سيجد الشخص نفسه مجبرا لدفع ضعف الثمن الذي كان يشتري به البنزين في مدينة بنقردان الحدودية التابعة لمحافظة مدنين ' جنوبتونس' فالصراع القائم بين الجماعات المسلحة في ليبيا انعكست تبعاته ''إيجابا'' علي تجارة البنزين المهرب في المدينة من خلال الإقبال المتزايد علي شرائه من قبل الليبيين خاصة. وانتشرت دكاكين بيع البنزين المهرب في كل مكان في مدينة بنقردان التي انتفع أصحابها من تدهور الوضع الأمني في ليبيا. وتتصاعد حدة الأزمة السياسية والأمنية والعسكرية التي تعيشها ليبيا منذ اندلاع شرارة الاقتتال المسلح بين عدد من الفصائل المسلحة المتنازعة علي فرض السيطرة بقوة السلاح في مناطق استراتيجية، ولا سيما في مدينتي بنغازي 'شرق'، حيث يقود حفتر عملية ضد كتائب إسلامية مرتبطة برئاسة الأركان، والعاصمة طرابلس، حيث تخوض كتائب صراعا علي السيطرة علي مطار طرابلس. ويقبل الليبيون بشكل مكثف علي هذه الدكاكين بعد أن فُقِد البنزين في بلد نفطي أصبحت فيه الجماعات المسلحة تسيطر علي أبار النفط. ومع تجدد الاشتباكات بين الميليشيات المتناحرة في المنطقة شب حريق في خزانات وقود قرب مطار طرابلس الدولي الذي خرج عن السيطرة نتيجة هجمات صاروخية أدي إلي إتلاف أكثر من 10 ملايين لتر من مشتقات البنزين استنادا لتقارير إعلامية ليبية. شكري، شاب تونسي، 28 عاما، من سكان مدينة بنقردان، حاصل علي شهادة جامعية ويعمل بائعا للبنزين المهرب قال لوكالة الأناضول انتعاشة كبيرة شهدها سوق بيع البنزين، حيث ارتفع سعر النفط والبنزين في ظرف أسبوع منذ بداية الأحداث في ليبيا إلي الضعف، إذ كان سعر النفط قبل بداية الأحداث في حدود 16 أو 17 دينار'1دولار= 1.72' للقالونة الواحدة ' 20 لترا ' وأصبح يتراوح اليوم بين 30 و 35 دينار، أما البنزين فكان سعره قبل الأحداث في حدود 14 دينارا أما اليوم فيتراوح بين 24 دينار و 25 دينار'. وتابع شكري: 'سبب ارتفاع أسعار النفط والبنزين هو الإقبال الكبير لليبيين، وانعكس اتجاه تجارة البنزين فمن قبل كان يأتينا من ليبيا لنبيعه هنا أما اليوم فنفس هذا البنزين نبيعه إلي الليبيين'. ويضطر الليبيون لشراء البنزين بأغلي الأثمان لأن معظمهم يستعمل السيارات عند الدخول إلي تونس، تجارة العملة أو ما يصطلح علي تسميته هنا في بنقردان بتجارة 'الصرف'، هي سوق سوداء قائمة منذ سنوات لبيع العملة رغم أن تجار العملة لا يحبذون هذه التسمية فهم يعتبرون أنفسهم مجبرين علي هذه 'الحرفة' بعدما انعدمت فرص العمل في مجالات أخري علي حد قولهم. وتشهد هذه التجارة انتعاشة في ظل تأزم الأوضاع في ليبيا ويشهد الدينار الليبي تذبذبا في أسعاره كل يوم مقارنة بالدينار التونسي أو ببقية العملات الأخري. وقال أحد تجار الصرف فضل عدم الكشف عن هويته في حديثه لوكالة الأناضول: 'يشهد سعر الدينار الليبي تذبذبا هذه الفترة، أما المقياس فهو حالة الوضع الأمني الذي تعيشه ليبيا كل يوم وبحسب عدد الداخلين إلي تونس عبر معبر رأس جدير الحدودي'. ولم يتسن الحصول علي موقف رسمي حول السوق السوداء للعملة في 'بنقردان'، لكن محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري، قال في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول: 'ليست لنا أرقاماً محددة 'يقصد حول حجم التعاملات في هذه السوق' ونعتقد أن النسبة ليست كبيرة وليس لها تأثير علي الاقتصاد'، مشيراً إلي أن قيمة الصرف في السوق هي نفسها في البنوك التونسية. ويتّجه معظم الليبيين منذ خروجهم من معبر رأس جدير الحدودي إلي جزيرة جربة الساحلية ' قرابة 120 كلم علي الحدود التونسية الليبية' إلي الفنادق الموجودة هناك أو استئجار شقق مفروشة يعدها أصحابها للعائلات. وبسبب الإقبال المكثف لليبيين علي هذه الشقق ارتفعت أثمانها مقارنة بالأيام الماضية ويبلغ سعر الليلة الواحدة بالنسبة للبيوت العائلية بين 80 الي130 دينارا '50 إلي 70 دولار' بعد أن كان في حدود 60 دينار إلي 100 دينار. وبحسب تصريحات جمعها مراسل وكالة الأناضول لبعض الليبيين النازحين إلي جزيرة جربة فإن الوضع يختلف كثيرا بين الأزمة التي يعيشونها الآن وبين ما كانوا قد عاشوه في ثورة 17 فبراير الليبية. وقال عمر 'أب ل 5 أبناء' 'اضطررنا لاستئجار بيوت هنا بأسعار مرتفعة بعض الشيء ونحن نقدر ونعلم هذا مسبقا ولكن المشكلة أن المصارف مغلقة في ليبيا وليس لدينا سيولة كافية لدفع معلوم الكراء 'قيمة الاستئجار' والمصاريف لفترة ما بعد ال3 أشهر الأخري'. وقال أحمد يعمل موظفا في وكالة أسفار تونسية مخصصة للعمل مع الليبيين 'الوضع مختلف هذه السنة، في السابق كان الليبيون يأتون إلينا ويقولون نحن نبحث عن نزل ولا أشكال في الأثمان أما اليوم فهم يطلبون النزل التي أسعارها منخفضة بعض الشيء لأنهم لا يحملون معهم مبالغ كبيرة'. وأضاف: 'المشكل أن كل النزل ممتلئة في شهر أغسطس وليس بالأمر الهين حتي في الظروف العادية أن تجد مكانا لليبيين في هذا الوقت في أحد النزل، إضافة إلي أن العديد من أصحاب النزل يرفض استقبال الليبيين نظرا للاختلاف في المستوي الاجتماعي والثقافي مع الأجانب من الجنسيات الأوربية والمشاكل التي تسببوا فيها سابقا'.