لأن 'الكاريكاتير' كان ومازال وسيظل واحداً من أهم أشكال وأساليب التعبير وأقواها تأثيراً وأكثرها قدرة علي توصيل الرسالة الإعلامية المراد توصيلها إلي القارئ المتلقي بأقل عدد من الكلمات وربما بكلمة واحدة، بل في كثير من الأحيان دون أي تعليق وحيث يكون الرسم 'الكاريكاتيري' كافيا وحده للتعبير عن الفكرة. لذا فإن 'الكاريكاتير' يبقي أحد أهم المواد الصحفية المنشورة منذ نشأة الصحافة في مصر، إذ لا تخلو صحيفة واحدة من رسوم 'الكاريكاتير' علي اختلاف الصحف وتباين توجهاتها وسياساتها التحريرية. ورغم أن ثمة صعوبة خاصة كان من الضروري أن تواجه 'الكاريكاتير' وفنانيه في توصيل الفكرة للقارئ المصري الذي يتطلب انتزاع الابتسامة من بين شفتيه جهدا كبيرا نظراً لإتقان المصريين ل 'النكتة' بل تميزهم الخاص بتذوقها، إلا أن فناني الكاريكاتير المصريين علي اختلاف وتعدد مدارسهم الفنية والصحفية والسياسية نجحوا نجاحا مذهلاً في هذا المجال من خلال صحف 'روزاليوسف وأخبار اليوم والأهرام' طوال أكثر من نصف قرن، وهي المدارس الصحفية الفنية التي تخرج فيها جيل جديد من رسامي وفناني الكاريكاتير الذين أضافوا الجديد وحسبما نتابع أعمالهم المنشورة في السنوات الأخيرة في الصحف القومية والخاصة علي حد سواء، ومنهم علي سبيل المثال عمرو سليم ومحمد الصباغ وغيرهما. ومع تنوع وتعدد القضايا والموضوعات التي يتناولها 'الكاريكاتير' فإن 'الكاريكاتير' السياسي يبقي الأكثر رواجا واقبالا علي مطالعته، بالرغم مما يتطلبه من جهد كبير سواء من حيث الفكرة أو الرسم ذاته والذي يعتمد علي المفارقة التي تثير الضحك، وكذلك من حيث التعليق الموجز واللاذع خاصة في أوقات الاستبداد والتضييق علي الحريات وحرية التعبير بوجه خاص. ونظراً لأهمية 'الكاريكاتير' وصعوبة تقديم أفكار يومية للنشر، فإن كثيرا من الصحف عادة ما كانت تلجأ إلي تشكيل لجنة من كبار الصحفيين والكتاب الساخرين لتقديم أفكار لرسامي الكاريكاتير مثلما كان يحدث علي سبيل المثال في صحف أخبار اليوم، حيث كان الراحلان مصطفي وعلي أمين يشاركان في إعداد الأفكار ومن بعدهما الكاتب الساخر الكبير أحمد رجب الحائز علي جائزة النيل هذا العام. ولقد عرفت الصحافة المصرية في نصف القرن الأخير نجوما في فن الكاريكاتير من بينهم البهجوري وصاروخان وعبد السميع وحاكم وجمعة، وأيضاً وفي المقدمة في تقديري الفنان الشامل الراحل صلاح جاهين الذي تميز ليس بقوة خطوطه وفكرة الكاريكاتير فقط ولكن أيضاً بقوة تعليقه اللاذع، وإذ مازلت أذكر 'الكاريكاتير' الشهير والجرئ بمعايير منتصف الستينيات الذي نشره في 'الأهرام' وكنت وقتها في المدرسة الإعدادية الذي تضمن رسما لزكريا محيي الدين رئيس الوزراء في ذلك الوقت في صورة رياضي من أبطال رفع الأثقال وكان تعليقه أسفل الرسم 'بطل رفع الأسعار' معلقاً ومنتقداً ارتفاع أسعار بعض السلع وقتها بنحو 'قرش صاغ' واحد! وفي الأسبوع الماضي استوقفني بشدة 'كاريكاتير' منشور في 'الأهرام' للفنان الكبير جمعة والذي ينتمي إلي مدرسة 'روزاليوسف' الصحفية، وهو الذي أوحي إليّ بكتابة هذه السطور، حيث رسم وزير الداخلية الحالي منصور العيسوي وهو يتحدث عن أحداث ومصادمات يوم 28 يونيو الماضي في ميدان التحرير وقد بدا سلك الميكروفون الذي يتحدث فيه مقطوعا بينما يظهر خلفه ضابط شرطة كبير الرتبة من رجال حبيب العادلي يتحدث في ميكروفون سليم وسلكه غير مقطوع، والمعني أن رجال العادلي مازالوا يحكمون فعليا وزارة الداخلية حتي الآن وأن بيان الوزير الحالي استمرار للنهج الأمني السابق! هذا الكاريكاتير بدا في حقيقة الأمر أقوي عشرات المرات من عشرات المقالات الصحفية التي تناولت تلك الأحداث وانتقدت أداء الداخلية ووزيرها. وهذا الكاريكاتير للفنان جمعة سوف يبقي تأثيره عالقاً في الأذهان لعشرات السنين المقبلة باعتباره توثيقاً للأوضاع بعد ثورة 25 يناير، لذا لزم التنويه بقدر ما لزم توجيه الشكر والتحية إلي الفنان الكبير جمعة.