يبدو أن تركيا ستظل رهينة في أيدي رجب طيب أردوغان بعد أن استطاع من خلال رئاسته لحزب العدالة والتنمية ورئاسته للوزراء خلال دورتين متتاليتين أن يسيطر علي مفاصل الدولة وأن يجعل من نفسه دكتاتورا ووصيا علي المؤسسات التركية وبخاصة المؤسسة العسكرية بعد تقليصه من قوة الجيش التركي والتقليل من نفوذه وصلاحياته، ثم هيمنته علي مؤسسة الشرطة والقضاء والإعلام وتوظيف تلك المؤسسات لصالحه وصالح مستقبله السياسي الذي خطط له بحنكة واقتدار، وتمكنه مؤخرا من توجيه تهم الفساد التي وجهت لحكومته إلي معارضيه حتي نجح في استمالة الشارع التركي باعتماده علي حجة تعرضه دائما لمؤامرات داخلية وخارجية عملت علي النيل منه للقضاء علي مشروعه السياسي، وقد نجح بالفعل أردوغان في تحقيق حلمه بعد نجاحه ووصوله إلي الحكم، والتغلب علي كل خصومه السياسيين في الداخل والخارج بعد أن عملت كل تلك الظروف لصالحه برغم الكثير من الانتقادات التي وجهت إلي حكومته لمزاوجته في حكمه ما بين الدين والسياسة، وإلي مشروعه الإخواني لتكوين خلافة إسلامية علي حساب دول الجوار بعد تدخله السافر في شئون تلك الدول، وتورطه بمساندته للتنظيم الإرهابي الدولي بتنظيماته المختلفة في العراق وسوريا وليبيا بالتعاون مع قطر للعمل وفق مصالح وأجندات أمريكية وصهيونية، إضافة إلي انتكاساته الخارجية بعد فشله رغم تنازلاته لإرضاء الغرب لنيل عضوية انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الانتقادات الداخلية لسوء إدارة حكمه السلطوي في تركيا في الكثير من المواقف التي سجلتها المعارضة التركية عليه وبخاصة فضائح الفساد التي وجهت لحكومته من جانب جماعة فتح الله جولان التي يعتبرها أردوغان كيانا موازيا متغلغلا في مؤسسات الدولة ويعمل علي الإطاحة به وبمستقبله السياسي، إلا أنه استطاع برغم تلك السقطات أن يعتمد في خططه التنموية والاقتصادية علي حزب العدالة والتنمية بسبب شعبية الحزب وانتشاره وتأييده بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي استفادت من الحزب وهللت لأفكاره وشعاراته وحققت له الأغلبية والفوز في الكثير من الانتخابات التي شهدتها تركيا منذ توليه لرئاسة الوزراء عام 2003. والأهم من ذلك هو أن أردوغان استطاع أن يكسب ود رئيس الدولة عبد الله جول، وأن يهادن حزب العمل الكردستاني ويحقق له بعضا من مطالبه، كما استطاع كسب ثقة وتأييد الوزارات السيادية وبخاصة وزارة الخارجية عندما عمل وزير خارجيته داوود أوغلو وفقا لمخططاته وطموحاته وأسلوب تعامله مع الدول منذ توليه لمنصبه عام 2009 ومن قبلها عندما عمل مع أردوغان كمستشار دبلوماسي له, ولهذا فإن اختياره الآن لداود أوغلو كرئيس للحكومة ورئيس لحزب العدالة والتنمية كان متوقعا ليصبح هذا الرجل بكل مقوماته المعروفة له سلفا خليفته خلال رئاسته للدولة ليضمن ولاءه خلال المرحلة المقبلة ليعمل وفق أجندته وأجندة الحزب استعدادا للانتخابات البرلمانية في العام المقبل لضمان حصول الحزب علي الأغلبية البرلمانية ليتسني لأردوغان إجراء تغييرات جوهرية بالدستور التركي تتعلق بتحويل نظام الحكم من نظام برلماني إلي نظام رئاسي لإعطاء صلاحيات كبيرة لرئيس الدولة وعندها يصبح الوصي الوحيد علي تركيا، ومع فرضية تحقيق أردوغان لهذا الحلم يري الكثير من المحللين والخبراء السياسيين في تركيا والعالم أن تلك الشخصية وما تملكه من مقومات عارضة ومتقلبة لا يمكن أن يطول مستقبلها السياسي لأنها مقومات ضعيفة ومرضية, ووجود نقائص في شخص ما علي هذا النحو لا يمكن أن تخلق قائدا أو زعيما وبخاصة في بلد علماني متعدد الاتجاهات والثقافات والاثنيات كدولة بحجم تركيا, وبرغم تصور أردوغان أنه صاحب مشروع إحياء الخلافة الإسلامية بالمنطقة إلا أن مشروعه قد باء بالفشل في الكثير من الدول المجاورة، وإن كانت فكرته قد لاقت نجاحا وإقبالا من جانب البيئات والطبقات الكادحة في تركيا وقلة من نظائرها في بعض البلدان المجاورة وهذا يعتبر في حد ذاته غير كافي لتحقيق حلمه، كما يري المحللون الآن عدم تغيير جذري في سياسة تركيا الداخلية والخارجية أو النهوض بها بأكثر مما هي عليه الآن ويرجعون سبب ذلك إلي وجود نفس الشخصيات السياسية الحاكمة واستمرارها مع فارق وجود تغيير الأدوار فقط، وعندها فإن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلي الجمود لاستمرار نفس السياسات والتوجهات التي اتبعها أردوغان من قبل بل ولربما زادت الأمور تعقيدا وظلامية في مستقبل تركيا عندما يصبح أردوغان المهيمن علي كل السلطات في تركيا بعد ضمانه لولاء داوود أوغلو وحكومته التي يفترض فيها أن تمضي قدما علي نهجه في محاربة الأحزاب العلمانية، ثم تصديه للكيان الموازي المتمثل في جماعة فتح الله جولان، وإيجاد حل ملائم للقضية الكردية، والحفاظ علي وحدة وقوة الحزب الحاكم، والحفاظ علي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي تم تحقيقه خلال حكومة أردوغان لضمان شعبية الحزب، ومحاولة الانضمام للاتحاد الأوروبي للحفاظ علي ماء الوجه وهو ما وعد به أوغلو خلال كلمته القصيرة التي أعلن فيها استحقاقاته ومشاريعه المقبلة بعد تسلمه لمهامه الجديدة في 27 أغسطس الجاري وقبل يوم من استلام أردوغان لمهامه الرئاسية. وينظر المحللون إلي إمكانية حدوث ضعف واختراق لحزب العدالة والتنمية تأثرا بغياب أردوغان وفي نفس الوقت بسبب فشل سياسة داوود أوغلو في سياسته الخارجية أثناء عمله كوزير للخارجية بعد أن ساءت العلاقات التركية مع الكثير من الدول المجاورة بعد تجاوز تركيا للخطوط الحمراء وتورطها في التدخل في شئونها، وهي الأهداف التي كان يسعي إليها أردوغان وأسهم فيها أوغلو بشكل كبير مما يثبت ضعفه وقلة خبرته وتبعيته لتوجهات أردوغان، وقد انتقدت المعارضة التركية قرار تعيين أوغلو ورأت أن الأوضاع ستزداد سوءًا في المستقبل، ويضاف إلي ذلك أن تركيا سجلت تراجعا كبير في عهد أردوغان وأوغلو علي مستوي السياسة الخارجية عندما لم تسجل تركيا نقاط تذكر في العديد من القضايا الدولية الهامة ومنها العدوان الإسرائيلي علي غزه, وما يحدث في العراق وسوريا وليبيا, وما يحدث في أوكرانيا، وحتي في عدم قدرة أوغلو في تحرير الرهائن ال49 المختطفين في الموصل وغيره من الملفات القضايا الدولية التي غابت عنها تركيا التي يبدو أنها ستستمر علي نفس النهج وتعمل لصالح وتوجهات أردوغان الخاصة به وبحزبه علي حساب المصالح الإستراتيجية والدولية لتركيا وهو ما سيجعل العلمانيون وقوي المعارضة ورجال الجيش بتركيا مع مواقف الدول الرافضة لسياسته بالتعجيل بالتخلص من نظام حكمه ومشروعه الأردوغاني قريبا .