تفاقم أزمة كبير نشب مؤخرا بين فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب قرارات الرئيس جو بايدن الخاطئة وسوء إدارته للسياسة الخارجية الأمريكية، فمن شان تلك الأزمة أن يقلب موازين القوي بالعالم بسبب التحالفات الأمريكية الجديدة التي تأتي علي حساب علاقاتها مع الاتحاد الأوربي وحربها الاقتصادية والسيبريانية الباردة مع كلا من الصين وروسيا. وقد ظهرت بوادر تلك الأزمة بين باريسوواشنطن بعد إعلان استراليا يوم ا الخميس الماضي الموافق 16 من شهر سبتمبر الجاري إعلانها عن طريق رئيس وزرائها سكوت موريسون فسخ عقد ضخم يصل إلي ما يقارب 56 مليار يورو كانت أبرمته مع فرنسا عام 2016لشراء غواصات نووية واستبدالها بأخرى أمريكية عاملة بالدفع النووي، وجاء هذا الفسخ من جانب استراليا التي فضلت الدخول مع كلا من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوببريطانيا في شراكة إستراتيجية، وكان وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتن قد فسر تخلي بلاده عن الصفقة مع فرنسا لأن الغواصات الأمريكية تناسب بلاده أكثر، وأوضح "نحن بحاجة إلى غواصة بدفع نووي وقد درسنا خياراتنا وفي نهاية المطاف استند قرارنا إلى مصلحة أمننا القومي، وجاء هذا الإلغاء إثر الإعلان عن معاهدة أمنية ثلاثية (أوكوس ) خلال قمة للرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون الأمر الذي اغضب فرنسا وجعلها تصف الواقعة بأنها طعنة في الظهر من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن مظاهر هذا الغضب إلغاء السلطات الفرنسية لحفل كان مقرر في واشنطن يوم الجمعة الماضي بمناسبة ذكري معركة بحرية حاسمة في حرب الاستقلال الأمريكية انتصرت فيها فرنسا علي، وبخصوص هذا الصدد وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قرار الرئيس جو بايدن مساء الأربعاء الماضي الذي أعلن خلاله إطلاق شراكة إستراتيجية مع المملكة المتحدةوأستراليا التي تتضمن تزويد كانبيرا بغواصات نووية أمريكية بالقرار المباغت والأحادي والذي يشبه كثيرا ما كان يفعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة رئاسته ما أخرج فرنسا من اللعبة، ومنددا بسياسة الأمر الواقع الأمريكية ومن ثم الأسترالية في ظل غياب أي تشاور مسبق، كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي أن فرنسا وبناء علي طلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سوف ستستدعي على الفور سفيريها في كل من أسترالياوالولاياتالمتحدة للتشاور والاحتجاج وبحث تداعيات هذا الأمر، كما وصفت وزيرة الجيوش فلورانس بارلي الخطوة بالخطيرة ما أدي إلي تفاقم كبير وتوتر في العلاقات بين فرنساوأمريكا وإظهار الرئيس بايدن لنوايا ه الحقيقية تجاه بلدان الاتحاد الأوربي وحلف الناتو، واعتبار أمريكا بأنها ومن خلال تلك القرارات والتصرفات التي لا تحترم الدبلوماسية والعلاقات الخارجية مع الدول بمثابة المؤشرات المتناقضة علي غرار ما أحدثته مؤخرا في أفغانستان وتفردها بالقرار، إذ تطالب حلفاءها الأوروبيين بتعزيز حضورهم العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لتطويق الصين وفي الوقت نفسه تضع نفسها في موقع أوائل المتنافسين لصفقات بيع الغواصات الفرنسية، ومن جانبه تعهد بايدن بمواصلة العمل بشكل وثيق مع فرنسا التي وصفها بالحليف أساسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فرنسا بالشريك الحيوي للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.ومشدد في الوقت نفسه على الشراكة مع أستراليا والمملكة المتحدة الأمر الذي لم تعرفه فرنسا إلا مؤخرا الأمر ما زاد من حدة الغضب والنفير الفرنسي واعتبار هذا الأمر للأوربيين والفرنسيين بأن الولاياتالمتحدة تتوقع من حلفائها أن ينصاعوا، ولا تعتمد نهجا تشاوريا ما يؤكد محوريتها ويكشف عن نظرة واشنطن المتدنية لحلفائها الأوربيين، ما دفع بواشنطن لمحاولة التخفيف من تلك الأزمة وإعلان خارجيتها بأنها سوف ستواصل العمل في الأيام المقبلة لحل الخلافات بين الدولتين، يحدث ذلك في الوقت الذي يعزز فيه الرئيس الفني إيمانويل ماكرون القدرات الدفاعية والاستقلالية الإستراتيجية لأوربا، والدخول في منافسة قوي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد علقت علي هذا الحدث وصرحت بان الوقت قد حان لكي يسرع ّ الاتحاد الأوروبي الوتيرة من أجل الدفاع عن نفسه في مواجهة الهجمات الإلكترونية، والتحرّك حيث لا وجود لحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة ومعالجة الأزمات في الوقت المناسب، من جهتها نددت الصين أيضا بالصفقة التي وصفتها بغير المسئولة إطلاقاً بين الولاياتالمتحدةوأستراليا، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان أمام الصحافة إن التعاون بين الولاياتالمتحدةوبريطانياواستراليا في مجال الغواصات النووية يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين ويكثف من سباق التسلح ويقوض الجهود الدولية باتجاه إزالة انتشار الأسلحة النووي، وقد فسّر بعض المحللون والمراقبون تلك الاتفاقية واعتبارها محاولة لمواجهة نفوذ الصين في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، كما فسرها البعض الآخر باعتبارها نوعا من أنواع الضغط على أوروبا وعلى رأسهم فرنسا التي تقود بمشاركة ألمانيا تحركات تأسيس جيش أوروبي بدلا من الاعتماد العسكري المباشر على الولاياتالمتحدة الأميركية، من جانبها أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آرديرن أنّ الحظر الساري منذ عقود على دخول أيّ قطعة بحرية تعمل بالدفع النووي مياه بلادها سيسري على الغواصات التي تعتزم حليفتها الأوثق أستراليا الحصول عليها بفضل شراكة أبرمتها لتوّها مع الولاياتالمتحدةبريطانيا، وقالت آرديرن في بيان إن موقف نيوزيلندا المتعلّق بمنع القطع البحرية التي تسير بالدفع النووي من دخول مياهها لم يتغيّر، وأضافت أنّ نظيرها الأسترالي سكوت موريسون أطلعها على عزم بلاده على بناء غواصات تعمل بالدفع النووي بمساعدة من الولايات المتّحدة أما رئيس الوزراء البريطاني التي خرجت بلاده من الاتحاد الأوربي بمباركة أمريكية فقال بأن اقتناء أستراليا لغواصات تعمل بالدفع النووي سيساعد في الحفاظ على السلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقال جونسون إن هذه الخطوة لم يكن المقصود منها أن تكون معادية لأية قوة أخرى ما دفع بفرنسا ومعها القارة العجوز أن يشجبوا ويستنكروا مجتمعين اتفاق أميركا وبريطانياوأستراليا، هذا الاتفاق الذي يمكن أن يقلب موازين القوي بالعالم ويؤدي بدوره إلي خلق تحالفات عسكرية جديدة يمكن أن تزعزع الأمن والاستقرار بالعالم وبعدم احترام العهود والمواثيق والدبلوماسية والعهود الدولية في ظل روح الأنانية والعدائية وهيمنة قانون الغاب. صالح أبومسلم