لم يسعدني الحظ لظروف شخصية هذا العام أن أشارك في مهرجان مؤسسة الفنان سعد زغلول الثقافي الذي يعقد سنويًا في أسيوط, والذي يعد أحد أهم المهرجانات الوطنية المستقلة، لأنه يسعي بجدية لتحقيق تنمية ثقافية حقيقية في جنوب مصر، فالمؤسسة استطاعت أن تعيد إحياء فن 'التلي' التراثي وتحافظ عليه كحرفة شعبية أصيلة من الانقراض، وذلك بتدريب أجيال جديدة من 'النساجات' اللائي استطعن أن يقدمن منتجات فنية رائعة تنافس المنسوجات الشعبية في العالم، كما استطاعت المؤسسة أن تبتكر أساليب جديدة في تسويق المنتج لصالح الحرفيات ولصالح الحرفة الشعبية نفسها، فأصبحت تدر دخلًا للنساجات الجدد وتقدم نموذجًا مبتكرًا للقضاء علي البطالة في صفوف النساء, مع طرحها بأسعار معقولة, وهو جهد لابد من دراسته لتعميمه علي باقي فنوننا التراثية، خاصة أن الحكومة تسعي لتنمية ما تسميه بالصناعات الصغيرة في القري والنجوع، ولقد اعتاد الفنان سعد زغلول أن يعقد سنويًا مهرجانًا يضم معرضًا لمنتجات المؤسسة، بالإضافة لمعرض لإبداعات الفنانين التشكيليين مع تنظيم ندوة رئيسة يشارك فيها أهل الرأي والفكر من المتخصصين مع تنظيم أمسيات شعرية يشارك فيها الشعراء من القاهرة ومحافظات الجنوب، ويصاحب ذلك كله أمسيات موسيقية وغنائية يشارك فيها فنانون مبدعون. ولقد خصصت المؤسسة احتفاليتها الخامسة هذا العام للنحت المصري المعاصر تحت عنوان: 'محمود مختار مائة عام من الفن' تضمنت معرضًا لأعمال نحتية لنحاتي مصر المعاصرين وكتابا عن أجيال النحت المصري المعاصر شارك فيه مجموعة مهمة من النقاد والفنانين بالإضافة إلي ندوة عن محمود مختار بعنوان: 'محمود مختار جسر بين التاريخي والمعاصر'، شارك فيها الفنان والناقد الكبير عز الدين نجيب والفنانة الدكتورة أمل نصر والفنان والناقد محمد كمال مع تكريم المؤسسة لعدد من المبدعين والنحاتين المصريين من مختلف الأجيال، بالإضافة إلي عروض سينمائية تسجيلية عن نحاتي مصر قدمها الفنان الكبير عصمت داوستاشي ود.إيمان مهران، ولقد نظمت المؤسسد عددًا من الأمسيات الشعرية شارك فيها عدد كبير من الشعراء من مختلف الأجيال بالإضافة إلي أمسيتين غنائيتين أحياهما الفنانان أحمد إسماعيل ومصطفي رزق، ولقد شارك أطفال أسيوط في ورشة فنية بعنوان: 'محمود مختار فارس النيل والطين والحجر' أشرف عليها الفنان محمد كمال. المهرجان عمل ثقافي رفيع المستوي يستحق التحية والتقدير، فتحية للفنان المبدع سعد زغلول الذي ارتبط فنه بثقافة أبناء وطنه وظل في أسيوط يبني عاما بعد عام منارة ثقافية متوهجة تنشر الثقافة والوعي والجمال بين أبناء الجنوب.