يعتبر طائر القبرة من مرتبة العصفوريات ويوجد منه أنواع كثيرة بالعالم، يبدأ طوله من 15سم: 20سم ويتراوح لونه ما بين البني والأبيض أو بلون التربة الموجود عليها وبخاصة التربة السمراء المحيطة بدلتا النيل في مصر، وله مسميات عديدة فالاسم العربي طائر القبرة وفي أماكن عربية أخري بالزرعي، وأخري بأم سالم وأخري في شبه الجزيرة العربية بالمكاكي، وفي البادية بملهي الرعيان لأنه كان يلهي الرعاة عن أغنامهم لطمعهم في الإمساك به وفي الأماكن الزراعية بقبرة الغاب وفي الأردن بقرقز، وأكثر الأنواع الموجودة في بيئتنا القبرة الهدهدية أو القبرة المتوجة بسبب ما يوجد علي رؤوسها من ريش يشبه القرون الصغيرة ويسمي قنزعة تنصبها وقتما تشاء إضافة أن للقبرة أصابع أقدام خلفية طويلة ذات مخالب مستقيمة علي عكس كثير من الطيور، وتعيش القبرة في الأماكن المكشوفة كالصحراء والحقول العشبية، وتشتهر بالقفز والتغريد عند الطيران وتعتمد في غذائها علي البذور والحشرات وتبني أعشاشها علي الأرض علي شكل كأس من الحشائش أو الشعر بجوار النباتات، وتضع الإناث ما بين بيضتين إلي سبع بيضات وتفقس خلال 11: 14 يوم، ومن صفات القبرة أنها تميل إلي الوقوف كثيرا علي الأرض دون الأشجار وتطير بنسب قليلة صعودا وهبوطا كالهدهد، كما أن خطواتها المتعرجة تجعلها في نظر الناس كالعرجاء وهو ما يشجعهم إذا ما رأوها للطمع في الإمساك بها. وهذا الطائر الجميل بلونه المنقط وصوته المتقطع كنا نراه عندما كنا صغارا عندما كنا نذهب إلي الحقول وبخاصة في شهر مارس ثم بدايات الربيع وكان يتنقل بالقرب منا بجوار جداول المياه الصغيرة التي تنقل الماء للحقول وكان ينمو علي جانبيها الحشائش التي تتوسطها زهور جميلة ومتنوعة الألوان لأنها من الأنواع التي تنمو عشوائيا في هذا الوقت وهي لا تتواجد الآن بسبب تلوث المياه، وكان هذا الطائر يتحرك نحونا وكلما انجذبنا له وطمعنا في الإمساك به لمنظره الأخاذ ورأسه المليئة بالأسرار فكان يسحبنا لأماكن بعيدة دون أن نمسك به مما كان يعارضنا لهجوم ونهر الفلاحين في أراضيهم، وأحيانا ما كنا نري أعشاشه التي تحتوي علي البيض ونتركها تأثرا بحكايات الحيوان في كتب المطالعة في هذا الوقت. طائر القبرة في الأدب والقصص الشعبي العربي والعالمي : لهذا الطائر مكانة خاصة في الآداب العالمية وكتب التراث وكتب الرحالة والمستشرقين ويوجد اسمه بكثرة في القصص والسير الشعبية والأساطير العربية ومنها أنه يقال أن طائر القبرة كان سببا في حرب البسوس التي دارت بين قبيلة بكر وتغلب وذلك أن كليب بن ربيعة التغلبي دخل حماه فوجد قبرة علي بيضها فخافت فقال لها أمني روعك أنت وبيضك في ذمتي فدخلت ناقة البسوس إلي الحمي فكثرت البيض وعندها رماها كليب في ضرعها حتي وثب جساس علي كليب فقتله ثأرا لخالته البسوس حتي اشتعلت الحرب 40 عاما بين القبيلتين مما يدل علي أن الطيور لها أهمية كبري في عالم العلم والأدب من حيث الوصف والتصنيف والنثر والشعر وغيرها، وبعضها له حضور في كتب التراث العربي والعالمي كما يري أسعد الفارس في دراسة له في مجلة الكويت الذي يري أن القبرة أخذت اسمها من التاج أو القنزعة من الريش فوق رأسها ويري أن القبرة قد وصفها الكثير من الرحالة العرب والأجانب الذين ارتحلوا في البيئات العربية وصحرائها ورصدوا العديد من أنواعها وطباعها وكانت ملهمة لكثير من الشعراء والأدباء، كما يوجد لها حكمة علي شكل قصة مروية في الأدب الفرنسي ونظيرها في الأدب العربي والعصر العباسي بعنوان القبرة والصياد ومفادها أن قبرة وقعت في يدي صياد وعندها قالت له لن يشبعك لحمي اتركني مقابل إعطائك ثلاث نصائح الأولي قالت له لا تصدق ما يقال لك ثم تركها فقالت له لو ذبحتني لوجدت في حصالتي 20 مثقالا من الذهب فندم وشج رأسه فقالت له كيف تصدق أن في حصالتي الصغيرة هذا الوزن ثم أتبعت النصائح الأخري له ولكن في غير وقتها لأنه لم يتعظ، ويري الأستاذ عيسي حسن الجراجرة في دراسة له في الأردن أن القبرة تسمي المكاء بضم الميم والكاف المشددة ويراه في دراسته أنه من فصيلة القنابر وأنه يهاجر في فصول معينة ويأتي إلي بلداننا العربية ويتميز بصفيره الحسن ولا يطير إلا إذا دعته الضرورة وهو يستأنث بالإنسان، وبسبب صفيره سمي بالمكاء، ومكاء أي صفر ومنه تفسير قول الله تعالي في القرآن في سورة الأنفال ' وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ' لأنهم كانوا في الجاهلية يطوفون البيت الحرام عراه ويصفرون بأفواههم ويصفقون بأيديهم، ويقال أيضا في كتب التراث بأن الكلاب تفزع من صفير المكاء الذي يشبه الأنين، كما يقال أيضا من خلال ما كتب عن الحكايات عن الحيوان وفي كتب التراث العربية العظيمة بأن هناك عداوة كبيرة ومتأصلة بين المكاء أي القبرة والحية بسبب أن الحية دائمة الاعتداء علي أعشاشها وأكل بيضها، وهناك الكثير من الحكايات الطريفة عند الجاحظ تحمل الكثير من المعاني والعبر، وقد دخلت القبرة كثيرا في الكثير من المؤلفات ويعرف لسان العرب بالمكاء فيقول ' المكاء ضرب من الطير من فصائل القبرة ويسمي مكاء لأنه يجمع بين يديه ثم يصفر صفيرا حسنا ' ويقول مؤلف كتاب طيور مصر أن المكاء من طيور الصحراء ذو صفير جميل ويحلو سماعه فيها، وهو آيد من أوابد الطيور وبيضه أبيض به بقع بنية ويطير صعود وهبوط ويشبه الهدهد في طيرانه، وفي عجائب المخلوقات أن المكاء طائر من طيور البادية ويبني أعشاشه من العوسج ويبيض تحت النباتات الصحراوية، ولا ننسي قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي عن هذا الطائر بعنوان رأيت في الرياض قبرة التي ألفها للأطفال ضمن حكاياته وأشعاره التي صاغها علي لسان الطير والحيوان من أجل التعلم وهي من القصائد الجميلة التي تطلب التأني والصبر من أجل التعلم وكانت مقررة علي طلبة المدارس الابتدائية في القرن الماضي ناهيك عن الكثير من الأشعار والحكايات والكلمات التي استخدمت هذا الطائر في الكثير من مضامينها يمكن الرجوع إليها بتعمق. لقد اختفي هذا الطائر ولم نعد نراه في بيئتنا كعهدنا برؤيته في مواسمه في الماضي كما اختفي معه الكثير من طيور وحيوانات ونباتات وأشجار البيئة المصرية التي كانت أصيلة في حياتنا كما اختفت الكثير من المعاني والقيم والعادات الأصيلة التي تربينا عليها في مجتمعنا ومنها حب الوطن الذي يعتبر من حب الله، ولم ننشغل أو نحرك ساكنا تجاه سر هذا الاختفاء لتلك المعاني والأشياء الجميلة من حياتنا وهو ما يمكن أن يقضي في المستقبل علي كل جميل تبقي في حياتنا وإرثنا المادي والثقافي والقيمي والبيئي الم نتحرك لنبحث عن سبب اختفاء ذلك.