عاش عمر التلمساني 82 عامًا بين الميلاد في 1904 والوفاة 1986، قضي منها 53 عامًا داخل الإخوان، ومنذ لقيه الشيخ حسن البنا عام 1933.. وقد دخل السجن أعوام 1948 1954 1981.. وبلغت فترات سجنه 20 عامًا منها 17 سنة متصلة.. كما اختير مرشدًا للإخوان عقب وفاة المستشار حسن الهضيبي 11 نوفمبر 1973 وظل يشغل المنصب 13 عامًا.. وفي ذلك يقول: 'علي أن العبء الوحيد الذي يهبطني وأنوء بحمله هو مسئوليتي عن الإخوان.. لأن نظام الهيئة التأسيسية للجماعة يقضي بأن يتولي الأمر أكبر الأعضاء سنًا في مكتب الإرشاد.. وشاء الله أن أكون الأكبر في هذه الظروف.. فكان الوفاء لبيعتي أن أحمل العبء ماضيًا مستريحًا، لا لأن في ذلك مخالفة للقانون الذي قضي بحل الجماعة.. بل لأن الصلة الروحية بيني وبين الإخوان جعلتهم ينظرون إليّ بهذه العين.. وجعلتني ارتاح للنهوض بالواجب مهما واجهت من الصعاب والمشاق.. وقد عاملني المسئولون في الدولة علي أساس هذا التصور.. وهنا لا يفوتني الاعتراف بأن جانب الحرية الذي أتمتع به، علي ضآلته.. لا أعرف له مثيلاً في العالم الإسلامي ما بين إندونيسيا إلي أقصي الغرب.. ولا جرم أن لله حكمة في ذلك'. ولعل تلك العبارة تلخص حياة التلمساني.. وتوضح منهجه في العمل داخل الإخوان.. ثم في قيادة الجماعة.. كما توضح رؤيته لنوعية العلاقات التي تربط بين الإخوان.. ثم علاقتهم مع الأحزاب والقوي السياسية المختلفة.. ثم مع الدولة وسلطاتها.. وهو ما سوف يتضح بصورة مفصلة.. فلقد كان للتلمساني أسلوبه الخاص في إدارة أموره وأمور الجماعة.. والسير بالإخوان وسط الأحراش والمخاطر بهدوء وروية دون اللجوء المبكر إلي الحماقات والمصادمات التي كبدت الإخوان الكثير.. وجعلت منهم أمثولة للفئات المطاردة.. والملاحقة بالاتهامات والسجون معظم الوقت. والأستاذ عمر التلمساني يتناول كل شيء بهدوء.. ولكنه يقول كل ما يريد.. وله في كل موقف رؤاه وتخريجاته الخاصة.. يكتب عن ثورة يوليو 1952 وعلاقتها بالإخوان 'كذلك كان لانقلاب 23 يوليو 1952 أثره الكبير إذ أيقظ المشاعر، وحرك الرغبة في رؤية شرع الله مطبقًا في هذا البلد المسلم، ومن أجل ذلك كان للإخوان أكبر الأثر في نجاحه يقصد الانقلاب علي حد وصفه إذ كانوا يجوبون القطر كله الإخوان في بث الدعوة الإسلامية، وربط القلوب بعقيدتهم، ونقد المفاسد والمظالم التي كانت تسود البلاد من قبل الاستعمار وطغيان الملكية، وتهافت الأحزاب.. بينما كانت هيئة الضباط الأحرار تعمل في الخفاء.. لم يكن يشعر بها أحد.. فلما أسفرت وجدت الطريق ممهدًا والجو صالحًا.. والشعب علي استعداد لتقبل الانقلاب.. ولكن لحكمة لا يعلمها إلا الله تغلب حب الزعامة والظهور.. فكان ما كان.. من انقلاب الضباط الأحرار علي الإخوان الذين أخلصوا لهم العون، ومهدوا لهم السبيل، ولا غرابة في ذلك فالسلطان كما يقال، عقيم لا يتورع أصحابه أن يتجاوزوا من أجله كل شيء حتي أبسط مبادئ الأخلاق.. وفتك عبد الناصر بالإخوان استنادًا إلي قوة الجيش والشرطة.. والقوي التي كانت تكيد للجماعة، وبخاصة الصليبية والصهيونية.. والملاحدة'. ومن المؤكد أن ذلك منهج متوارث داخل الإخوان.. منهج قلب الحقائق، والادعاء.. وإخفاء التفاصيل.. وإعادة ترتيب الأحداث وفقًا لمصالحهم.. والعناد الشديد في التمسك بالمقولات الخاصة بهم مهما أجمعت الآراء علي فسادها.. ومجافاتها للحقيقة والواقع.. وقد ساهم التلمساني في ترسيخ ذلك المفهوم بهدوئه الظاهر.. وبعده الظاهر أيضًا عن العنف.. والذي يعيد قراءة العبارة السابقة يصاب بالدهشة من ثقة الرجل فيما يقول.. وقناعته المصنوعة بما يحاول فرضه من أوهام.. وتهيؤات.. في علاقة الإخوان بثورة يوليو 1952 التي يصمم علي وصفها بالانقلاب. ويتمتع التلمساني بقدرة عجيبة علي التعامل مع الآخرين.. أصدقاء أو أعداء أو محايدين.. فقد تعامل بكامل الود مع كافة القوي السياسية.. والسلطات الحاكمة.. وكانت علاقته بالمجموعة المحيطة بالسادات علي أفضل ما يكون.. أما علاقته الخاصة جدًا بوزير داخلية السادات 'النبوي إسماعيل' فكانت مضرب الأمثال.. وحظيت علاقته بأمن الدولة باهتمام كافة المتابعين والباحثين.. ومع كل ذلك فقد حقق للإخوان خلال الفترة التي قاد فيها الجماعة مرشدًا ما لم يحقق جزءًا منه أي من المرشدين السابقين عليه.. أو المرشدين التالين له. كانت له تخريجاته الخاصة.. وكان يعرف كيف يتعامل مع الآخرين.. متي يقترب.. ومتي يبتعد.. وما الذي يتوجب عليه قوله.. ولأول مرة في تاريخ الإخوان يتم تملق القوي اليسارية.. والتودد للشيوعيين.. أساسًا.. ولكافة القوي السياسية.. في إحدي تجلياته: 'إن السجون مدرسة للتطهير والصفاء.. وترسيخ اليقين.. كنت في معتقل قصر العيني.. وكان هناك بعض المعتقلين من مختلف الهيئات والاتجاهات.. فلم أجد إلا أدبًا، وحسن معاملة.. وتبادل احترام.. وقد كان بعض المعتقلين من الشيوعيين يؤدون معنا صلاة الجماعة.. بل لقد قمت ذات ليلة للتهجد.. فرأيت أحدهم يتوضأ ليتهجد أيضًا'.. قال التلمساني ذلك وكتبه، في الوقت الذي كان فيه كافة الإخوان يصفون صلاة بعض الشيوعيين بأنها لا تزيد عن صلاة عصائب ابن أبي بن سلول وراء الرسول والتي صورها القرآن بقوله: ' وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم.. إنما نحن مستهزئون' 'البقرة: 14'. هذا وجه من وجوه عمر التلمساني المرشد العام الثالث للإخوان.. والذي كتب عنه اللواء فؤاد علام مسئول أمن الدولة في مذكراته 'الإخوان.. وأنا'.. لقد.. لعب عمر التلمساني دور العميل المزدوج بين المباحث والإخوان.. لكنه ضحك علي الاثنين معًا.. أقنع الداخلية بأنه صديق.. وكان عربون الصداقة هو الإبلاغ عن أسماء أعضاء التنظيم السري للإخوان في المحافظات.. ومعظمهم أحياء يمارسون نشاطهم الإخواني حتي الآن.. ولا يعلمون أن المباحث تعرف أسماءهم.. وقدم للمباحث أول وثيقة مكتوبة عن نشاط التنظيم الدولي للإخوان.. رغم أنهم ينكرون حتي الآن علاقتهم بهذا التنظيم بل وجوده في الأساس.. ولكنه أيضًا الرجل الذي نفذ أخطر عملية في تاريخ الإخوان.. ومازلنا مع المرشد الثالث: عمر التلمساني.