حشود رهيبة زحفت إلي ميادين مصر صباح اليوم، إنها جماهير الثورة التي خرجت لتعبر عن غضبتها، ورفضها للارتداد عن الثورة وأهدافها والبطء في تحقيق مطالبها في تحقيق الحرية والعدالة والكرامة والثأر للشهداء ومحاسبة الفاسدين. المواطنون الذين احتشدوا في ربوع مصر، يغنون للثورة ويرفعون صور الشهداء وعلم مصر، لا يعبرون عن فئة اجتماعية أو سياسية محددة، إنهم مزيج من أبناء الوطن، الفقراء والأغنياء، السياسيون والذين لا يعملون بالسياسة، الليبراليون والناصريون والإسلاميون وكل ألوان الطيف السياسي، إنهم باختصار مصر التي تراودها أشواق التغيير الشامل والجذري. لقد راح البعض يبدي مخاوفه من احتمال تفجر الأوضاع واشتعال المعارك في الشوارع والميادين واحراق الوطني ومؤسساته، وكل هذه مخاوف حتي ولو كانت مشروعة، إلا أن كوادر الثورة في جميع المحافظات كانوا قد أعلنوا منذ بداية الدعوة إنهم لن يسمحوا للمخربين والبلطجية وفلول النظام السابق بتنفيذ مخططهم الذي يستهدف الوطن ويستهدف الثورة، ولذلك انتشرت اللجان الأمنية الثورية لتحكم القبضة علي الميادين وتمنع تسلل أياً من هذه العناصر. إن هذه الحلقة الجديدة من حلقات الثورة المباركة لا تستهدف فقط تجميع الملايين من المواطنين للخروج والتظاهر والهتاف وإنما الاتفاق علي برنامج عمل يحفظ للثورة قوة دفعها، وللوطن أمنه واستقراره. إن الشعب المصري الذي قدم مئات الشهداء وآلاف الجرحي لتحقيق الانتصار علي نظام الفساد والاستبداد يدرك عن يقين أن ذيول النظام لاتزال تحتل العديد من المواقع في جميع مؤسسات الدولة وأن الحكومة لم تنجح حتي الآن في تلبية المطالب الثورية، وأن الشارع المصري لم يشعر بالتغيير الحقيقي بعد. وإذا كان الثوار ومعهم جميع الأحزاب والقوي السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني قد رفعوا شعار 'الثورة أولا' فهم أرادوا بذلك أن يبلغوا الجميع رسالة واضحة بداية الشعب لن يفرط في ثورته ولن يتراجع عن أهدافها، ولن يسمح للخلافات بأن تمزق صفوف أبناء هذه الثورة. ومعني الثورة أولا محاكمات فاعلة وسريعة 'ثورية وسياسية' لكل من ارتكبوا جرائم في حق هذا الوطن، وعبثوا بأمنه واستقراره، ونهبوا ثرواته وقهروا شعبه، وقزموا دوره وربطوه بعجلة التبعية لحساب أمريكا وإسرائيل. إن الثورة تعني القفز علي الواقع، بما يضمن تحقيق الأهداف الثورية، وانهاء حكم القلة وذيولها وانتشال الوطني ودفعه نحو النهوض للحيلولة دون تدهور الأوضاع، وتفجرها بفعل الثورة المضادة. والثورة لا تعني الصدام مع مؤسسات الدولة، الجيش أو الشرطة أو القضاء، لكنها تعني مواجهة الانحراف والقضاء علي الفساد، وفتح الطريق واسعاً لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة. إن ثورة الخامس والعشرين من يناير شكلت نموذجا يحتذي في التغيير السلمي، ولكن البعض من ذيول النظام السابق يريدونها ثورة مكبلة، غير قادرة علي الفعل أو التغيير، تمهيداً للعودة والسيطرة علي السلطة من جديد. لكل ذلك تحرك الثوار ومعهم الشعب بأسره، وها هو زئيرهم ينطلق من جميع الميادين ليدوي في عموم الوطن فيسمعه القاصي والداني.