تصاعدت، في الآونة الأخيرة، وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية علي المسجد الأقصي، ومدينة القدس الشريف، وعلي الإخوة الفلسطينيين، بشكل ينذر بالخطر الداهم، الذي يستوجب اليقظة والاستعداد والصمود لمواجهة تلك الاعتداءات الغاشمة الآثمة وردها.. فلم تكتف آلة العدوان الإسرائيلية بالاقتحام المتكرر للمقدسات الإسلامية وتدنيسها، وإنما أقدمت علي الخطوة الأخيرة الخطيرة في مخططها الذي يستهدف الاستحواذ التام علي المسجد الأقصي والمدينة المقدسة، وبسط هيمنتها عليهما وتهويدهما بشكل كامل!! وقد تمثلت تلك الخطوة الغادرة التي أقدم عليها الكيان الصهيوني الغاصب، في ذلك الاقتراح المستفز الذي قُدم، مؤخرًا، إلي الكنيست الإسرائيلي لمناقشته، تمهيدًا للدخول به إلي حيز التنفيذ والتطبيق الواقعي.. ويقضي الاقتراح بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة علي المسجد الأقصي المبارك، بدلاً من السيادة الأردنية المخولة لها بحماية الأماكن التاريخية الإسلامية المقدسة، بموجب اتفاقية وادي عربة الموقعة بين كل من إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية عام 1994، والتي تمنح المملكة الأردنية دورًا أساسيًا فيما يتعلق بالسيادة علي الأماكن المقدسة.. كما تنص الاتفاقية علي احترام إسرائيل لهذا الدور.. وهو ما استدعي اجتماعًا طارئًا لمجلس الجامعة العربية علي مستوي المندوبين الدائمين يوم الأربعاء 26 فبراير 2014، لبحث سبل صدّ هذا السلوك الإجراميّ الصهيوني وإيقافه. والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه، في هذا السياق هو: لماذا هذا التحرك المريب من الجانب الإسرائيلي في هذا التوقيت.. الآن وليس في أي وقت مضي؟! فلاشك أن اختيار التوقيت هو الحدث المفعم بالدلالة.. فمصر وبقية الدول العربية التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، تعاني جميعها مأزقًا تاريخيًا فارقًا.. فهي تعاني مشكلات داخلية طاحنة.. بل يصطلي بعضها باقتتال أهليّ عنيف.. كما تعاني جميعها تقريبًا ضغوطًا وأطماعًا وتدخلات خارجية هائلة ورهيبة.. ومعظمها تضربه الفوضي والانفلات والارتباك.. باختصار هي لحظة ضعف تاريخية قد لا تظفر إسرائيل بمثلها أبدًا. إن معرفتنا التاريخية والدينية والأدبية بالشخصية الإسرائيلية تجعلنا لا نستغرب اختيار هذا التوقيت للإجهاز علي مقدساتنا.. فالشخصية اليهودية جُبلت، في جانب منها، علي المكر والخداع والنزوع الشيطاني المتمرد، الذي يجعلها لا تتورع عن التهام حقوق الآخرين، والإغارة عليهم، وسلب مقدساتهم.. وهي بسبب الالتواء الأصيل في طبيعة تكوينها، لا تكف، حال تلبسها بالعدوان، عن تصدير وهم المظلومية التاريخية، والاضطهاد التاريخي، والتيه والضياع التاريخي لكسب تعاطف العالم.. عبر تشييد منظومة هائلة من الأكاذيب وأساليب الخداع والتضليل!! كما جُلبت الشخصية اليهودية، في جانبها الآخر، علي الجبن واستحالة المواجهة المباشرة.. وقد لخص النص القرآني المجيد هذا الجانب بقوله تعالي: 'لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قري محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون' 'الحشر: 14'. إذ يتمثل جبن الشخصية اليهودية في الاختباء دائمًا خلف جدار.. وقد يكون هذا الجدار ماديًا علي الحقيقة، وهو ما أثبته الواقع المصدّق للحقيقة القرآنية، ببناء إسرائيل الجدار العازل.. وقد يكون الجدار مجازيًا.. فقد تصبح دولة بكاملها جدارًا يختبئ اليهود خلفه، ألم يلوذوا بحماية بريطانيا العظمي، إبّان مجدها، وقت أن كانت لا تغيب عنها الشمس، وحصلوا، بمساندتها، علي وعد بلفور بإقامة وطن قومي لهم بفلسطين؟! وهاهم يتخذون، الآن، من الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها ستارًا وجدارًا يحاربوننا من خلفه.. وقد يتخذون من لحظات ضعفنا وفرقتنا وتمزقنا وتشتتنا جدارًا يحاربوننا من ورائه أيضًا.. ويكون وسيلتهم لنيل مآربهم وأطماعهم التاريخية في أراضينا ومقدساتنا ومواردنا. ولماذا نعيب علي الشخصية اليهودية خيانتها وماديتها الشرهة.. واستغلالها.. ونبرئ أنفسنا ولا ننحي عليها باللائمة؟! فما دخل اليهود من حدودنا.. وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا كما قال الشاعر العربيّ نزار قباني.. لا شك أننا نتحمل العبء الأكبر من مسئولية ضياع حقوقنا التاريخية بالتخاذل والتفريط والتبعية الذليلة والمقايضات الخاسرة!! فنحن شعوب مبتلاة في أنظمتها.. لقد كان نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك متواطئًا ومهادنا وتابعًا، فجرّ البلاد إلي مستنقع التبعية الذليلة لأمريكا وربيبتها الخئون إسرائيل.. وكان نظام الرئيس السابق محمد مرسي انتهازيًا مطلقًا، فقايض هو وجماعته، في سبيل الوصول إلي السلطة والاحتفاظ بها، بمصالح البلاد والعباد، وضمن أمن إسرائيل وتعهد بحمايتها، وعقد بينها وبين حماس اتفاقًا للتهدئة ينص علي قيام إسرائيل بوقف كل الأعمال العدائية علي قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا.. علي أن تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة علي إسرائيل بما في ذلك استهداف الحدود، في تسوية سافرة وفاضحة بين الجلاد والضحية، بين المحتل، مغتصب الأرض، وصاحبها المغبون في أرضه وكرامته وعرضه، وكل ذلك كان برعاية ومباركة وضمانة إخوانية رسمية!! وبين الخيانة والتبعية والانتهازية السياسية يوشك أن يضيع المسجد الأقصي.. أولي القبلتين.. وثالث الحرمين.. ومسري رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم 'سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير' 'الإسراء: 1'. وتوشك أن تضيع القدس.. جوهرة النزوع الروحي السامي لأحرار العالم مسلمين ومسيحيين.. مهوي الأفئدة.. زهرة المدائن.. أرض الأنبياء.. ومعراج السماء.. آه يا قدس يا ارتعاشة السكين بجرحنا العميق!! ستبقي فلسطين مبتدأ الصراع ومنتهاه.. رمزًا للصمود والإرادة.. هي معركتنا الأخيرة.. فإما نكون.. وإما إلي سديم التيه والضياع نمضي.. وإذا ما خذلتنا الأنظمة، التي دائمًا ما تلتحم منها كراسيّ السلطة باللحم.. فإن الأمل معقود بالشعوب وحركتها المباركة.. كما يقول محمد الفيتوري، شاعر إفريقية: ليبق كل بطل في مكانه ولتصعق الخيانة ولتخرس الرجعية الجبانة فالشعب سوف يغسل الإهانة.