إن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، في الساعات الأولي من صباح يوم الجمعة الموافق للثالث والعشرين من شهر يناير 2015، يأتي في لحظات عصيبة فارقة، بالغة الدقة والحرج، تمر بها المنطقة العربية بأسرها، حيث تتهدد معظم دولها أخطار التشظي والانفجار والتفتت الداخلي، وعواصف المؤامرات الخارجية الهوجاء التي تكاد تعصف بوجودها نفسه. مصر والسعودية دولتان محوريتان عظيمتان في منطقة الشرق الأوسط، فكلتاهما قلب، ففي حين تمثل مصر قلب القارة الإفريقية، فإن السعودية تمثل قلب قارة آسيا، ومن ثم تجمعهما وحدة الدور القدريّ التكامليّ الفاعل المؤثر، الذي يقود الأمتين العربية والإسلامية نحو هدف واحد ومصير مشترك. وقد توج البلدان هذا الوعي الفائق بالدور القدريّ بالمواقف الحاسمة والأعمال الجليلة، حين كانت المنطقة تتعرض لهجمات الغرب المتلاحقة مما كان له أثره الواضح في عبور الأخطار ومجابهة التحديات. شاركت السعودية مصر الوعي بضرورة النهوض السريع من نكسة 1967 التي لم تكن تستهدف النيل من كرامة مصر وحدها، بل كانت تهدف إلي كسر الكبرياء العربية كلها، حتي لا تفكر في مجابهة إسرائيل، التي زرعها الغرب الاستعماري خنجرًا في خاصرة المنطقة العربية، وكيانا وظيفيا شرها خئونا، تتمثل مهمته المقدسة في إشاعة جو من التوتر وعدم الاستقرار الذي يعوق أي تقدم مأمول أو إسهام حضاري فاعل يُنتظر من مصر والعرب والمسلمين في العصر الحديث. وسرعان ما جاء نصر السادس من أكتوبر المجيد في 1973، صفعة قوية مدوية للغرب ووكيله الوظيفي إسرائيل. وكان موقف المملكة العربية السعودية أساسيا ومشهودًا في هذه الحرب، حين استخدمت سلاح البترول ضد الغرب، دعما لمصر في حربها ضد الكيان الصهيوني الشائه. وقفزًا إلي الحاضر الراهن، جاءت مواقف الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله قوية عروبية ناصعة، لا مواربة فيها، إلي جانب مصر لما تعرضت له عقب ثورتها العاتية التي اقتلعت حكم المرشد وجماعته في 30 يونيو، حينها تعرضت مصر لضغوط أمريكية وأوربية عاصرة، ضاغطة، رهيبة، لأن الأوربيين والأمريكان وضعوا كل البيض في سلة الإخوان، ولم يكونوا يتوقعون تحطمه كله دفعة واحدة بزوال دولة الإخوان بهذه السرعة المباغتة، ويفشل مخطط تقسيم المنطقة بمثل تلك الضربة المفاجئة المذهلة العنيفة. آنئذٍ وقف الملك عبد الله بن عبد العزيز في وجه الغرب وأمريكا والقوي الإقليمية التابعة لها مثل قطر وتركيا وغيرهما إذ كانوا جميعا قد ضبطوا بوصلة مصالحهم علي الإخوان وحكمهم في مصر.. وقف الملك عبد الله موقفه التاريخي العظيم المساند لثورة 30 يونية، ذلك الموقف الذي لن تنساه له مصر التي لا تنسي من يقف إلي جانبها في الشدائد.. حين أصدر بيانه القوي الشهير ببيان أغسطس 2013، الذي وصف فيه من أرادوا التدخل في شئون مصر الداخلية من الخارج بأنهم يوقدون الفتنة. ودعا كل العرب إلي الوقوف ضد محاولات زعزعة أمن مصر 'وضد كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء'. وأعلن في بيانه آملاً ومحذرًا بأن 'مصر ستستعيد عافيتها'، ومؤكدا أن 'السعودية شعبا وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشئون مصر الداخلية وعزمها وقوتها وحقها الشرعي في ردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر'. في إشارة إلي جماعة الإخوان المسلمين التي تتزيا برداء الدين لإخفاء أغراضها السلطوية الدنيوية.. ولم يكتف الملك عبد الله بالكلام إزاء الخطر الماثل الذي تجسده جماعة الإخوان المسلمين علي مصر وعلي المنطقة بأسرها، فسرعان ما أردف الأقوال بالأفعال حين أصدرت المملكة العربية السعودية في فبراير 2014 قرارًا تاريخيًا بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ووضعتها علي قوائم الإرهاب، بل وجرّمت رفع شعار رابعة. وحين اتخذت قطر موقفا معاديا من ثورة 30 يونية ووصفتها تبعية وعمالة ووكالة بأنها انقلاب عسكري، أقدم الملك عبد الله ومعه كل من الإماراتوالبحرين علي موقف عملي حاسم من قطر فقاموا جميعا بسحب سفرائهم من دولة قطر في مارس 2014 كخطوة أولي تردفها خطوات تصعيدية أخري إذا ما أصرت قطر علي موقفها المزيف للحقائق، وهو ما أسفر عن استجابة قطر مكرهة للمصالحة مع مصر استجابة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين، الذي سعي إلي تنقية الأجواء بين مصر وبعض الدول العربية الشاردة الجانحة، ومرددًا في كل وقت: 'لا غني للعرب عن مصر ولا غني لمصر عن العرب'. مصر والسعودية معًا هما حجر العثرة الذي سيعطل عجلة المخططات الغربيةالأمريكية الرامية إلي تغيير خريطة المنطقة العربية وتقسيمها بما يتلاءم مع مصالحهم ومصالح وكلائهم الشرق أوسطيين إسرائيل وتركيا وقطر.. ومصر والسعودية أيضا هما اللتان ستطامنان من غلواء الطموح الإيراني المتعاظم لالتهام منطقة الخليج وسعيها المحموم إلي النفوذ فيها عبر توسيع رقعة حلفائها الطائفيين والأيديولوجيين في المنطقة: حزب الله في سوريا ولبنان، وحماس في فلسطين، والحوثيين في اليمن، وشيعة العراق وشيعة السعودية وشيعة البحرين، الذين تجعل منهم إيران جميعًا وقود حربها الباردة الطائفية القادمة وأذرعها العابثة بأمن تلك الدول لزعزعة استقرارها وتقسيمها وما ضياع العراق الذي قدمته أمريكالإيران علي طبق من فضة، وانزلاق اليمن السعيد إلي حافة هاوية الفوضي والفشل والضياع، إلاّ نذير شؤم يهيب بالجميع أن أفيقوا وتحركوا وتصدوا قبل أن تتسع الهاوية للجميع!!