وعرضت صفحة 'محاولة لفهم المخطط الأمريكي' علي موقع التواصل صورة لمقال بقلم سيد قطب بعنوان 'لماذا صرت ماسونياً؟'. وجاء نص مقال سيد قطب كالآتي: كثيراً ما تمر علي المرء سويعات يحلو له فيها أن يخلو إلي نفسه، إما مسترسلاً في الذكري أو تائهاً في بيداء الفكر، لا يكاد يبدأ من ناحية ما حتي ينتهي إلي أخري، وهكذا دواليك يظل متجولاً بفكره بين جنبات الماضي، متطلعاً إلي ميادين المستقل، فإما حسرة وأسي علي ما ولي وانقضي، وإما ابتسامة رضي وقنوع بما فات وانصرم، ويلتقي هذا وذاك مع نظرة إلي المستقبل الغامض فيها أمل ورجاء لكن دون إسراف أو مبالغة. كان ذلك منذ أيام حين تجاذبتني هذه العوامل وغمرتني لجة تلك الأحاسيس فكان أول سؤال قفز أمام عيني، وتجسم حتي طغي علي من دونه، ذلك السؤال 'لماذا صرت ماسونياً'، حاولت من هذا السؤال خلاصاً بل من هذا الأمر فكاكاً، إذ لست ابن بجدتها ولست فارس ذلك الميدان، ولكن ذهبت محاولاتي أدراج الرياح فتوقفت لحظة بل لحظات حتي نسيت نفسي ونسيت أن هناك إجابة معلقة علي أن أؤديها، ثم لم ألبث حتي عجبت من أمر نفسي وساءلتها لم هذه الحيرة وهذا التردد؟ فأجابتني السؤال سهل وميسور والجواب من القلب للقلب، فعرفت عندئذ أني صرت ماسونياً لأنني أحسست أن الماسونية بلسماً لجراح الإنسانية، طرقت أبواب الماسونية لأغذي الروح الظمأي بالمزيد من الفلسفة والحكمة، ولأقتبس من النور شعلة بل شعلات تضيء لي طريق الحياة المظلم، ولأستمد قوة أحطم بها ما في الطريق من عراقيل وأشواك، ثم لكي أكون مجاهداً مع المجاهدين وعاملاً مع العاملين. لقد صرت ماسونياً، لأنني كنت ماسونياً، ولكن في حاجة إلي صقل وتهذيب، فاخترت هذا الطريق السوي، لأترك ليد البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل، فنعمت اليد ونعم البنائين الأحرار. عرفت أن الماسونية ليست مبدأ أو مذهب يعتنق، وإنما هي الرجولة والإنسانية التي تدفع بالإنسان إلي عمل الخير دون وازع ألا وازع من وجدانه وضميره، هي روح عالية نبيلة تسمو بالإنسان عن الصغائر وتنزهه عن الترهات والسفاسف، هي المثل الأعلي لكل من ينشد كمالاً أو يبغي رفعة ومجداً، هي الفضيلة التي تنطوي علي أسمي المعاني وأشرف المقاصد وأنبلها، هي مبدأ الكمال ومنتهاه. ليس الماسوني من أجريت له المراسيم بذلك واكتسب هذه الصفة في هذا الطريق، وإنما الماسوني من يعمل ولكن في صمت دون ضجة أو إعلان، هو من يفتح قلبه للجميع يتساوي لديه في ذلك الصغير والكبير، هو من يواسي ذلك الذي تجهم لهم له الدهر وعبس، ويمد يده لمن تنكب له الزمان وقسا، هو من يذرف الدمع علي البؤس والبؤساء ويبكي علي الأشقياء والشقاء، هو من يعمل الواجب لأنه واجب، والخير لدواعي الخير، دون أن يبغي من وراء ذلك جزاء أو يطمح لنيل مطمح، هو من ليس له حق وإنما عليه واجب. الماسونية هي الوحدة التي تجمع بين مختلف الأديان ولا تعرف للتحزب معني، ولن تجد لكلمة التعصب مكاناً في شرعها، هي التعويذة السحرية التي تؤلف بين القلوب جميعها في أقصي الشرق أو أدني الغرب، هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع، الصغير منهم والكبير أن يتصافحوا مصافحة الأخ لأخيه، ويجلسوا جنباً إلي جنب، دون نظر إلي فارق اجتماعي أو مركز أدبي، ولا غرو في ذلك إذ أن دعائمها وأسسها مشيدة علي الحرية والإخاء والمساواة، فما أعظمها دعائم وما أقواها من أسس وما أبذلها من مبادئ. وأخيراً لقد اطمأن قلبي بعض الشيء، وهدأت نفسي عن ذي قبل، وارتاح ضميري، ولكنني ما زلت أشعر لأني ما زلت المقصر المذنب في حق أنبل وأسمي مبدأ إنساني واجتماعي، ولكن عذري في ذلك واضح ملموس، ما زلت في مبدأ الطريق وسأترك للأيام والأيام وحدها أن تحقق أمنيتي فأنعم بأداء الواجب كاملاً غير منقوص، ولعلي أكون بهذا قد أرضيت نفسي، فعرفت لماذا صرت ماسونياً.