'الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَي وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ' 'سورة البقرة، الآية 197'. الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، لقول النبي محمد 'صلي الله عليه وسلم' 'بُني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا'، والحج فرض عين علي كل مسلم قادر وذلك مصداقاً لقول الله عز وجل: 'وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَي كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ' 'سورة الحج، الآية 27' الحج طقس ديني موجود من قبل الإسلام، إذ يعتقد المسلمون أنه شعيرة فرضها الله علي أمم سابقة مثل الحنيفية أتباع ملة النبي إبراهيم، ذكر في القرآن الكريم 'وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ' 'سورة الحج، الآية 26'، فكان الناس يؤدونها أيام النبي إبراهيم ومن بعده، لكنهم خالفوا بعض مناسك الحج وابتدعوا فيها، وذلك حين ظهرت الوثنية وعبادة الأصنام في الجزيرة العربية علي يد عمرو بن لحي. وقد قام النبي بالحج مرة واحدة فقط هي حجة الوداع في عام 10ه، وفيها قام النبي بعمل مناسك الحج الصحيحة، وقال: 'خذوا عني مناسككم' كما ألقي النبي خطبته الشهيرة التي أتم فيها قواعد وأساسات الدين الإسلامي. فرض الحج في السنة التاسعة للهجرة، ويجب علي المسلم أن يحج مرة واحدة في عمره، فإذا حج المسلم بعد ذلك مرة أو مرات كان ذلك تطوعا منه، فقد روي أبي هريرة أن النبي 'صلي الله عليه وسلم' قال: ' يا أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجوا'. فقال رجل من الصحابة: 'أيجب الحج علينا كل عام مرة يا رسول الله؟'، فسكت النبي، فأعاد الرجل سؤاله مرتين، فقال النبي: 'لو قلت نعم لوجبت، وما استطعتم'، ثم قال: 'ذروني ما تركتكم'. شروط الحج خمسة: الشرط الأول: الإسلام بمعني أنه لا يجوز لغير المسلمين أداء مناسك الحج. الشرط الثاني: العقل فلا حج علي مجنون حتي يشفي من مرضه. الشرط الثالث: البلوغ فلا يجب الحج علي الصبي حتي يحتلم. الشرط الرابع: الحرية فلا يجب الحج علي المملوك حتي يعتق. أما الشرط الخامس: الاستطاعة بمعني أن الحج يجب علي كل شخص مسلم قادر ومستطيع. تبدأ مناسك الحج في شهر ذي الحجة بأن يقوم الحاج بالإحرام من مواقيت الحج المحددة، ثم التوجه إلي مكة لعمل طواف القدوم، ثم التوجه إلي مُني لقضاء يوم التروية ثم التوجه إلي عرفة لقضاء يوم عرفة، بعد ذلك يرمي الحاج الجمرات في جمرة العقبة الكبري، ويعود الحاج إلي مكة لعمل طواف الإفاضة، ثم يعود إلي مُني لقضاء أيام التشريق، ويعود الحاج مرة أخري إلي مكة لعمل طواف الوداع ومغادرة الأماكن المقدسة. يؤمن المسلمون أن للحج منافع روحية كثيرة وفضل كبير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: ' من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه '.متفق عليه ففي هذا الحديث بيان أن الحج يكفر جميع ذنوب الإنسان السابقة التي اقترفها في مدة حياته. وعنه قال: قال صلي الله عليه وسلم: ' الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ' متفق عليه. ويدل أيضاً علي فضل الحج ما يكون فيه من إقامة لذكر الله والتقرب إليه بالهديّ والذبائح، كما قال صلي الله عليه وسلم: ' أفضل الحج العج والثج' رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم عن أبي بكر الصديق, وقال الترمذي: حديث غريب 'العج/ رفع الصوت بالذكر- الثج / الدم أو الذبح'. وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله 'صلي الله عليه وسلم': 'ما من مسلم يلبي إلا لبي من عن يمينه, و عن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتي تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا ' رواه الترمذي وبن ماجة. إن من فضل الله تعالي علي عباده، أن وفق بعضهم لأداء فريضة الحج، وذلك لمن استطاع إلي ذلك سبيلاً، من ملك الزاد والراحلة، ووعدهم بأن 'من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه' أي أن الله تعالي غفر ذنوبه، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنهم في دعاء دائم لله تعالي، وفي ذكر مستمر لله تعالي، وشكر لا ينقطع لله تعالي إنهم ضيوف الرحمن، تطهروا في بيوتهم وذهبوا إلي بيت الله الحرام، قاصدين نوال الفضل من الله، وقد وعدهم ربهم تعالي: أن من تطهر في بيته وزارني في بيتي فحق علي المزور أن يكرم زائره.. إن الحجاج 'ضيوف الرحمن' وإن الله تعالي يتجلي عليهم ويتفضل في يوم عرفة باستجابة دعائهم. لكن الذين لم يقدر لهم زيارة بيت الله الحرام، ولا أداء فريضة الحج - هذا العام - لم يحرمهم من قبول دعائهم، وغفران ذنوبهم، والنظر إليهم بعين الرحمة والرضوان، فلم يحرم الله تعالي غير الحجاج من ثواب الأيام الأولي من شهر ذي القعدة، حيث الصيام، الزكاة، والذكر، والشكر، والاستغفار، والتقرب إلي الله، وكل ذلك لصالح المسلم، فقد سن عن رسول الله 'صلي الله عليه وسلم' صيام يوم عرفة لغير الحجاج، واحتسب الله تعالي لمن صام يوم عرفة تكفير ذنوب سنتين، السنة الماضية، والسنة الباقية لمن صام يوم عرفة، إيماناً واحتساباً لله رب العالمين، صيام يوم واحد يكفر سنتين فأي فضل هذا، وأي نعمة أنعمها الله علي عباده، وأي منه امتنها الله علي صائمي يوم عرفة من غير الحجاج!!. إنه فضل الله يؤتيه من يشاء، فعن أبي قتادة 'رضي الله عنه' قال: قال رسول الله 'صلي الله عليه وسلم' '.. وصيام يوم عرفة احتسب علي الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده'. وعن فضل يوم عرفة، وما أعده الله تعالي لغير الحجاج، فقد سئل رسول الله 'صلي الله عليه وسلم' عن صوم يوم عرفة، قال: 'يكفر السنة الماضية والباقية'. نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الحج واياكم