بينما اتجهت المعارضة والحكومة في السودان إلي تبادل التصعيد الكلامي في مؤشر علي بداية صراع أشد حدة بينهما، نجح لقاء جمع الرئيس عمر البشير بزعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي الذي يمثل الجسم الأكبر في المعارضة، في تأجيل بداية الصراع الحقيقي لفترة ربما تمتد لأشهر أخري قادمة. وجاء اللقاء -الذي لم بعلن عنه مسبقا- بين أكبر قوة معارضة ونظيرتها في السلطة قبل ثلاثة أيام من موعد خيّر فيه الصادق المهدي حزب المؤتمر الوطني الحاكم بين تشكيل حكومة قومية انتقالية لإدارة البلاد عقب الإعلان الرسمي لانفصال الجنوب، أو الانضمام إلي الفريق الداعي لإسقاط الحكومة، أو اعتزال السياسة. ورغم استغراب بعض القوي السياسية المتحالفة مع حزب الأمة للخطوة التي وصفها بعض منها بغير الموفقة، فإن قوي أخري تري ضرورة التمسك بحزب الأمة كعنصر لا غني عنه ولو كان ذلك بثمن باهظ للاستقواء به علي خصم مشترك هو حزب المؤتمر الوطني. وبينما لم يفصح الحزبان 'الأمة والوطني' عن كافة ما تمت مناقشته بينهما وما إذا تم تقديم عرض سخي للأول للمشاركة في الحكومة، رأي محللون أن ما خفي أكثر مما أعلن. فالناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين أكد أن جميع مكونات قوي الإجماع الوطني ملتزمة ببرنامج معين هو تشكيل حكومة قومية تحضيرا لدستور انتقالي يحل محل الدستور الحالي. وقال إن البلاد ستشهد واقعا جديدا بعد انفصال جنوب السودان، "وبالتالي ليس من الممكن بقاء ذات الواقع الذي أدي إلي الانفصال وتمزيق السودان". غير أنه أشار إلي إمكانية كل حزب في ممارسة عمله المستقل وممارسة نشاطاته السياسية الأخري، مبديا أمله في ألا يكون قد خرج اللقاء عن مبادئ الرغبة العامة في التغيير. ونفي حسين في حديثه للجزيرة نت علم التحالف بخطوة حزب الأمة، "لكن رغم ذلك يظل الأمة هو القوة الأكبر التي لا غني عنها في الوقت الحالي". أما عبد الله حسن أحمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي ورغم نفيه وجود تنسيق بين قوي المعارضة وحزب الأمة حول الخطوة، أكد أن الجميع كان يأمل جماعية الفعل والقول وألا تكون منفردة حتي يأتي ما يطرحه التجمع متوافقا مع الكل. واستبعد حسن أحمد رفض قوي المعارضة لمبادرة المهدي "رغم أن الحكومة كيفت اللقاء لمصلحتها بالإيحاء بأنها تمكنت من التوافق مع حزب الأمة كأكبر قوة سياسية في المعارضة". وقال للجزيرة نت إن لقوي المعارضة برامج مطروحة ومعروضة علي الحكومة، مشيرا إلي عدم استعداد المعارضة لخسارة أي عضو فيها لنشاطه خارج الإطار الكلي للتحالف. لكن الخبير السياسي حسن مكي قال إنها خطوة في إطار التحولات الكبيرة التي ستشهدها البلاد نتيجة انفصال الجنوب وخروج الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تمثل المعادلة السياسية في الحكم، ليصبح من الضروري وجود جسم شمالي ذي ثقل من القوي التقليدية التي ما تزال محتفظة بأحجامها لموازنة الكفة في الحكومة. ولم يستبعد مكي في تعليقه للجزيرة نت أن تكون الحكومة قدرت استحالة التلاقي أو التوافق مع المؤتمر الشعبي علي الأقل في الوقت الراهن، مشيرا إلي سعي الحكومة لقطع الطريق أمام المؤتمر الشعبي باعتقال زعيمه حسن الترابي وإبعاده عن حزب الأمة. وقال إن الصادق المهدي "يريد أن يماشي كل الاحتمالات بترك كافة الأبواب مشرعة" لربما تنجح إحداها في تخطي حالة التباعد الحالية بين مكونات السياسة السودانية. *المصدر: الجزيرة