كانت حقائبهم ملئي بالأمل والحلم, عند مغادرتهم للوطن الذي لم يتسع لأحلامهم البسيطة, وطموحاتهم المشروعة, فإذا ضاقت مصر ببعض أبنائها, فربما يكون في العروبة متسع.. هكذا اعتقد المصريون الذين سافروا إلي ليبيا, وهكذا أحسنوا الظن في حاكم كم تغني بأمجاد العرب, لكن الحقائب التي ذهبت محملة بالأماني عادت محملة بالمأساة, والبكاء والأهوال, ولم يدر بخلد البعض أن حقائبهم ما هي إلا أكفان سوف تحمل جثثهم بدلا من نقودهم ومستقبلهم, وأتضح بعد فوات الأوان إن القومية العربية إدعاء, و"أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان", ولم تقتصر المأساة علي ساكني الأكفان فحسب بل امتدت لتشمل مسجوني المعتقلات ممن أودعهم رجال القذافي في غيابات السجون دون أدني ذنب.. ومنهم يسري عبد الحكم علي الذي خرج علي العالم عبر شاشة الفضائية الليبية يعترف بقيامه بمساعدة الثوار وتدريبهم علي حمل السلاح لقلب نظام الحكم الليبي, أحمد الابن الأكبر ليسري والذي لم يتجاوز السادسة من عمره علق علي الفيديو الذي شاهده لوالده قائلا "بابا كلمني في التليفون وقالي أنه جي علشاني أنا وأخواتي وقالي أنه مش هيسبنا تاني أبدا ليه يحبسوه ويضربوه أنا شوفت أبويا كان خايف وهو بيتكلم.." وقطع البكاء كلام الطفل الذي شاركته أخته هدير 4 سنوات حالة الحزن والبكاء, أما محمد الشقيق الأكبر ليسري فناشد المسئولين في مصر قائلا المصريين في الخارج مهانين لأقصي درجة اعملوا كرامة لمصر مرة واحدة ورجعوا لنا ولادنا من سجون القذافي.. حرام كفاية ظلم. من حوش الوش بشارع صلاح الدين في مصراتة أعُتقل أكثر من 400 مصري بينهم سامح حمدي علي الذي يؤكد شقيقه أن جميع أصدقائه الذين وصلوا إلي القاهرة عائدين من ليبيا أكدوا أنه أعتقل علي أيدي قوات القذافي مع مجموعة كبيرة من المصريين بعد أن ثبتوهم وسطوا علي أموالهم وهواتفهم النقالة وحتي ملابسهم المستعملة. وفي برنامج نداء ليبيا الذي بثته الفضائية الليبية ظهر سامح في فقرة معنونة ب 'العصابات الإرهابية الأجنبية' واعترف علي نفسه أنه تابع لتنظيم القاعدة وأنه تلقي تدريبات داخل الأراضي الليبية مدتها ثلاث سنوات بهدف قلب نظام الحكم وأنه قتل العديد من الليبيين باقتناصهم من أعلي أسطح البنايات, وأكد علي حمدي شقيق سامح أن أغلب المصريين المعتقلين في ليبيا لم يدخلوا السجون الليبية وإنما تم إيداعهم مخازن وبيوت في باب العزيزية, وطالب علي بالإفراج الفوري عن شقيقه الذي أظهره التليفزيون الليبي مرتديا البذلة الزرقاء وهي زي تنفيذ الأحكام في ليبيا مؤكدا أن شقيقه خضع لمحاكمة عسكرية. إبراهيم عبد العاطي خرج علي نفس القناة ملقنا بنفس الاعترافات من حمل سلاح ومشاركة الثوار ثورتهم, كما حمل وجهه نفس علامات التعذيب التي حملتها وجوه زملائه المصريين المعتقلين بليبيا, إسماعيل الشقيق الأكبر لإبراهيم وصف وضع جميع المصريين المعتقلين بالسيئ للغاية مؤكدا أن جلادوا المعتقلات الليبية لا يرحموا, مشيرا إلي أن شقيقه وجميع المصريين الذين بثت القناة الليبية صورهم بلباس السجن اتخذتهم السلطات الليبية ورقة ضغط علي الحكومة المصرية حتي لا تعترف بالمجلس الانتقالي الليبي. ظل في ميناء مصراتة قرابة 50 يوما منتظرا باخرة تقله لوطنه حيث الأمان وإن غاب الأمن وأثناء انتظاره باغته الجوع فذهب بصحبة رفيقة حسن عبد الله حسن إلي مسكنهما بشارع طرابلس في مصراتة القريب من الميناء للحصول علي ما يسد جوعهما وفور وصولهما السكن هجمت قوات القذافي علي الشارع بأكمله وأسرت كل من فيه - وجميعهم مصريين - من يومها انقطعت أخبارهما ودخل حسن عبد الله وأحمد محمد جمعة في عداد معتقلين القذافي, ممدوح شقيق أحمد وصديق حسن أكد أن شهود العيان أفادوا برؤيتهم أحمد وحسن أثناء لحظة اعتقالهما ومعهم مئات المصريين ممن كانوا متواجدين في شارع طرابلس وقتها وقادوهم لمكان غير معلوم وأشار ممدوح إلي أن شقيقه حاله حال المصريين البسطاء الذين تم اعتقالهم بغير ذنب فقد توجه للعمل في ليبيا بغرض الحصول علي لقمة العيش لا بهدف الثورة والحرب. حاتم مشير حسن عبيد "مهندس مصري منتدب في بورصة طرابلس بليبيا من الشركة التي يعمل بها في مصر "مصر للمقاصة و الحفظ المركزي" لمدة شهر واحد فقط كان أخره 20 فبراير الماضي ولكن حاتم لم يعود, شقيقته د.هالة قالت: ظهرت لنا بعض التفاصيل التي تؤكد أن هذا الاختفاء ما هو إلا اعتقال من جانب المباحث الجنائية بليبيا حيث قال مواطن ليبي يدعي "حسام أبو زيد" أنه رأي أخي في السجن يوم 17/2/2011 وأن المباحث صادرات من المحتجزين كل متعلقاتهم الشخصية ' فلوس - موبيل - أوراق تحقيق الشخصية "بالنسبة لأخي جواز سفره"' و قاموا بالإفراج عنهم بطريقة غريبة يوم 22/2/2011 حيث أطلقوا صراحهم بدون أن يعيدوا إليهم متعلقاتهم الشخصية و ذلك في منطقة تسمي "منطقة صلاح الدين" بطرابلس و كانت المنطقة مليئة بالقوات المسلحة الليبية و التي لم ينجو منها أي شخصي أجنبي لا يحمل أوراق لإثبات شخصيته من الاعتقال و أغلب الظن ان أخي تم اعتقاله مرة ثانية في هذه المنطقة حيث أن زملائه المصريين كانوا لا يزالوا موجودين بليبيا و لم يروه أو يسمعوا عنه شيئا – وقد تم إرسال فكس إلي السفارة المصرية بليبيا بتاريخ 28/2/2011 بهذه المعلومات, كما تقدمنا ببلاغ إلي وزارة الخارجية المصرية و كذلك تقدمنا بعدد من البلاغات إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة عبر موقعهم علي الفيس بوك ولكننا لم نتلقي أي رد. وأضافت سمعت من أحد موظفي السفارة المصرية بليبيا عندما سألته بالهاتف عن البلاغ المقدم إليهم من يوم 17/2/2011 عن اختفاء أخي بطرابلس أن لديهم بلاغات كثيرة عن اختفاء مصريين. مشير حسن والد حاتم لم يمكنه صوته المخنوق بالبكاء خوفا علي أبنه من الحديث طويلا وبكلمات مقتضبة طالب بحقه في معرفة ما إذا كان أبنه حيا أم ميتا بعد أن انقطعت أخباره تماما لأكثر من 90 يوما سمع فيها الكثير من الأخبار المتضاربة عن مصير حاتم.