اذهل السقوط السريع للجيش العراقي، المراقبين وجاء مشهد آلاف الجنود والضباط وهم يساقون أمام المسلحين، هربًا من الموصل وسامراء ونينوي وغيرها من المدن والمحافظات ذات الغالبية السنية، ليثير علامات استفهام كثيرة، حول هذا تبادل الاتهامات بين محافظ الموصل ثاني اكبر مدن العراق بعد بغداد وعدد من قادة الجيش، حول صدور تعليمات بالانسحاب وتخاذل وتسليم من قادة الجيش، ظهرت حقيقة واحدة وهي ان الجيش الذي انفق الامريكان علي تسليحه 15مليار دولار وفقا للمساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي لاري كورب، قد سقط خلال ساعات امام مسلحين غير محترفين من قوات الدولة الاسلامية في العراق والشام، داعش، ومقاتلين من ثوار العشائر ومنتسبين للجيش العراقي المنحل، علي الرغم من ان هذه المدن كانت تضم قوات النخبة العراقية ومزودة باحدث ما انتجته الآلة العسكرية الامريكية، وكانت اخر صفقات التسليح الامريكي للعراق التي اعلن عنها في مايو الماضي قد اشتملت علي 43 مروحية مزودة بأجهزة حديثة للتصوير والتوجيه ودقة الاصابة، و 24 طائرة حاملة للقنابل، و200 مركبة مصفحة من نوع هامفي، وفي المقابل انتصر المسلحون بلا طائرات او اسلحة حديثة. ومع إنهيار جيشه انكشف عن وجه نوري المالكي، القبيح قناع القوة وانهارت تماما مخططات صناعة بطل شيعي يسعي لحكم العراق بالحديد والنار، فالمالكي، الذي يتلقي دعما عسكريا ولوجستيا من امريكا لحراسة النفط وتفكيك العراق، لجأ إلي الهيمنة علي كل مؤسسات الدولة حيث انهي وجود مؤسسة الرئاسة مستغلا اعتلال صحة الرئيس جلال طالباني وعجزه عن العمل وتلفيق الاتهامات لنائبه طارق الهاشمي الذي هرب وترك له البلاد وقام بضم الميليشيات الشيعية المسلحة التي تدين له بالولاء إلي الجيش والاجهزة الامنية مما جعله القائد الفعلي لجميع المؤسسات العسكرية والامنية، اضافة إلي التلاعب بالبرلمان الذي تحول إلي جثة هامدة بفعل تحريك لوبيهات الضغط الطائفي التي تعطل اجتماعه وتأثيره وكما ان القضاء وضعه الرجل تحت عباءته ليفسر ما يحلو له من قوانين كما حدث في الانتخابات البرلمانية السابقة التي فاز باكثريتها أياد علاوي، ولكن القضاء اعطي المالكي حق تشكيل الحكومة. ولم يشفع للمالكي الدعم الخارجي والايراني والهيمنة الداخلية ومع انهيار جيشه بدا وكان احلامه قد ماتت تمامًا. انهيار الجيش وهناك اكثر من تفسير لانهيار جيش الماكي، حيث يري انصار الدولة العراقية الوطنية ان الجيش لم يهرب من المعركة خوفا من داعش التي اوهمه المالكي بمحاربتها ولكنه انسحب من معركة وجد فيها رجاله يقاتلون اخوتهم من المدنيين السنة ومن مقاتلين شيعة ينتمون للجيش العراقي الذي فككه الاحتلال الأمريكي واظهرت عمليات تصوير انسحاب الجيش وعدم الاعتداء عليهم بل وتأمينهم ما يشبه التوافق بين الجيش الذي رفض الخضوع لاوامر المالكي الطائفية وبين الشعب العراقي في الانبار والموصل وسامراء وتكريت، وهو ما فطن اليه نوري المالكي، ودعا علي الفور إلي تشكيل جيش جديد من المتطوعين بديلا عن جيشه المنهار الذي لم يعد يثق به، كما ان دعوة المرجع الشيعي السستاني، للمواطنين العراقيين للتطوع ومساندة الجيش، تعكس ايضا انهيار الثقة في الجيش القائم وربما دعوة لتشكيل جيش طائفي يعتمد علي الشيعة فقط مما يدفع العراق نحو تطور سريع إلي تقسيمه إلي دويلات علي أسس عرقية وطائفية، أو دفع ابناء السنة إلي قبول صيغة المالكي للحكم القائمة علي حكم أكثرية شيعية تتحكم بكل مفاصل الدولة بشكل مطلق. المالكي واستخدام داعش ثمة عدد من المراقبين، يري ان سيناريو الانسحابات المفاجئة للجيش صاحبه حملات اعلامية مكثفة من قبل المالكي، حول محاربة الارهاب وانقاذ العراق من تنظيم الدولة الاسلامية ومن يساندونهم في المحافظات السنية وقدم الاعلام المالكي، داعش باعتبارها البعبع الذي يهدد وحدة العراق والمشروع الامريكي ودول المنطقة ومن ثم ضرورة تكاتف جهود كل هذه الاطراف لمحاربة التطرف الذي لايحتمل العراق وحده دفع فاتورته، ويري هذا الفريق ان خطة المالكي نجحت في تقديم داعش كقوة جبارة ومرعبة يمكنها أن تسيطر علي العراق وسوريا وتدفع المنطقة إلي صراع طائفي سني شيعي وتشعل صراعا إقليميًا ودوليًا في المنطقة وعلي الفور استجابت امريكا لابتزاز المالكي واعلن اوباما ان بلاده سوف تنفذ خططا عسكرية ضد المتطرفين بالتنسيق مع المالكي وان كان اصر علي عدم ارسال قوات برية وهو ما يوحي بتنفيذ عمليات جوية مكثفة وقصف صاروخي والتوسع في استخدم ضربات الطائرات بدون طيار، واستجابة إلي خطة المالكي ايضا اعلنت بريطانيا وفرنسا والاتحاد الاوربي ومجلس الامن وايران وقوفهم إلي جانب العراق، وهكذا يبدو ان المالكي، الذي فشل في اخضاع المحافظات السنية قرابة عام، ينجح اليوم في تشكيل تحالف دولي جديد ضد بلاده للفوز بولاية ثالثة وتثبيت نموذج الدولة العراقية المستقرة بهيمنة وتسلط طائفي تحت الحماية الدولية. التفسير الثالث نقلت الفضائيات فرحة ابناء المحافظات السنية بهروب الجيش العراقي، بل وعودة النازحين بعد شعورهم بالامان مع المسلحين الجدد، وهو ما يرجح ان جيش المالكي هرب لانه لم يجد تنظيم داعش فقط ولكنه انهزم امام جيش العشائر السنية المسلحة وكتائب النقشبندية التي تتشكل من عناصر الجيش العراقي السابق والذي يملك خبرات قتالية وعسكرية، علي عكس جيش المالكي الذي تم تدريبه بشكل امني وشرطي لقتال المدنيين ووفقا لهذا السيناريو فإن من انتصر هم ثوار من ضباط الجيش العراقي السابق يقودهم عزت الدوري بدليل تعيين هاشم الجماس، محافظا علي الموصل وهو ضابط في الجيش العراقي السابق، ومعهم ثوار العشائر والثوار الاسلاميين وايضا القوي الداعية لعودة العراق الموحد واهالي وذوي المعتقلين والناقمين علي قتل اولادهم واعدامهم من قبل قوات المالكي في الشوارع والميادين العامة، وجميعهم اتفقوا علي مواجهة مشروع المالكي الامريكي الذي يقسِّم العراق. وهذا التفسير يستند إلي ان خطة المالكي في تسويق داعش هي خطة مدعومة اقليميا ودوليا وتعتمد علي انكار نضال ابناء المحافظات السنية الذي استمر ثمانية اشهر في اعتصامات سلمية دون اطلاق رصاصة واحدة ولكن المالكي قام بفض الاعتصامات بالقوة وبتنفيذ عمليات اعدام جماعية ضد المتظاهرين ولم يحرك العالم المتباكي علي الحرية ساكنًا لمنع او وقف جرائم النظام العراقي ضد ابناء شعبه كما لم يستجب الماكي لايا من مطالب المعتصمين التي تلخصت في رحيل حكومة المالكي وتشكيل حكومة محايدة تشرف علي الانتخابات البرلمانية وإلغاء قانون المساءلة والعدالة، الذي حل بديلا لقانون اجتثاث البعث وبمقتضاه استبعد السنة جميعهم من اركان الدولة وتعديل قانون مكافحة الإرهاب، خاصة المادة المتعلقة بالمخبر السري، التي استُخدمت لتفيذ حملات الاعتقالات البشعة، بناء علي تحرياته وبها تم اتهام كبار القيادات السنية بدعم الارهاب، كما طالبوا بالإفراج عن الآلاف من المعتقلين بدون محاكمة أو من انتهت عقوباتهم، خاصةالمئات من النساء، اللاتي يتعرضن لممارسات مهينة وغير قانونية أو أخلاقية من قِبل رجال الأمن، والكشف عن مراكز الاعتقال المختلفة، وخاصة السرية والتي تُدار من جهات حكومية وأمنية وعسكرية تخضع للاشراف المباشر من نوري المالكي، اضافة إلي تحقيق التوازن في بنية الدولة والحكم بين كافة قطاعات الشعب العراقي، وبدلا من تنفيذ هذه المطالب السياسية لجأ المالكي إلي ضرب الانبار والفلوجة وتكريت والموصل وغيرها من المدن السنية وقام بهدم الجسور وتخريب البنية الاساسية لهذه المدن بحجة مواجهة الارهاب وقام باجراء انتخابات برلمانية استبعدت منها تقريبا المحافظات السنية المشتعلة ولم يشارك النازحون اواللاجئون منها في الانتخابات مما جعل المشاركة السنية في البرلمان هزلية ولاتمثل شيئًا. المالكي اذن اختطف العراق تحت الحراب الامريكية وبدعم ايراني مباشر بمشاركة فيلق القدس والاستخبارات الايرانية، لتقسيم بلده وتدمير وحدته الوطنية والهيمنة الطائفية علي جميع ثرواته، عبر تسويق دوره كبطل وطني في مواجهة الارهاب الذي توسع في تفسيره ليشمل كل من يعارضه او يحاول ايقاف مخططه المدمر، وان كان ظهور قوات العشائر بهذه القوة سوف يعيد التوازن للمشهد السياسي العراقي، بحيث يجبر المالكي علي الاعتراف بحقوق السنة بقدر لا يقل عن حقوق الاكراد.