• المسلمون ومساجدهم في امريكا يتعرضون للقتل والسرقة والتخريب بسبب الخطاب التحريضي • الساسة اليمينيون يؤكدون أن الإسلام ليس دينا و المسلمين ليسوا مواطنين أسوياء و المساجد مجرد أوكارا تأوي المتطرفين• صحائف القرآن يتم القاءها ممزقة وملطخة بالبرازأمام المراكز الإسلامية • تسعة ملايين مسلم في امريكا لم يحتفلوا بعيد الفطر خوفا من تفسير الاحتفال بأنهم يحتفلون بالحادي عشر من سبتمبر• وسائل الاعلام و الانترنت ساهمت في تشويه صورة المسلمين و إذكاء المشاعر المعادية لهم في أرجاء امريكا• الوجود الإسلامي وما يسببه من قلق في نفوس الأمريكيين هو السبب الحقيقي وراء ما يحدث في الشهور الأخيرة، تواجه الجالية الإسلامية الأمريكية البالغة تسعة ملايين والقابعة تحت الحصار منذ أحداث الحادي عشر من سبتبمبر، تواجه موجات متزايدة من التعصب المناوئ للإسلام والمسلمين التي أشعل فتيلها مشروع بناء مسجد ما اصطلح عليه إعلاميا بنقطة الصفر بجزيرة منهاتن بمدينة نيويورك. لقد أثار الخطاب التحريضي الذي أحاط بالمشروع، والذي هو في الحقيقة مركز ثقافي يحمل موافقة هيئة التخطيط بمدينة نيويورك، مشاعر الكراهية تجاه المسلمين . إن الجدل الذي أشعل جذوته المتعصبون واليمينيون قد اكتنفه كثير من إثارة القلائل والمعلومات المغلوطة، كما أن تشويه صورة المسلمين علي الهواء في الراديو أو برامج التوك شو أو في الصحف أو الانترنت قد ساهم في إذكاء المشاعر المعادية للمسلمين في أرجاء البلاد. وقد نجم عن هذا الخطاب التحريضي أن ارتكبت جرائم بحق المسلمين ومساجدهم، فقد تناقلت الأخبار وقوع ثلاثة من مثل هذه الجرائم في يوم واحد هو الخامس والعشرين من أغسطس. ففي نيويورك طُعن أحمد شريف سائق التاكسي بعد أن سأله أحد الركاب عن ديانته وما إن أجاب شريف بأنه مسلم حتي انهال عليه الراكب بسكين فأصابه في رقبته وذراعه ووجهه. في الليلة ذاتها، اقتحم رجل ثمِل مسجدا بمنطقة كوينز بنيورك وجعل يهرف بشتائم في حق المصلين أثناء صلاتهم التراويح، ثم أقدم علي التبول علي سجاجيد الصلاة. وليست هذه الأعمال مقتصرة علي نيوروك فحسب، ففي ماديرا بكاليفورنيا، كتب أحدهم علي أحد المساجد"استيقظي يا أمريكا فالعدو هنا" ، وفي وقت مبكر من الشهر المنصرم، ترك آخر في المركز الإسلامي بكاليفورنيا نقشاً مكتوب عليه"لا لبناء مسجد في مدينة نيويورك" كما نقش عليه أيضا:"تذكروا 11/9" و" محمد الخنزير". وفي خضم المشاعر المعادية للمسلمين والتي تمخضت عن الجدل الدائر حول مسجد نقطة الصفر، تناقلت الأنباء وقع ما لايقل عن حادثتين أخريين حتي الحادي والثلاثين من أغسطس؛ ففي ضاحية كارلتون الصغيرة بولاية نيويورك، قام خمسة مراهقين بمضايقة المصلين بمسجد المدينة، وقد وجهت إليهم تهمة التشويش أثناء إقامة شعيرة دينية بعد أن قاموا بالعبث بكلاكسات السيارات أثناء الصلاة وإطلاق رصاصات في الهواء، وفي ولابة تنيسي، روي أن ناراً أضرمت في مكان خصص لبناء مسجد ومركز إسلامي، والأخطر من هذا أن قد تم إطلاق الرصاص ساعة وصول بعض أفراد الجالية لتفقد المكان. تأتي كل هذه الحوادث التي مبعثها الكراهية في جو ملبد بالهيستريا المناوئة للمسلمين والتي يذكيها حالياً ذلك الخطاب التحريضي والجدل المصطنع حول مسجد نقطة الصفر. ويشير استقصاء أجرته في12 من سبتمبر إحدي القنوات الإذاعية اليمينية المتطرفة في سان دييجو إلي إن 70 % يؤيدون تسجيلا جبريا لمسلمي أمريكا في قاعدة البيانات الوطنية، وفي ذات اليوم أجري برنامج كريس ماثيو استقصاء آخر كشف عن أن نصف الجمهوريين المشاركين في الاستقصاء عندهم موقف سلبي من الإسلام مقارنة ب 27% فقط من الديمقراطيين. وقد أكد استقصاء آخر قام به معهد PEWفي 24 من أغسطس ما توصل اليه استقصاء كريس ماثيو من نتائج، حيث تكلم الجمهوريون بنسبة 3 إلي 1 عن الإسلام كلاما ليس في صف المسلمين، في حين عبروا 'الجمهوريون'بنسبة 4 إلي 1عن تضامنهم مع أولئك المعارضين لبناء مسجد نقطة الصفر. وفي المقابل، تزيد نسبة الديمقراطيين المؤيدين لحرية بناء المسجد عن نسبة المعترضين. ويتساءل المرء الآن هل هذا الخطاب الساخن متعلق فقط ببناء المسجد أم أنه متعلق بشئ آخر؟ والحقيقة أن هذا الجدل ليس بسبب المسجد علي الإطلاق ولكن بسبب الوجود الإسلامي في أمريكا وما يسببه من قلق وهلع في نفوس الأمريكيين، فالإسلاموفوبيا موجودة ومنتشرة قبل هذا الجدل بكثير، وكما يقول سيلزبري" يعتمد المعارضون لبناء المسجد علي ما يزيد من عقد أججت فيه الحكومة مشاعر الاقتصادية والجماعات اليمينية المتطرفة والعدوانية." منذ الحادي عشر من سبتمبر والإسلاموفوبيا في صعود مطرد، غير أن التعصب ضد المسلمين قد بلغ مبلغا كبيرا في الأشهر الأخيرة، فقد دأب اليمينيون والنفعيون من الساسة علي التأكيد علي أن الإسلام ليس دينا البتة وإن المسلمين لا يمكن أن يكونوا مواطنين أسوياء وأن المساجد ليست سوي أوكارا تأوي المجاهدين المتطرفين. وعلي مدار العام الماضي كان ثمة زيادة كبيرة في عدد المرشحين السياسيين الذين يعتمدون علي خطط إسلاموفوبية سعيا وراء كسب الأصوات، كما يستخدمون مثل هذا "التكتيك" كأجندة يعزز بها موقفه. فعلي سبيل المثال، يقول لاين تورجرسون ، مرشح الكونجرس عن الحزب الجمهوري، أن الإسلام لا يمكن أن يحظي بحماية التعديل الأول للدستور الأمريكي، أما رون رامزي، أحد لمرشحين الجمهورين الثلاثة المتنافسين علي حكم ولاية تنيسي، فيقول أن الإسلام ينبغي أن يسمي ليس دينا ولكن "نحلة"، وفي حديث لطلاب الطبقتين العليا والمتوسطة، يقول رون ماكنيل، المرشح لعضوية الكونجرس عن ولاية فلوريدا، أن الإسلام ضد كل ما تمثله أمريكا. أما المؤسسة الأمريكية للأسرة فتريد وقف هجرة المسلمين إلي أمريكا"لحماية الأمن القومي والحفاظ علي هويتنا، وثقافتنا ومثلنا وقيمنا الوطنية" علي حد قولها. ومن المثير القلق أن المزاعم بالانحياز ضد المسلمين قد تسببت في توجيه النقد للجنة الحريات الدينية الأمريكية التي تقدم النصح للرئيس وسائر المسئولين الحكوميين في قضايا تتعلق بالحريات الدينية حول العالم؛ حيث نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن موظفين سابقين وحاللين باللجنة أنها بعيدة عن الساحة ، وأنها تركز علي مشروعات تهمها من حيث إنها تكون قائمة في الغالب علي خلفياتهم هم الدينية. إنهم يقولون أن هناك تحيزا ضد المسلمين فيما يتعلق بعمل اللجنة. محاولة حرق القرآن ومن صور التعصب أن يتم انتهاك قدسية القرآن، كتاب المسلمين المعظم، فقد اعتزم القس تيري جونز راعي أحد الكنائس الصغري بفلوريدا والمعروف بعدائة الشديد للإسلام والمسلمين، إحياء ذكري الحادي عشر من سبتمبر بحرق نسخ من القرآن، ثم تراجع عن نيته عندما اتصل به المسئولون بوزارة الدفاع محذرين من أن فعلته تلك ستثير غضب المسلمين في العالم، وستعرض القوات الأمريكية المنتشرة في البلاد الإسلامية للخطر، غير أن الرسالة التي انتوي جون توصيلها لم تغب عن الكثيرين، فقد وجدت صحائف ممزقة من القرآن أمام المركز الإسلامي بإيست لانزنج، متشيجان، كما لطخت بعض الصحائف بالبراز. وفي خضم هذالجو المفعم بالسخونة والقلق، واجهت مساجد كاليفورنيا تنيسي، ونيويورك، واليونيس وكنتاكي وتكساس وفلوريدا معارضات كلامية، كما تم استهدافها بجرائم بشعة في الأشهر الأخيرة. ففي آخر اللحوادث، والتي كانت عشية الحادي عشر من سبتمبر، كتب أحد المخربين بالإسبراي "11-9 " علي زجاج أحد المتاجر المملوكة لأحد المسلمين بكلومبوس، كما تمت سرقة بعض الأموال وأجهزة اللابتوب، بالإضافة إلي تخريب بعض الشاشات.وفي الأسبوع الماضي أيضا قام بعضهم بتخريب مسجد تحت التأسيس حيث ألقي علي أرضيته بعض الطلاء بالإضافة إلي تهشيم زجاج النوافذ باستخدام ما يبدو وكأنه رصاص، وقد تعرض هذا المسجد نفسه للتخريب في فبراير الماضي. إن وجود المساجد قد أصبح من ضمن القضايا التي انقسمت فيها آراء المجتمعات في أمريكا في الآونة الأخيرة، فالكنيسة كنيسة والمعبد معبد، لكن في ظل هذه المشاعر التي تنتاب الأمريكيين ، وبعد عقد من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد يمثل المسجد أشياء كثيرة. عيد الفطر واحتفالات في نطاق أضيق من السابق. قامت الجالية الإسلامية البالغة تسعة ملايين فردا بتضييق احتفالاتها لعيد الفطربعد انقضاء شهر رمضان الذي أتي في اليوم الذي يسبق ذكري الحادي عشر من سبتمبر، وقد أعربت المنظمات المدنية الإسلامية عن قلقها من أن اقتراب عيد الفطر من ذكري الحادي عشر من شأنه أن يزيد الشكوك والعدوان ضد المسلمين في وقت تعلو فيه المشاعر المناوئة لدينهم. وقد ناشد مجلس المنظمات الإسلامية بواشنطن كافة المراكز والمنظمات والمدارس الإسلامية الأمريكية عدم الاحتفال بعيد الفطر، احتراما لضحايا هجمات 11-9. وقد خشيت القيادات الإسلامية من أن الاحتفالات قد يتم اساءة تفسيرها عمدا أو خطأ، فهناك أناس يتمنون أن نبدو للناس وكأننا نحتفل بالحادي عشر من سبتمبر، ولن نعطيهم هذه الفرصة، علي حد تعبير الشيخ جوهري عبد الملك ، مدير مركز دار الهجرة الإسلامي بواشنطن. لقد ظن بعض المسلمين أن الحساسية إزاء ذكري الهجمات أمر هام ؛ فقد كان هذا الصيف مشحونا جدا بالنسبة للمسلمين في أمريكا بسبب الجدل الدائر حول مسجد نقطة الصفر. وقد أعلن المركز الثقافي الإسلامي بفريسنو بكالفورنيا إلغاء احتفالها بعيد الفطر في 11 سبتمبر، وهو الحدث الذي دأب المركز علي إقامته في السبت الأول بعد الإجازة عندما تكون هناك إمكانيات تسمح بحضور مكثف. وجاء قرار الإلغاء اعترافا من المسئولين من أن أي احتفال قد يساء تفسيره وقد يرااه البعض حساسا لذكري الهجمات. ومع بلوغ الخطاب التحريضي ضد المسلمين أوجه في ربوع أمريكا، تظل الجالية متفاءلة من أن هذه الحملة التي تدفعها الانتخابات القادمة ستنتهي قريبا؛ لأن الحرية الدينية مبدأ أساسي تقوم عليه هذا البلد، وهو الأصل الذي بني عليه منذ القرن السابع عشر، وهذا ما أكد عليه الرئيس جورج واشنطن في خطابه ليهود رود أيلاند الذي جاء فيه" لمواطني الولاياتالمتحدة أن يفخروا بأنفسهم لما قدموه للبشرية من نماذج للساسة الليبرالية، وهي سياسة جديرة بالتقليد والمحاكاة؛ فكلٌ له نفس القدر من الحرية وحقوق المواطن.. وحكومة الولاياتالمتحدة لا تفرض عقوبة علي التعصب ولا عونا علي الاضطهاد، وتطلب ممن يعيشون في ظلها أن يتصرفوا تصرف المواطن الصالح من حيث إعطاءها الولاء الكامل في كل الأوقات. عندما كتب الرئيس واشنطن هذا الخطاب منذ 220 عاما، فعلينا أن ندرك الأثر الذي من المكن ان يحدثه في هذه الأمة الناشئة.