السيسي ليس رجل مرسي، لكنه رجل الشعب المصري' هكذا اختتمت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية تقريرها عن الفريق الأول عبد الفتاح السيسي وجاء بعنوان عريض علي غلاف الصحيفة: 'تعرفوا من هو السيسي؟' ففي واقع الأمر قد انتفضت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية من أجل معرفة وتحليل شخصية الفريق أول السيسي بعد إلقائه عدة خطابات، علي الرغم من إلقاء بعض تلك وسائل الإعلام الضوء علي شخصيته عقب توليه منصب وزير الدفاع في أغسطس 2012، واعتمدوا في ذلك علي المصادر الأمريكية، التي وصفته بأنه متدين وقريب من جماعة الإخوان المسلمين، وأن تعليمه العسكري غربي يعتمد علي الثقافة العسكرية الأمريكية.. لكن يبدو أن الفريق السيسي قد شكَّل مفاجأة مدوية لإسرائيل وأجهزة مخابراتها التي لم تتوقع أن يقف الجيش المصري وراء الإطاحة بنظام جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما بعد توصل تل أبيب لتفاهمات واتفاقيات أمنية غير مسبوقة مع الجماعة، علي أساسها بنت إسرائيل عقيدتها واستراتيجيتها الأمنية والعسكرية خلال السنوات المقبلة. إن المفاجأة التي فجرها السيسي في وجه إسرائيل والغرب عمومًا بالاطاحة بمرسي ونظامه أجبرت تل أبيب مجددًا علي إعادة حساباتها وضرورة معرفته جيدًا.. ففي يوم العزل خرجت صحيفة 'معاريف' بتقرير خطير بعنوان عريض: 'من أنت يا سيسي' جاء فيه أن الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي خلع الرئيس محمد مرسي، دون استخدام طلقة نار واحدة ينظر إليه الجيش الإسرائيلي علي انه عبقري وبطل، مضيفة أن المخابرات الإسرائيلية قامت قبل شهور بعمل بروفايل للسيسي، الرجل الوطني، الشجاع، الذي يعرف كيف يتخذ القرارات. وأشارت إلي أن الاسم عبد الفتاح السيسي، كان اسمًا جديدًا علي الجمهور الإسرائيلي، وذلك عندما عين منذ حوالي عام قائدًا للجيش ووزيرًا للدفاع، لكن بالنسبة لجزء من المنظومة الأمنية الإسرائيلية كان السيسي معروفًا بسبب الاتصالات التي أجريت معه عندما كان قائدًا للاستخبارات العسكرية. ولفتت إلي أن السيسي لم يتم إسقاطه كالنيزك علي منصب قيادة الجيش، وإنما نبت من أسفل، من قوات سلاح المشاة، حتي وصل لقمة الهرم في سن ال58 فقط، وتم تعيينه وزيرًا للدفاع علي يد الرئيس الإخواني بدلًا من بطل حرب أكتوبر الجنرال طنطاوي، كمتعاون مع الاسلاميين، لكن فعليًا اتضح ان السيسي يختلف عن ذلك تمامًا. ولفتت إلي ان وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي نظرا باهتمام بالغ خلال الأشهر الأخيرة لقائد القوات المصرية الذي أدار الجيش المصري بحكمة وقوة مؤكدة بقولها: 'الحقائق تتحدث عن نفسها، ففي الأشهر السبعة التي مرت منذ عملية عمود سحاب في قطاع غزة أثمرت جهود الجيش المصري عن إيقاف عمليات تهريب الصواريخ بعيدة المدي للقطاع، وخلال تلك الفترة لم تدخل صواريخ ذات أهمية غزة، بدلًا من الأخري التي تم تدميرها علي يد سلاح الجو الإسرائيلي، خلال العملية العسكرية'. وقالت 'معاريف'، إن الثورة المصرية الأولي التي سقط فيها نظام مبارك كانت مفاجأة شديدة للمخابرات الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات الغربية، إلا ان الثورة الثانية كانت أقل إثارة للدهشة، وتل أبيب كانت لديها تقديراتها بأن نظام مرسي متهالك ومعلق بخيط رفيع ويوشك علي الانهيار، لافتة إلي ان المشكلات الاساسية للاقتصاد المصري لم تحل في فترة مرسي بل تفاقمت، وكان متوقعًا ان يعود الشعب وينتفض. وأضافت، انه بالرغم من ذلك لم يتوقع أحد أن النظام الحاكم سيسقط بسرعة هكذا، وبتلك الطريقة الدراماتيكية، لافتة إلي انه في بعض النواحي كان مرسي كنزًا لإسرائيل، فقد فرض علي حماس وسائر المنظمات في القطاع وقفًا لإطلاق النار. ولكي ندرك مدي المفاجأة التي فجرها السيسي في وجه إسرائيل والغرب بالإطاحة بنظام جماعة الإخوان المسلمين تشير للدراسة التي أعدها الخبير الاسرائيلي، هيلل فريش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان الإسرائيلية، والتي أكد فيها أن الجيش المصري لن يتدخل في الأزمة السياسية التي شهدتها مصر مؤكدًا أن الاحتمال الخاص بوجود استعداد لدي الجيش المصري لاستعادة السيطرة علي مقاليد السلطة أو لديه القدرة علي القيام بذلك، عقب الإجراء المفاجئ الذي قام به الرئيس المصري محمد مرسي الخاص بإعادة قادته إلي ثكناتهم في أغسطس 2012 مستبعد بصورة كبيرة، إن لم يكن مستحيلاً. مضيفًا إن طبيعة تعليم الجيش المصري وتكوينه تفسران السبب وراء عدم استعداده – سواء خلال الإطاحة بمبارك أو في الفترة التي أعقبتها – للدخول في مواجهة مع المتظاهرين. وأقوي مثال علي ذلك هو ما حدث في مدينة بورسعيد، حينما تورط متظاهرون في أعمال عنف واسعة النطاق احتجاجًا علي الأحكام المشددة التي صدرت في مذبحة استاد بورسعيد، التي وقعت في فبراير 2012 وأسفرت عن مقتل أكثر من سبعين شخصا، والتي اتخذت منحي سياسيا منذ ذلك الوقت ضد حكم الإخوان المسلمين. وفي الوقت الذي أبلغت فيه عناوين الصحف العالمية قراءها بأن الجيش تدخل لقمع الاحتجاجات، أظهرت الصور تعاون قوات الجيش مع المتظاهرين ضد قوات الأمن المركزي. ومنذ الإطاحة بمبارك، لم تدخل إلا وحدات صغيرة للغاية من الجيش أو الشرطة العسكرية أو نظيرتها البحرية في مواجهات مع المتظاهرين. وفي تلك الحالات، كان الجيش يحمي المباني العامة، وحظي ذلك بدعم شعبي واسع النطاق. ومن ضمن الأسباب الأخري التي لن تجعل الجيش يتدخل في الأزمة السياسية- كما كان يتوقع الخبير الإسرائيلي في حينه- هي الحافز الذي قدمه الدستور الجديد في عهد مرسي للجيش – أي استقلالية ميزانية الجيش – والزيادة الهائلة التي طرأت مؤخرًا علي رواتب الجيش. وعلي ذلك، يصعب التوقع بأن الجيش سيتدخل في الحياة السياسية، وأن يعمل علي نحو فعال في حال تدخله. كما أن الجيش المصري يدرك جيدًا أن الولاياتالمتحدة تعارض بشدة التدخل العسكري في أي مكان تقريبًا، خاصة ضد حكم الرئيس المصري محمد مرسي، الذي تدعمه واشنطن في الوقت الحالي. كما أن الجيش يرغب في تجنب خسارة الدعم المالي من الولاياتالمتحدة، التي لن تؤيد انقلابًا عسكريا. غير أن مفاجأة السيسي دفعت إسرائيل للتعبير عن مخاوفها منه مستقبلًا، خشية أن يسير علي خطي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كان دوما يفاجئ اسرائيل والغرب في قراراته ومواقفه، الأمر الذي دفع أليكس فيشمان، أكبر محلل إستراتيجي في صحيفة 'يديعوت احرونوت' ومقرب من قادة أجهزة الموساد الاسرائيلي أن يعترف في تقرير له بأنه قام لمصر عبد الناصر جديد، وهو فريق ذو حس سياسي وزعامة قوية الحضور. ومن جهة الحنكة فإن هناك تشابهًا بينه وبين الرئيس الراحل أنور السادات، خصوصًا، وأن السادات كان يبدو في البداية رجلا مرحليا لفترة انتقالية، وقد وقع الإخوان بداية في خطأ فادح عندما اعتقدوا بأن السيسي شخص مرحلي عُين بفضل قربه من الإخوان المسلمين. وتابع الخبير الإسرائيلي تقريره بالإشارة إلي أن السادات قد أحب الأرقام، وسخروا منه قبل أربعين عامًا حينما قال إنه مستعد لأن يضحي بمليون مصري لعبور قناة السويس. وها هو السيسي يكرر السيناريو نفسه، فحينما يتحدث عن استعداده للتضحية علي ألا يُهادن الجهاد العالمي والاخوان المسلمين فإنه ينفذ، كالسادات. وأكد أليكس فيشمان أنه من النادر أن نجد في جهاز الأمن المصري المتشعب قرارا مُجمعا عليه إجماعا واسعا للغاية كقرار إبعاد الإخوان المسلمين عن الشوارع. فليس قادة الجيش وحدهم هم الذين وافقوا السيسي، بل وافقه ايضا قادة أجهزة الأمن علي اختلافهم. وقد قامت من وراء القرار الذي اتخذه الفريق ثلاثة فروض أساسية. الأول: ان كل الحديث عن ملايين الإخوان المسلمين الذين سيخرجون إلي الشوارع علي أثر قمع عنيف ليس له أساس في الواقع. فالنواة الصلبة من المتظاهرين لا تشتمل علي أكثر من 400–500 ألف شخص، وهذه أرقام غير كبيرة في دولة فيها 85 مليون نسمة. وتحدث الفرض الأساسي الثاني عن ان معظم كتلة المتظاهرين موجود في الدوائر الخارجية للميادين، والحديث أكثر عن مؤيدين وأقل عن عناصر مسلحة. وسيهرب هؤلاء الاشخاص حينما يرون الدبابات الاولي، ولهذا يجب ان تبدو العملية كعملية عسكرية بكامل معني هذه الكلمة، مع الكثير من المركبات المدرعة: الدبابات وحاملات الجنود المدرعة. ورفض الفرض الأساسي الثالث أي اشتراك مع قيادة الإخوان المسلمين، لأن هؤلاء لن يخضعوا أبدا لقواعد اللعبة الديمقراطية. وقد منع السيسي إجراء تفاوض مع الزعيم السياسي الحقيقي للإخوان المسلمين في مصر خيرت الشاطر، الذي اعتقل مع جميع قادة الإخوان المسلمين. واستقر الرأي آخر الأمر في القيادة الامنية المصرية العليا علي دعم الفريق السيسي وعلي القضاء مرة واحدة والي الأبد علي معارضة الإخوان المسلمين للتغييرات التي جاءت بها ثورة 30 يونيو. وانتظرت المؤسسة العسكرية زعيمًا قويًا يقود سياسة حازمة وأصبح موجودًا عندها الآن. غير أن الاهتمام الإسرائيلي لم يقتصر علي الفريق عبد الفتاح السيسي بل شمل أيضًا قادة الجيش المصري، أبرزهم رئيس الأركان اللواء صبحي صدقي، حيث أكدت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' العبرية في تقرير لها عن قيادات الجيش المصري بأن اللواء صدقي تقترب صفاته الشخصية من الفريق السيسي، غير أنه أكثر انفتاحًا علي وسائل الإعلام والعالم الخارجي وظهورًا في المناسبات العامة. كما رصدت الصحيفة تصريحاته التي أدلي بها في شهر مارس الماضي التي أكد فيها أن ما يحدث في سيناء 'مؤامرة صهيونية'، وأن إسرائيل تسعي لإضعاف الانتماء الوطني الحقيقي لدي الشباب المصري. وأوضحت الصحيفة أن رئيس الأركان صبحي هو الذي يقود حاليًا عملية تطهير سيناء من الارهاب.