقال العمدة عبد المنعم إسرافيل - عمدة قبيلة السراحنة - إن لكل ظالم نهاية ولابد من الابتعاد عن المشاعر والعواطف الإنسانية وأن تكون المحاكمة عادلة، وأكد أنه يجب القصاص لسنوات الفقر والمرض الذي عاشها الشعب المصري طيلة ثلاثين عاما. من جانبه ، رأي مصطفي العريني مدرس بالتربية والتعليم أن محاكمة الرئيس السابق تمثل قمة الديمقراطية ، معتبرا أن المحاكمة ينقصها النظام وأن المحامين الحاضرين لم يلزموا بآداب المهنة ، مشيرا إلي وجود محاولات ملتفة من محاميي الدفاع عن المتهمين للاستماع لأقوال أكثر من 1300 شاهد لإطالة زمن المحاكمة وحدوث تضارب في طلبات محامي الضحايا . وأيد أيمن شويقي ناشط سياسي محاكمة الرئيس السابق مبارك وأعوانه ولكنه متخوف من تركيز الشعب علي المحاكمة واعتبارها الهدف الوحيد للثورة والبعد عن أهداف الثورة الحقيقية ، وأنه لابد من محاسبة النظام البائد عن إهدار الأموال العامة ، وإظهار الحقائق في قضية قتل المتظاهرين ومحاسبة القائمين عليها بأقصي العقوبات . بدوره ، قال سليمان فضل من كبار قبيلة العميريات أنه لم يرغب في إذاعة المحاكمة وجعلها علانية عبر وسائل الإعلام لأن ذلك يستدر العطف من قبل بعض المواطنين نظرا لحالته الصحية ووجوده علي سرير داخل القفص ، مما يتسبب في خلق جبهتين مؤيد ومعارض. وفي محافظة المنوفية ، مسقط رأس الرئيس السابق حسني مبارك بقرية كفر المصيلحة ، تباينت ردود أفعال المواطنين ، حيث أعرب البعض عن سعادتهم الكبيرة لبدء المحاكمة العلنية لرموز النظام السابق وعلي رأسهم الرئيس السابق تأكيدا وتجسيدا لمبدأ العدل والشفافية ومحاكمة الفاسدين ، مؤكدين أن المحاكمة تعد انتصارا جديدا لثورة 25 يناير. كما كشفت عدد من القوي السياسة بالمحافظة عن ارتياحها لمحاكمة الرئيس السابق مبارك والتي تؤكد تنفيذ وعود المجلس العسكري بشأن محاكمة رموز الفساد بالنظام السابق ، بينما رفض البعض الآخر محاكمته ، مطالبين بمراعاة ظروفه المرضية ووضع سياسته الخارجية التي جنبت البلاد ويلات الحروب في الاعتبار ، كما تأثر الشيوخ والنساء بردود فعل مختلفة حينما ظهر الرئيس السابق علي شاشات التليفزيون علي سرير المرض داخل قفص الاتهام. وفي محافظة الفيوم ، تباينت أيضا ردود أفعال المواطنين ، حيث استحوذ الرئيس السابق حسني مبارك علي تعاطف بعض المواطنين الذين تأثروا بحالته الصحية وعرضه أمام المحكمة علي سرير طبي . وقالت مني أحمد ' موظفة ' أنها وكثيرات من العاملات معها بالعمل بكين بالدموع إثر مشاهدة هذا المشهد، مضيفة أن معظم المتعاطفين هم من الطبقة العاملة الكادحة والغلابة حسب وصفها . بينما يري كثيرون أن الدروس التي يجب أن يعيها أي مسئول في مصر وغيرها من الدول تأتي في مقدمتها احترام الشعوب وعدم الاستهانة بها وأن إرادة الشعوب أقوي من كل الحكام والجبابرة وأنه علي مدي التاريخ الإنساني لم يفلت طاغيا واحدا من عقاب الشعب . وفي محافظة الغربية ، استقبل المواطنون وقائع محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه وأعوانه بارتياح ، خاصة بعد أن ترددت الأقاويل بعدم مثول الرئيس السابق أمام المحكمة ، وكان بث أحداث الجلسة علي الهواء مباشرا سببا في الشعور بأن القضاء سيقول كلمة النهاية وأنه لا فرق بين رئيس ومرؤوس ، فيما شهدت الشوارع الرئيسية والميادين تزاحما علي شاشات العرض التي تقوم بنقل وقائع المحاكمة في مشهد تاريخي . وشهد ميدان الشون بالمحافظة زحاما شديدا حيث علقت شاشة عرض كبيرة وتابعها المواطنون واحتشد أهالي 15 شهيدا و60 مصابا رافعين الأعلام ، مؤكدين أن هذا اليوم هو يوم لا ينسي في تاريخ مصر وأن الحق لن يضيع سدي ، معبرين عن امتنانهم للمجلس العسكري الذي حمي مصر ، ووعد فأوفي ، مجددين الثقة في قضاة مصر وفي المجلس العسكري سيف مصر ودرعها وزادها وزوادها . ولم يختلف المشهد كثيرا في مختلف ربوع مصر المحروسة ، فاليوم أطلت شمسه لتعلن للعالم أن المصريين هم ولاة أمرهم وأن شعب مصر قاهر الطغاة وأن قاهرة المعز تظل دوما قاهرة المعتدين حتي وإن ارتدوا ثوبها ، تلين ولا تنكسر ، تنحني ولا تركع ، راياتها خفاقة رغم أنف الخطوب ، وتآمر الطامعين.