تقول كافة التقارير المتاحة إن عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان كان صديقًا لوزير داخلية السادات الأشهر 'النبوي إسماعيل' وكان بينهما أسرار ولقاءات.. ويقول رجال أمن الدولة إنهم كثيرًا ما كانوا يستضيفون التلمساني للدردشة.. وجمع كم هائل من المعلومات.. فقد كان الرجل متعاونًا.. وكان في نظرهم شخصية غير صدامية.. لا يؤمن بالعنف.. ويري التسلل بهدوء لاختراق مفاصل الدولة.. والوصول إلي الهدف.. وكانوا يعتبرونه شخصًا ودودًا لا يخفي أسرارًا كثيرة.. ويباهي بعض رجال أمن الدولة بأنهم يحتفظون بكم هائل من حوارات واعترافات عمر التلمساني مسجلة لديهم.. وفي مذكراته كتب اللواء فؤاد علام أحد أشهر رجال أمن الدولة يصف التلمساني بالعميل المزدوج.. 'بين أمن الدولة.. والإخوان' ويكتب عنه بالنص 'أقنع الداخلية بأنه صديق.. وكان عربون الصداقة هو الإبلاغ عن أسماء أعضاء التنظيم السري للإخوان في المحافظات.. ومعظهم أحياء يمارسون نشاطهم الإخواني حتي الآن.. ولا يعلمون أن المباحث تعرف أسماءهم'.. ومن ناحية أخري تعتير المباحث أن عمر التلمساني كشف لهم التنظيم الدولي للإخوان.. 'رغم أنهم ينكرون حتي الآن علاقتهم بهذا التنظيم بل وجوده في الأساس'.. والحقيقة لمن يعرف ويتابع أن عمر التلمساني لم يقل شيئًا مفيدًا خلال دردشاته المسجلة لدي أمن الدولة.. وكل ما قيل عنه باطل وغير حقيقي.. ومجرد أوهام تمكن الرجل بدهائه.. وهدوئه أن يوهم الجميع بأنه متعاون.. وصديق.. ورجل طيب.. لا يخفي أسرارًا.. ولا يضمر شرًا.. وبالنسبة لما قيل حول كشفه للتنظيم السري للإخوان في المحافظات فالرجل لم يقل كلمة واحدة عن ذلك التنظيم السري.. وأن الأسماء التي أوردها لمسئولي المكاتب الإدارية في المحافظات.. وهم معروفون بالطبع سواء لرجال المباحث بكل محافظة أو للناس العاديين.. وقد نجح التلمساني في إيهام أمن الدولة بأنه يدلي بأسرار ويكشف عن خبايا.. مع أنه لم يزد عما يتحدث الناس به في جلساتهم.. أما ما قيل عن كشفه للتنظيم الدولي.. فهو لم يقل أكثر مما هو معروف.. ومنشور في الصحف.. والاختلاف الوحيد في طريقة الإبلاغ والقدرة علي الإيهام.. ولنتأمل ما قاله الرجل في هذا الصدد لنعرف كم الدهاء والمراوغة.. والنصوص من مذكرات اللواء فؤاد علام.. قال التلمساني: 'في كل دول أوروبا إخوان وبيعقدوا اجتماعات ومؤتمرات ويقوموا بمظاهرات في المناسبات.. في المانيا فيه مركز اسلامي والمسئول محمد علي المحجري وهو مقيم في نورنبرج وميونخ مسئول فيها علي جريشة.. ومعاه الدكتور خفاجي.. ويوسف ندا تاجر وأنا باشوفه لما بسافر بره.. وسالم عزام في لندن.. وكل واحد من الإخوان بره بيدفع مرتب شهر في السنة.. وفيه ناس بتدفع أكثر زي يوسف ندا وهمت غالب.. الإخوان ماليين أوروبا وانجلترا وفرنسا وإيطاليا.. وفلوسنا من خالص فلوسنا.. لا ملك ولا رئيس'.. هكذا تكلم عمر التلمساني.. ولنعد قراءته لنتأكد أنه لم يقل شيئًا يذكر.. ولنتأمل إجاباته عندما يسأل عن شخصيات إخوانية: سالم عزام؟ هو أصله واخد جواز سفر من السعودية.. يعني بيشتغل للسعودية.. بتقول مين؟ بن باز بتاع السعودية؟ ما اختلطش بيه.. ومين كمان؟ الشريف؟.. آه.. الشريف بتاع البلاستيك.. كان بشتغل الإخوان.. وعبد العظيم لقمة ده تاجر زي يوسف ندا.. وهو اللي اشتري جروبي.. والحاج سعودي؟.. لا دعم ولا حاجه.. لو اشترينا منه عربية نصف نقل يكرمنا شوية.. وعلي فكرة الناس الكبار دول ما تنتظرش منهم اشتراك في المسائل دي.. دول أبعد ما يكونوا عن دعوة الإخوان.. هذه هي اعترافات عمر التلمساني.. التي اعتبرها وزير الداخلية النبوي إسماعيل انتصارًا ما بعدها انتصار.. وطار بها في سماء الوهم.. كما أراد عمر التلمساني.. وكما خطط.. وعندما كانوا يغلقون عليه مكتب مأمور السجن ليتحدث مع أسرته تليفونيا.. حتي يتمكنوا من تسجيل المكالمة.. كانوا يفاجئون بالمكالمة: 'ابعتوا لي هدوم.. جلبيتين كستور تقال وكلسون وفانلتين وشرابين صوف.. و50 جنيه.. وتبعتولي كل جمعة يا فرخة محمرة ياحته لحمة محمرة كده.. الحمد لله.. الصحة كويسة نحمده ونشكره'. في ذلك الوقت الذي تمكن فيه التلمساني من تضليل وزير الداخلية وأجهزته بعد أن شرب معهم 'الشاي بالنعناع' كان يفكر في استكمال خطته التي أقرتها الهيئة التأسيسية للإخوان خلال انعقادها في موسم الحج لعام 1975.. والتي تقضي بضرورة الكف عن الكلام لمجرد الكلام.. والاختلافات الحادة حول وجهة نظر المرشد السابق 'حسن الهضيبي' والتي بثها في كتابه 'دعاة لا قضاة'.. وأنه يتوجب علي الإخوان تغيير المنهج نفسه.. وعدم سجن الجماعة في قوالب ثابته.. والانطلاق بها في عدة محاور.. سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية.. وقد بذل التلمساني جهدًا خارقًا لتحقيق خطته التي تمهد للخطة الأهم والأجدي والتي سيرد ذكرها حالًا.. المهم أن ثمار خطة التلمساني بدأت في الظهور سريعًا.. في مئات المشروعات الإخوانية.. شركات توظيف الأموال.. البنوك وشركات الصرافة.. المطابع ودور النشر.. والتخطيط لإنشاء دار صحفية.. وقناة فضائية.. ناهيك عن التسرب إلي كافة التنظيمات علي الساحة.. واختراق النقابات المهنية.. وعقد الصلاة والائتلافات مع الأحزاب السياسية.. مثل الوفد.. ثم الاستيلاء علي حزب العمل الاشتراكي.. الذي تحول إلي حزب العمل الإسلامي.. وكانت خطة التلمساني الأهم هي الوصول إلي السلطة.. ذلك الهدف الذي داعب مشاعر حسن البنا المرشد المؤسس وأرَّق حياته.. والذي اعتبره حسن الهضيبي المرشد الثاني قد أصبح قريبًا عقب نجاح ثورة يوليو 1952 وحاول السطو عليها.. وها هو التلمساني بأسلوبه الخاص يخطط للوصول إلي الهدف الذي قام بتنظيم الإخوان من أجله.. وكانت خطة التلمساني تسير في اتجاهين.. أولهما التسلل إلي القوات المسلحة وبناء تنظيم عسكري بهدوء وصبر حتي يصبح قوة يمكنها الانقلاب علي الحكم الحالي.. أما الاتجاه الثاني فكان التركيز علي دعم الجهاز السري المسلح واستغلال فترة الهدوء والتقارب مع نظام السادات في التوسع والانتشار واستكمال التسليح والتدريب.. حتي يحين الحين.. ويتم إعلان العصيان المدني.. ونشر الفوضي ثم يتقدم الجهاز السري المسلح بالاستيلاء علي السلطة.. وهو نفس ما فكر فيه الإخوان.. عقب الإطاحة بمرسي ونظام حكم الإخوان.. وما يزالون يفكرون وأملهم أن يتمكنوا من نشر الفوضي لتتقدم فصائلهم الإرهابية وميليشياتهم بمعاونة حلفائهم لاستعادة السلطة وسط حالة الفوضي.. ولم يفكروا لحظة فيما قاله عمر التلمساني في لحظة صفاء معقبًا علي محاولة الانقلاب التي اعقبت اغتيال السادات.. قال التلمساني: 'العيال دول متصورين ايه.. دولة فيها جيش وفيها بوليس، متصورين يعملوا حاجة.. حاجة غير معقولة.. يعني تصرف لا هو ديني ولا اخلاقي.. ولا منطقي.. دول إما مجانين.. أو واخدين حقن هلوسة'.. ومازلنا مع عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان.